عكس قرار قطاع المعاهد الأزهرية في مصر بتشكيل لجان لإعادة تأليف مناهج المختارات الإسلامية التي يتم تدريسها لطلاب المعاهد أن الأزهر لم يعد قادرا على الصمود في وجه مطالبات متصاعدة بشأن تدخل الحكومة لتحرير المناهج الدينية من قبضة التشدد، ما دفعه إلى الميل لتلك الخطوة بعيدا عن التوجيه السياسي. وقال سلامة داود رئيس قطاع المعاهد الأزهرية إنه سيتم تسريع إعادة تأليف مناهج المختارات الإسلامية، ومراجعة وثيقة تأليف الكتب، ومناقشة الرؤية الكلية لها وقائمة المحتويات، واستخدام المنهج العلمي عند التأليف ليكون هناك ربط بين ما يدرسه الطالب في العلوم الشرعية والمختارات الإسلامية. ويستهدف الأزهر من الخطوة إظهار تناغمه مع العصر في ظل مطالبات من مفكرين وكتاب وإعلاميين ومثقفين بحتمية نسف المناهج الأزهرية وتنقيحها من النصوص التي تحض على التطرف، وتتعارض مع مساعي الحكومة لتجديد الخطاب الديني، وتكريس التحرر الفكري والانفتاح بعيدا عن الهيمنة الدينية. ويعكس تحرك الأزهر المتأخر نحو مراجعة مناهجه واقعية الرؤى التي طرحت بشأن منظومة التعليم الديني في مصر المختلة وحاجتها إلى جراحة عاجلة تُشرف عليها الحكومة لا شيوخ يتهمون من يحاول الاقتراب من المناهج الأزهرية بمعاداة الإسلام. منير أديب: الخطوة تعكس بداية تخلي الأزهر عن مناهج تخدم تيارات متطرفة ويقوم التعليم الأزهري في مصر على ربط النظريات العلمية بالدين، بغض النظر عن ضرورة ذلك من عدمها، فالمهم إقحام المفردات والنصوص الدينية في كل المناهج، عكس ما تقوم به الحكومة من تطوير التعليم في مدارسها، حيث تقتصر الفكرة على تخريج شخص يؤمن بالمواطنة لتصبح الأجيال الشابة نواة لتأسيس مجتمع متحضر. وسواء تدخل الأزهر من تلقاء نفسه لتطوير مناهجه أو كان ذلك خطوة شكلية، فالإرادة السياسية وحدها كفيلة بإصلاح التعليم الديني، لأن ترك هذه المهمة للمؤسسة الدينية وداخلها أشخاص يعادون الانفتاح والعصرنة لن يؤدي إلى نتائج إيجابية. ولا تنكر بعض الدوائر السياسية في مصر أن النفوذ المتصاعد لشعبية التعليم الأزهري لا يروق للسلطة الحاكمة، وأي محاولة من قبل المؤسسة الدينية قد تنطوي على مناورة لكسب المزيد من الوقت، لأن الحكومة تخشى الدخول في مواجهة محتدمة تفضي إلى تبعات خطيرة وسط الدعم الكبير للأزهر من جانب الإخوان والسلفيين وأنصارهما. وتظل أزمة الحكومة مع المناهج الأزهرية أن جماعات الإسلام السياسي، وإن بدت ضعيفة وقليلة الحيلة حاليا، لا تزال تصور عصرنة الأزهر على أنها حرب على الإسلام، ما يضاعف من صعوبة مهمة دوائر صناعة القرار في التدخل بحسم لتطوير المناهج الدينية، لأن ذلك قد يقحمها في أزمة مع المجتمع المتدين بطبعه. وتتناغم طريقة التدريس في الأزهر، والكثير من المناهج أيضا، مع أهداف تيارات الإسلام السياسي التي تأسست في الأصل على التأثير في عقول الناس عن طريق الوعظ والنقل الحرفي للنصوص التراثية دون نقد أو تحليل أو الاستعانة بنصوص فقهية تجاوزها الزمن، ما يعيد إنتاج جيل جديد لا يؤمن بحرية الفكر والمواطنة. وتدرك الحكومة هذه المعضلة، وتبدو واثقة من أن إصلاح التعليم الأزهري يمثل انتكاسة للتيارات المتشددة، لكنها تتمسك بتأجيل الصدام إلى خطوة لاحقة إذا لم يبادر الأزهر من تلقاء نفسه بالتحرك نحو وضع حد للانغلاق الحاصل في المناهج. ورأى منير أديب الباحث والمتخصص في شؤون الإسلام السياسي أن إصلاح التعليم الأزهري على مستوى المناهج وطرق التدريس يتطلب إرادة سياسية وأزهرية أيضا، ولا بديل عن النظر إلى المصلحة الوطنية لأن الانفتاح يبدأ من إقرار نصوص دراسية وفقهية تناسب العصر، لا