إعلانات تحسين الصورة تستفز جمهور الفضائيات المصرية

  • 4/16/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أثارت حملات إعلانية أطلقتها مؤسسات حكومية وخاصة في مصر على محطات فضائية مع بدء موسم الدراما الرمضانية استياء شريحة كبيرة من الجمهور وجدت أن الإعلانات تسعى لتبييض صورة الخدمات والأشخاص القائمين عليها وتحسين سمعتهم مع أن واقع التعامل معهم يعج بمشكلات يئن منها الناس. وأمام الاستفزاز الجماهيري مما يمكن وصفه بـ”إعلانات تحسين الصورة” وصلت إلى النيابة العامة أخيرا بلاغات ضد مسؤولين في بعض الجهات التي دفعت مبالغ طائلة للإعلان عن خدماتها البنكية، وتقدم نواب في البرلمان بطلبات إحاطة يتهمونهم بإهدار المال العام وإنفاق الملايين من الجنيهات على نجوم شاركوا في الحملة الإعلانية. وحصد إعلان البريد المصري النسبة الأكبر من ردود الفعل الغاضبة بعد أن استعان بالمطرب عمرو دياب في الترويج له، والذي يتقاضى مبالغ باهظة نظير ظهوره في الإعلانات، كما أن البريد ليس بحاجة إلى إعلانات لأنه بلا منافس محلي أو أجنبي. وأبدى كثيرون غضبهم من الإعلان بسبب طريقة عرضه، فهو لم يروّج للبريد وخدماته بقدر ترويجه للمطرب نفسه الذي يقدم أغنية يستعرض فيها قدراته الجسدية وهو يمارس الرياضة ويجري وحده في الشوارع ولا يطارده منافسون، ويبلغ من العمر ستين عاما، ثم يقول في النهاية عبارة “هذا وقت البريد المصري”. ويتكرر الأمر مع مؤسسات بنكية حكومية، مثل بنوك الأهلي ومصر والقاهرة، وأغلب فقرات إعلاناتها أغنيات لنجوم، مع أن الجمهور في مثل هذه الحملات الترويجية يترقب معلومات وخدمات وعروضا جديدة تعلن عنها المؤسسة المصرفية تفيد بتحسين مستوى الخدمة. ويفسر ذلك ارتفاع نبرة الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي من إعلانات تجميل الصورة في القنوات، وبينما كانت الفضائيات تذيع إعلانا عن البريد المصري حول سرعته وتفوقه تقدم عضو بمجلس النواب بطلب إحاطة للحكومة عن تدني مستوى خدماته وتعرض كبار السن لمشاكل بيروقراطية لصرف مستحقاتهم المالية. ويبدي البعض من المتعاملين مع بنوك حكومية تذمرهم من تراجع مستوى الخدمة فيها لسقوط النظام البنكي الإلكتروني وكثرة تعطل ماكينات الصرف الآلي، والزحام الشديد داخل البنوك الذي يتطلب من المواطن تخصيص وقت طويل لإنجاز طلباته، في حين تروج الإعلانات لواقع مغاير تماما، ما يضاعف من استفزاز الجمهور. ولا يحتاج الأمر إلى استطلاع رأي الشارع المصري حول المحتوى الإعلاني الذي ينقل إليهم صورة بعيدة عن الواقع الذي يعيشون فيه، إذ تكفي ملامح الغضب التي صارت تكسو وجوه المتابعين بمجرد بدء هذه النوعية من الإعلانات وترديد كلمات ربما لو وصلت إلى الجهات المعلنة لقررت وقفها على الفور. صفوت العالم: الجمهور لديه تحفظات على ما يقدم من خلال الفضائيات ويرى خبراء إعلام أن الجمهور في مصر لديه مشكلتان مع المحطات التلفزيونية، الأولى مرتبطة بالبرامج الحوارية التي تنقل للمشاهد واقعا ليس حقيقيا لإقناعه بتغير الأوضاع إلى الأفضل، والثانية متعلقة بالإعلانات الترويجية التي تمارس نفس الأسلوب، وكأن الشريحة الموجه إليها الرسالة الإعلامية أو الإعلانية من بلد آخر. ويعتقد هؤلاء الخبراء أن أصحاب الحملات الإعلانية لم يدركوا بعد أنه من الصعوبة إقناع الجمهور بشيء يتناقض مع الواقع الذي يعيش فيه، ومحاولة الاستعانة بنجم شهير أو نجمة لامعة للتسويق لمنتج والتأثير على الناس بكلمات وعبارات جذابة ومناظر خلابة لم يعد مجديا، حيث تراجع تأثير هذه الطريقة في الجمهور. واعتادت نعمات علي، وهي معلمة وربة أسرة، تغيير المحطات التلفزيونية كلما جاءت فقرة إعلانية، وتبرر ذلك بأن الفواصل مستفزة، فهي إما ترويج لسلعة بالغناء لها أو لمنتجع