عكس قرار الحكومة المصرية تشكيل مجموعات عمل من وزراء ومتخصصين لمراجعة استراتيجية مواجهة التطرف أخيرا حجم المخاوف الرسمية من ارتفاع وتيرة التشدد بعد فترة من الهدوء، حيث بدأت ملامح عودة إلى نشاط عناصر تنتمي أو تتعاطف مع جماعات إسلامية متطرفة، مثل الإخوان والسلفيين. يحمل توجه الحكومة لإعادة النظر في خطط مكافحة التطرف الفكري تساؤلات حول المغزى والتوقيت، إذ يبدو أن هناك تقارير أمنية وسياسية حذرت من وجود رعونة في التصدي لخطر الانحرافات الفكرية وارتفاع صوت التشدد في الشارع وعبر الفضاء الإلكتروني، والذي أدى إلى عودة شبح الفتن الطائفية التي تتغذى على إيجاد فجوة بين المواطنين المسلمين والمسيحيين في مصر. تضم مجموعات العمل الجديدة ممثلين عن وزارات الأوقاف والخارجية والتربية والتعليم والثقافة والشباب والرياضة والتعليم العالي، والأزهر والكنيسة والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ودار الإفتاء، وثلاثة من أساتذة علم النفس والاجتماع، على أن تتم الاستعانة بعدد من ذوي الخبرة والمتخصصين من جهات أخرى. منير أديب: المواجهة الشاملة للتطرف هي السبيل الأمثل لنجاح الحكومة وتمارس عملها في إطار المجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب والتطرف التابع لرئاسة الجمهورية، وتختص بحصر جهود مواجهة الأفكار والمفاهيم غير السوية التي تمثل انحرافا عن المعتقدات الدينية والموروثات الثقافية والمجتمعية، وتقييم هذه الجهود ومراجعتها في ضوء مقترحات وزارة الداخلية والتقديرات والتوصيات لعرضها على رئيس الدولة. ويوحي المشهد الراهن في مصر أن الحكومة تواجه تحديا بالغ الصعوبة والتعقيد يرتبط بوجود صراع على هوية الدولة بين تيارات أصولية تتمسك بالترويج للأفكار المتطرفة وبين تيار يسعى إلى تثبيت أركان الدولة المدنية، ما يتطلب تحركا واقعيا من مختلف المؤسسات المتداخلة مع الملف. ويصعب على الحكومة تثبيت الأركان المدنية دون إرادة سياسية قوية والدخول في صدام مع التيار السلفي الذي لا يزال يروج لنفس سياسات الإخوان ويريد أن يحتل مقعد الجماعة، ويسعى إلى أسلمة الفكر والعقلية المصرية ويروج لفتاوى مناهضة لكل ما يرتبط بالتسامح والتعايش بين المواطنين. يتعامل سلفيون على أنهم فصيل إسلامي شارك في بناء شرعية نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد سقوط الإخوان، يحق لهم فعل ما يشاؤون ويتصاعد نفوذهم في المجتمع، ما يؤثر على الهوية المدنية والحريات الدينية ويكرس العنصرية والتمييز ضد الأقباط. وشهدت الأيام الماضية حالة من الاستقطاب الديني بين قوى إسلامية وعلمانية على خلفية وقائع أطرافها مواطنون أقباط تعرضوا لمضايقات واستفزازات من خلال النبش في قضية تحريم تقديم الطعام لهم في نهار رمضان. وقال منير أديب الباحث المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة إن الخطوة الأولى لمكافحة التطرف تتطلب تشريح مسببات التشدد وأركانه، كنواة لتأسيس مرجعية عصرية تحدد القاعدة التي تنطلق منها الحكومة لمواجهة حملة التكفيريين بنفس أسلوبهم، طالما لجأوا لاستخدام الفكر لاستقطاب عناصرهم. وتدرك الحكومة المصرية أن معركتها الحاسمة ضد التطرف لم تحقق نتائج إيجابية كبيرة بعد، والتي تتعلق بكيفية التصدي للعقول المنغلقة، باعتبارها ثغرة ينطلق منها المتشددون نحو المجتمع. وإذا ظلت المواجهة مع هذه الفئة بلا مكاسب حقيقية على الأرض، فإن المعركة مع الإرهاب الفكري لن تنتهي وسوف تعيش الدولة في متاهة فترة طويلة. ويفسر توسيع صلاحيات لجان العمل الجديدة التي شكلتها الحكومة هذه المسألة، حيث لجأت إلى وضع الدراسات والتوصيات العاجلة الخاصة بمواجهة الفكر المتطرف والإرهاب وظاهرة الإلحاد لأجل بلورة نموذج للمواجهة مع وضع الإطار الزمني وأدوار الجهات المعنية لتكون المعركة واقعية وتحقق أهدافها سريعا. المشهد في مصر يوحي بأن الحكومة تواجه تحديا بالغ الصعوبة والتعقيد يرتبط بوجود صراع على هوية الدولة بين تيارات أصولية تتمسك بالترويج للأفكار المتطرفة وبين تيار يسعى إلى تثبيت أركان الدولة المدنية ويشير متابعون لشؤون الجماعات المتطرفة إلى ضرورة إعادة ترتيب المشهد السياسي لتكون هناك موازين قوى جديدة تشارك في التصدي لأسلمة العقول وما وراءها من مآرب سياسية، ويتطلب ذلك وجود أدوار فعالة للقوى السياسية المدنية لخلق تعددية حزبية تغلق الباب أمام تصاعد المدّ السلفي. ويقول المتابعون إن التصدي للتطرف الفكري لا يكون بتشكيل لجان جديدة، لأن المواجهات التقليدية لن تُجدي نفعا، ولا بديل عن اتخاذ خطوات جادة للتوعية في مجالات التعليم والإعلام والثقافة والفن مع حتمية فتح الأجواء السياسية العامة ورفع سقف الحريات كمدخل مهم لمقاومة المتطرفين ومنع تغلغلهم في نسيج المجتمع. وتستند هذه الرؤى إلى وجود لجان عليا لمواجهة الأحداث الطائفية وأخرى لمحاربة التطرف، علاوة على القانون الخاص بمكافحة الإرهاب، لكن الواقع على الأرض يعكس غياب فعالية النصوص، فالعبرة ليست بنجاح المواجهة ضد التيارات الإرهابية لصالح الحكومة فقط، لأن بعضا من أفكارها لا تزال حاضرة ولا يُحاسَب أصحابها. وأكد أديب لـ”العرب” أن المواجهة الشاملة هي السبيل الأمثل لنجاح الحكومة، فلا بديل عن التنسيق الشامل بين جهات مختلفة للقضاء على الإرهاب الفكري، ولم يعد هناك بديل عن وجود جرأة في دخول هذه الحرب الممتدة بلا هوادة، كذراع ثانية مكملة للمواجهات المسلحة.
مشاركة :