حقبة قديمة. وقال لـ”العرب” إنه من الضروري تغيير آلية التعامل مع التراث كمقدس، وما يحدث حاليا بداية تساعد مستقبلا على تفكيك الأفكار التي تحض على الكراهية وتدعو إلى ممارسة العنف بذريعة الجهاد ولن يأتي ذلك إلا بحذف ما ورد وليس له علاقة بالدين. Thumbnail واعتادت الحكومات المصرية المتعاقبة التعامل بحذر بالغ مع قضية إصلاح وتطوير التعليم الأزهري وسط ما يتم ترويجه أن هذه الخطوة تستهدف الدين، ما يجبر الحكومة على التراجع خشية إثارة الغضب ضدها، وقد نجح الأزهر في توظيف هذا السلاح ووقف محاولات الاقتراب من مناهجه خلال سنوات طويلة. ويخشى مراقبون أن يكون تحرك قطاع المعاهد الأزهرية بإعادة النظر في المناهج وتشكيل لجان لمراجعتها هو جزء من سياسة المراوغة التي اعتادت المؤسسة الدينية التعامل بها في كل مرة تثار فيها مسألة تنقيح كتب التراث، حيث تكتفي بتشكيل لجنة لتطوير المناهج دون إجراء مراجعة كتب التراث المكدسة في معاهد وكليات الأزهر. ويرتبط تراخي الأزهر بشأن التطوير الجذري لمناهجه باستمرار قيادات غير مقتنعة بالتجديد، وتراها فكرة متحررة سوف تجلب الغضب ضده، وهذا جزء من أزمة كبرى يعيشها وتتعلق باستسهال استخدام مبدأ النقل في مسألة التراث وليس إعمال العقل والنقد، لذلك لن يُسمح لشخصية أو جهة حكومية بالتدخل في طرح رؤى إصلاحية. وقال منير أديب إن السعي نحو إعادة النظر في بعض المناهج الأزهرية خطوة تعكس جانبا من تخلي فكر قادة الأزهر تدريجيا عن المناهج القديمة التي تخاطب الماضي ومتهمة بخدمة تيارات متطرفة، وهذا لا ينفصل عن تصاعد الضغوط بحتمية التغيير والسير وفق متطلبات العصر وعدم التمسك بالتراث. التحدي يكمن في مدى قدرة المؤسسة الدينية على الاستعانة بعقليات مؤمنة بالحداثة لتتولى المهمة ولفت إلى أن المطلوب من المؤسسة الدينية أكثر من مجرد إعادة تأليف المناهج الدينية، ومن المهم وجود إرادة ولو حققت نتيجة 50 في المئة فقط في هذه المرحلة، والمعضلة أنه يتواجد داخل الأزهر من يرفضون التجديد ويرونه بمثابة “تخريب”، ويحاولون تأصيل التراث، وتعد خطوة تطوير المناهج بداية اعتراف الأزهر بالخطأ. ويكمن التحدي في مدى قدرة المؤسسة الدينية على الاستعانة بعقليات مؤمنة بالحداثة لتتولى المهمة، لأن التصدي للتشدد يبدأ بإقرار نظام تعليم يعادي تقديس كل الماضي ودحض أفكار المتطرفين ليكون خريج الأزهر مؤمنا بالاختلاف والتعددية. وتظل إشكالية الكثير من علماء الزهر أنهم لا يميلون بطبيعتهم إلى العصرنة، ما ينعكس على طبيعة المناهج ومجتمع الدارسين، ويثير مخاوف المطالبين بحتمية وجود تدخل حكومي من خلال لجان متخصصة تقوم بمهمة مراجعة المناهج الأزهرية وتطويرها من منظور علمي مستقل لا يخضع لمواءمات أو حسابات شخصية أو ضغوط أزهرية. وإذا كان من الصعب على الأزهر القبول بهذا الطرح حفاظا على صورته ونفوذه، فمن المهم أن تستمر الأصوات المطالبة بتطوير التعليم الديني في طريقها، لأن المؤسسة الدينية لن تتحرك إلا من منطلق وقوع ضغوط عليها، وفي ظل وجود حكومة لا تريد الدخول معه في مواجهة تراها خاسرة يصبح الأمر بحاجة إلى استدارة قوية تتضمن وجود رقابة مستمرة من مفكرين ومثقفين ومبدعين على التعليم الأزهري. وبالتوازي مع تلك الرقابة، من الضروري أن يؤمن قادة الأزهر، إذا كانوا صادقين في نبذ التطرف، أن إقرار مناهج حديثة تعادي النظرة الدونية للآخرين هو السبيل الأمثل والأكثر سلمية لتوجيه ضربة موجعة لتيارات متشددة تتخذ من الأمية والتراث مدخلا للتلاعب بعقول الناس واستقطاب من درسوا بطريقة خاطئة. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :