قدمت هوليوود مع ترسانة من نجومها للكثير من الأفلام التي تتناول قضية الإرهاب، وهي أفلام بتشابه أحداثها ساهمت في خلق صورة نمطية للإرهابيّ العربي عادة وأحيانا القادم من أوروبا الشرقية. فالعشرات من الأعمال كرست ذلك، ومعه نموذج الفيلم الذي يتناول هذه القضية حتى بات مكررا، وبات إنجاز فيلم جديد بمعايير قديمة حولها مثيرا للتساؤل. هل تكفي أن تكون ثيمة الإرهاب أو ملاحقة الإرهابيين أو التحقيق معهم لإنتاج فيلم ناجح؟ وهل ما تزال هذه الثيمة مشجعة من أجل إنجاز المزيد من الأفلام حولها أو اتخاذها موضوعا وقصة سينمائية؟ وعلى فرض هذا التكرار في تقديم هذه الثيمة فإن المشاهد دون أدنى شك سوف يبحث عن شكل جديد وموضوع ومعالجة وقصة سينمائية مختلفة عما هو سائد فما الذي قدمه فيلم “لعبة الوكيل” بشكل مختلف عن صورة الإرهاب في الفيلم السينمائي وهل نجح في ذلك؟ هذه الأسئلة وغيرها تتبادر إلى الذهن لدى مشاهدة هذا الفيلم للمخرج غرانيت جونسون، والذي يبدو أنه قرر أن يجرب حظه في تقديم قصة عن الإرهاب والإرهابيين على طريقته فماذا كانت الحصيلة؟ الخطوط السردية الثلاثة في البداية سوف نشاهد الممثل ميل جيبسون في دور الضابط أولسين وهو يطلق الرصاص باتجاه ما في وسط مدينة أميركية، ثم ما يلبث أن يتصل بجهة ما قائلا إن هنالك مشكلة. ☚ الشخصية الرئيسية في الفيلم تبدو وكأنها ثانوية أو فرعية عاجزة عن أن تكون قائدة للصراعات ومحركة للدراما الفيلمية ها نحن ننتقل بعد ذلك تباعا إلى عدة أماكن ودول نبدأها بمدينة انتويرب البلجيكية وحيث يقوم ريس (الممثل ريس كوريو) وميلر (الممثلة كاتي كاسيدي) بتنفيذ عملية مداهمة تنتج عنها مصادمات والقبض على إرهابيين عالميين وبالطبع لن نتعرف عليهم على وجه الدقة. سوف ننتقل بعد ذلك إلى بلد آخر من بلدان أوروبا الشرقية وحيث يعتقل هناك متهم هو عمر (الممثل بارخاد عبدي) الذي يتولى استجوابه والضغط عليه المحقق بيل (الممثل جاسون إسحق) والخلاصة في الأمر أن عمر يرأس تنظيما يهدف لإطاحة زعيم دولة أفريقية اسمه مزداوي، لكن إرهابيين آخرين يكونون قد انخرطوا في نفس منظمة عمر، والتحقيق يهدف إلى معرفة علاقته بهم بينما هو ينفي وجود أي علاقة معهم. تتوازى الخطوط السردية الثلاثة ما بين الولايات المتحدة وبلجيكا والبلد الأوروبي وينظم هذه الأوركسترا الضابط ويلسون، وخلال ذلك يقع الجدل بين المحققين وخاصة في حالة عمر الذي يصر على براءته وانعدام أي علاقة له مع أي جماعة إرهابية أو أفراد إرهابيين، لكن ذلك لن يقنع المحقق بيل الذي سوف ينتقل إلى عملية ابتزاز بالسعي للقبض على زوجة عمر واستخدامها وسيلة للضغط. مع كل هذا التتابع في الأحداث والتحقيقات وإطلاق الرصاص والمواجهات العنيفة إلا أننا ما نزال نعيش في أجواء شديدة الغموض والقتامة في ما يتعلق بأي جماعة إرهابية، وحتى عمر نفسه من فرط اعتداده بنفسه ورفضه أي اتهام يوجه إليه يوصل المحقق بيل إلى قناعة خلاصتها أن لا جدوى من احتجازه لكن الأمر لن يمر بهذه السهولة. في موازاة ذلك يكون هنالك فريق آخر قد استقل طائرة خاصة وهما ريس وميللر وهما يحتجزان إرهابيا أيضا لتسليمه إلى السلطات، ولكن من دون الإفصاح عن قصة ذلك الإرهابي وماذا يريد أن يفعل وما هي مهمته، لكننا في المقابل سوف نشاهد ريس وهو يتلقى رسائل من جهة ما مجهولة. أجواء قاتمة على هذه الأرضية الدرامية تبنى أحداث الفيلم وعلى فرض أن ثيمة الإرهاب التي تحدثنا عنها في البداية سوف تقودنا بالنتيجة إلى تحولات ومفاجآت واكتشاف شخصيات وتلك هي وظيفة الدراما الفيلمية في هذا النوع من القصص التي اعتدنا على مشاهدتها، لكن الإشكالية التي تواجه هذا الفيلم هو أن الأحداث المهمة والمعلومات التي تقدم للمشاهد لم تلغ الغموض، فما بعد عملية انتويرب لم تصلنا حصيلة المهمة التي قام بها فريق أمني متخصص. رغم تتابع الأحداث والتحقيقات وإطلاق الرصاص والمواجهات العنيفة إلا أننا ما نزال نعيش في أجواء شديدة الغموض على أن من بيده كامل التفاصيل هو الضابط أوليسون في إطلالة تذكرك بإطلالات الممثل بروس ويليس في مثل هذا الدور، لكن السؤال هو كيف يمكن للشخصية الرئيسية أن تبدو وكأنها ثانوية أو فرعية وذلك من خلال عجزها دراميا عن أن تكون قائدة للصراعات ومحركة للدراما الفيلمية وهي ثغرة بدت مستغربة في هذا المسار الفيلمي. على الجهة الأخرى هنالك الفريق الذي يطارد ويحقق ومنه فريق الطائرة الخاصة الذي لن يمتلك زمام المبادرة هو الآخر إذ يجد نفسه مجبرا على الهبوط في مدينة أخرى وليس المدينة المستهدفة التي يفترض أن تهبط فيها الطائرة لتسليم الإرهابي المزعوم. تضاف إلى كل ذلك أن أغلب المشاهد الفيلمية من مطاردات ومواجهات تجري كلها إما من خلال تصوير ليلي أو في أجواء مغلقة وقاتمة، وقد بدا غريبا إصرار المخرج على تلك المشاهد التي لا تكاد تميز من خلالها وجوه الممثلين لأن الكدرات في بعض الأحيان هي في حالة عتمة شديدة. ما بين الإخفاق في تقديم قصة سينمائية رصينة ومتماسكة دراميا وسرديا وجماليا تكشف عن الإرهاب أو تقدم فصلا آخر من فصوله بما يشكل إضافة جديدة وبين الصورة القاتمة بطريقة مبالغة من العتمة هي حصيلة هذا الفيلم الحديث، الذي لم يضف شيئا يذكر لرصيد المخرج والممثل ميل جبسون ولا لفريق الفيلم وهو ما يجمع عليه العديد من النقاد أيضا.
مشاركة :