عندما أدى الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في أكتوبر 2020 اليمين الدستورية ليصبح ولي العهد، وعد “برفع راية المشاركة الشعبية وتعزيز روح التسامح التي تنأى بنفسها عن الانقسام”. ولم يتحقق الكثير منذ ذلك الحين لإنهاء الخلافات والصدامات والمآزق التي تبدو بلا نهاية بين عائلة الصباح الحاكمة والبرلمان. وكان التمرد نتيجة غير مقصودة لدستور سنة 1962 الذي يعين الأمير بموجبه رئيس وزراء يتولى بدوره تعيين الوزراء. ويتمتع غالبية النواب المنتخبين بسلطة سحب الثقة من الوزراء، بمن فيهم رئيس الوزراء، وهو أمر لا يُسمح به في أي دولة خليجية أخرى. لقد احتفظت الأسرة الحاكمة بالجزء الأكبر من السلطة في النظام السياسي منذ أول برلمان في 1963. المأزق السياسي المستمر والذي لم يُحل، من المرجح أن يترك ولي العهد والبلد في نفس المكان الذي كانا فيه وكان رئيس الوزراء من الأسرة الحاكمة دائما، لكن السلطة التي يمتلكها البرلمان على استجوابه أدت إلى ما أسماه مؤلف كتاب “أجور النفط: البرلمانات والتنمية الاقتصادية في الكويت والإمارات العربية المتحدة” مايكل هيرب، وهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة ولاية جورجيا “سلطة سلبية” حيث كان أعضاء مجلس الأمة يسعون إلى إسقاط الوزراء، بمن فيهم رئيس الوزراء، الذين تكون لديهم مؤاخدات عليهم على الصعيدين السياسي والشخصي. وفي الخامس من أبريل الجاري، قبل ولي العهد خطاب استقالة من رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد قبل تصويت بحجب الثقة الذي كان من المقرر أن يخسره. وكانت هذه نهاية ثالث حكومة في 2021 وحده، حيث تشكلت هذه الحكومة في ديسمبر. وتولى الشيخ صباح رئاسة الوزراء منذ أواخر سنة 2019 وتولى إدارة مواجهة البلاد لوباء كوفيد - 19، وهو الأمر الذي تعرض لانتقادات شديدة لفشله في احتواء الفايروس. ويرجع جزء كبير من هذا الفشل إلى الازدحام والظروف المعيشية غير الصحية لعدد كبير من العمال المهاجرين في الكويت. (يبلغ عدد سكان البلاد 4.7 مليون نسمة، 3.3 مليون منهم من غير المواطنين). وكانت أرض الصفر هي منطقة المهاجرين في جيب الشيوخ، حيث أشارت دراسة أجرتها كلية لندن للاقتصاد إلى اشتراك “ما بين ستة إلى عشرة أشخاص في السكن بغرفة واحدة، مع تأجير الأسرّة لمدة ثماني ساعات لعدد من الأشخاص الذين ينامون في النهار، وسط بيئات غير صحية وشوارع مليئة بمياه الصرف الصحي”. وكانت هذه، كما أشارت الدراسة، ظروفا مواتية لانتشار كوفيد - 19 الذي دفع في وقت ما بالكويت إلى المراكز العشرة الأولى في العالم من حيث عدد الإصابات بين كل مليون شخص. وكانت المعارضة حريصة على الاستمرار في المطالبة بإجابات حول سوء تعامل رئيس الوزراء المفترضة مع الوباء. كما أن لديها أسئلة حول الفساد تدور حول فضيحة الصندوق السيادي الماليزي التي شهدت تسلل جوه لو، العقل الماليزي المدبر لمخطط نهب المليارات، إلى الكويت وبالتالي تجنب المحققين من الولايات المتحدة وماليزيا، وكان ذلك بإذن من أحد أفراد الأسرة الحاكمة الشيخ صباح الجابر المبارك الحمد الصباح. ويرى تقرير نشر في مؤسسة “عرب دايجست” الاستشارية أنه ليس من المستغرب أن تنظر دول الخليج الشقيقة إلى المشكلات السياسية للكويت بمزيج من الارتياح لعدم اضطرار أنظمتها إلى التعامل مع الأسئلة المحرجة والتسلية السخيفة بأن أقرب نظام للديمقراطيات البرلمانية في الغرب قد وضع نفسه في مأزق مرة أخرى. القيادة المسنة التي تبدو غير قادرة على حل الجمود السياسي ليست جذابة بشكل خاص للمستثمرين الأجانب وينتمي قادة مثل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والأمير القطري تميم بن حامد آل ثاني، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى جيل جديد. بينما سلّم أمير الكويت الذي تجاوز الثمانين من العمر معظم مسؤولياته إلى شقيقه ولي العهد في ظرف أصبحت فيه قيادة منطقة الخليج والعديد من الدول الأخرى بين أيدي رجال أصغر سنا. بناء على ذلك، يذهب التقرير إلى القول إن القيادة المسنة التي تبدو غير قادرة على حل الجمود السياسي ليست جذابة بشكل خاص للمستثمرين الأجانب. وقد خفضت وكالة التصنيف فيتش تصنيف الكويت في يناير من ثالث أعلى درجة لدى الوكالة إلى رابع أعلى تصنيف. وقالت إن التصنيف يعكس القيود السياسية المستمرة على اتخاذ القرار، والتي تعوق معالجة التحديات الهيكلية المتعلقة بالاعتماد على النفط، ودولة الرفاه السخية وقطاعها العام الكبير. وأكّدت وجود نقص في التصحيح المالي الأساسي والجاد لصدمات أسعار النفط الأخيرة، وأن آفاق الإصلاح لا تزال ضعيفة رغم بعض التطورات السياسية الإيجابية الأخيرة كالحوار الوطني. كما علقت فيتش على الفشل الاستثنائي للحكومة في حل قضية قانون الديون الذي كان قيد المناقشة في البرلمان منذ عام 2017. وقد ترك ذلك الكويت غير قادرة على إصدار ديون دولية وترك الحكومة تواجه مدفوعات متأخرة بمليارات الدولارات إلى المؤسسات العامة. وأعطى الارتفاع في أسعار النفط الأسرة الحاكمة متنفسا لبعض الوقت. لكن المأزق السياسي، المستمر والذي لم يُحل، يرجح تقرير عرب دايجست أن يترك ولي العهد والبلد في نفس المكان الذي كانا فيه عندما اعتقد أنه يشجع على “التسامح” والروح التي تتجنب الانقسام.
مشاركة :