سكني فاخر يصيب المشاهد البسيط بالإحباط، أو التبرع لمؤسسة خيرية أو مستشفى لا يستطيع توفير خدماته العلاجية للجمهور. وتحدثت لـ”العرب” وهي متذمرة من مجرد ذكر كلمة إعلانات أمامها، قائلة “يوم حصولي على الراتب لا أجد أموالا في ماكينة الصرف التابعة للبنك أو أن ‘سيستم’ الرواتب لا يعمل وتعطل الصراف الآلي، ويوم ذهابي للحصول على معاش والدي من البريد أعاني الزحام وطول الانتظار وسقوط ‘السيستم’ أيضا”. وتساءلت نعمات “أليس من الأولى توجيه أموال الإعلانات لإصلاح الخدمات التي يتذمر منها الجمهور قبل إقناعه بالتعامل مع نفس الجهة مقدمة هذه الخدمات”. ورغم بساطة الكلمات التي قالتها المعلمة والأم أيضا، لكن مبرراتها مقنعة عندما تقول “أنا من جمهور المطرب عمرو دياب، هل هذا يدفعني لاتخاذ قرار بسحب أموالي من البنوك لإيداعها في البريد الذي يروج له، قطعا لا، فالأهم من الواجهة التي تقدم المحتوى الإعلاني أن يشعر الجمهور بالرضا عن الجهة المعلنة”. وتتعامل الكثير من البرامج الحوارية مع الجمهور بالطريقة نفسها، فهي تستعين بعدد من المذيعين المشهورين لزيادة انتشار الرسالة الإعلامية، ويتم التركيز على النجم فقط بعيدا عن تميز المحتوى والاحترافية في العرض والواقعية في مضمون الرسالة، وهو ما أدى إلى ما يشبه القطيعة بين الشارع وأغلب المحطات الفضائية. أغلب المتحفظين على إعلانات تحسين الصورة والسمعة يبنون موقفهم على أنها تعتمد على الترويج للمنتج أو الخدمة بطريقة توحي بأن الجمهور المستهدف ساذج وقال أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة صفوت العالم لـ”العرب” إن الجمهور لديه تحفظات على ما يقدم من خلال الفضائيات من برامج وإعلانات ومسلسلات وأفلام لأن الرسالة المقدمة غير واقعية ولا يجد المتلقي نفسه جزءا منها، فليس منطقيا أن تقول هذه الجهة إنها تقدم خدمة عالمية مع أن الناس يتعرضون للقهر لإنجاز المهمة فيها. وأضاف أنه لا مانع من تحسين صورة أي مؤسسة من خلال الحملات الدعائية، لكن المهم أن تغير واقعها وخدماتها للجمهور لتكون هناك مصداقية في الشارع، فالترويج لسلعة أو خدمة بما يخالف قناعات الناس حولها يتسبب في ردة فعل عكسية تجاه الإعلام وقد تصبح نتائج الإعلان كارثية على الجهة المعلنة. ويشير الخبراء إلى أن كثافة الإعلانات التي تروج لخدمات مؤسسات حكومية وخاصة أنها تفتقد إلى الحد الأدنى من أسلوب الإقناع وتخلو من أبسط قواعد جذب الجمهور إليها، فالإعلان لا يجب أن يتحدث عن جودة الخدمة وسعرها وقيمتها والفائدة المباشرة منها فقط، وعليه أن يراعي البدائل المتاحة ولا يكون خادعا. وتعتمد إعلانات ترويجية كثيرة في محطات فضائية مصرية على فكرة الوعظ والإرشاد، بأن تكون في نهاية كل إعلان شعار الجهة المعلنة، مع كتابة عبارة تحمل نوعا من العظة “ده (هذا) وقته”، “يلا جرّب”، “متبطلش (لا تبطل) تحلم”، “احنا (نحن) الأساس متفكرش”، وبالتالي لا يصل مضمون الرسالة إلى الشريحة المستهدفة، ولا تلتصق العظة في أذهان أصحابها. وأوضح صفوت العالم أن الكثير من الجهات المعلنة لا تُدرك كيفية الوصول إلى حالة الرضا المجتمعي حول السلعة، وهذا يتطلب التدقيق في شكل ومضمون وأسلوب وطريقة وتوقيت الإعلان، ومن الخطأ أن توجه الرسالة إلى شريحة بعينها، فيفقد المعلن كل الفئات. ويبني أغلب المتحفظين على إعلانات تحسين الصورة والسمعة موقفهم على أنها تعتمد على الترويج للمنتج أو الخدمة بطريقة توحي بأن الجمهور المستهدف ساذج أو يمكن بسهولة الاستخفاف بعقله، ما يعكس الأزمة الحقيقية في مستوى الإبداع الإعلامي بشكل عام، فلا توجد فكرة تمثل أرضية خصبة لنجاح الإعلان ودفع الناس إلى التفاعل معه، حيث بدت أغلب الحملات الترويجية أشبه بمسلسلات قصيرة تبثها القنوات.

مشاركة :