الخرطوم / طلال إسماعيل / الأناضول بين ترقب لانطلاق الحوار في السودان من خلال تهيئة المناخ السياسي، والإصرار على عدم التفاوض واستمرار المظاهرات المطالبة بالحكم المدني، يظل المشهد مفتوحا على سيناريوهات في بلد لم تنقطع عنه المبادرات الداخلية والخارجية لحل أزمته. ووفق مراقبين، تحدثوا للأناضول، فإن هناك إشارات في المشهد السياسي بالسودان تفيد بإمكانية حدوث تحولات خلال الأيام القادمة، والانتقال من مربع المشاورات والمبادرات إلى طرح مشاريع للحل، رغم وجود قوى مؤثرة ترفض ذلك. ويشهد السودان منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، احتجاجات ترفض إجراءات استثنائية اتخذها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين. ومقابل اتهامات له بتنفيذ انقلاب عسكري، قال البرهان، وهو قائد الجيش أيضا، إنه اتخذ هذه الإجراءات لـ"تصحيح مسار المرحلة الانتقالية"، متعهدا بتسليم السلطة إما عبر انتخابات أو توافق وطني. وقبل تلك الإجراءات، كان السودان يعيش منذ 21 أغسطس/ آب 2019 مرحلة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024. ** تهيئة المناخ لكن يوم الجمعة الماضي، أعلن البرهان أنه سيتم الإفراج عن المعتقلين السياسيين "خلال يومين أو ثلاثة"، بهدف تهيئة مناخ الحوار في البلاد. وأشار إلى أنه "وجه الأجهزة المختصة بمراجعة حالة الطوارئ والإبقاء على بعض البنود التي تستهدف الأمن الوطني والاقتصاد". ** مصالحة سياسية وبالتزامن مع تصريحات البرهان، دعا نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، القوى السياسية في البلاد للوحدة قبل الذهاب إلى عملية الانتخابات. وقال "حميدتي" في تصريح صحفي: "نحن من أنصار تحقيق الوفاق، البلاد لا تتقدم إلا بالانتخابات، ولا نريد أن ندخل الانتخابات وبيننا خلاف، بل نريد الذهاب إليها ونحن متفقون، لا نرفض الوفاق، والدليل بأننا لم نأتِ برئيس وزراء للحكومة". وسبق ذلك، تأكيد من "قوى الحرية والتغيير" (الائتلاف الحاكم سابقا)، يوم الخميس، في بيان، أنها لن تمضي في أي عملية سياسية دون إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإلغاء حالة الطوارئ. والسبت، اعتبر رئيس حزب المؤتمر السوداني (ضمن أحزاب الائتلاف الحاكم السابق) عمر الدقير، أن "الحديث عن قرب إطلاق سراح المعتقلين السياسيين لا يتسق مع حملة الاعتقالات المسعورة". وأشار في تصريح صحفي إلى ضرورة "التوافق على ترتيبات دستورية تنشأ بموجبها سلطة مدنية كاملة لتنفيذ مهام متفق عليها، خلال ما تبقى من عمر الفترة الانتقالية، انتهاءً بانتخابات عامة حرة ونزيهة". الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني علم الدين عمر، رأى أن "الساحة الآن مهيأة أكثر من أي وقت مضى لإجراء مصالحة سياسية محدودة وقابلة للتطور". وفي حديثه للأناضول، أضاف أن "انسداد الأفق السياسي بهذه الطريقة سيقود لطريق وحيد لا أعتقد أن هنالك قوى في السودان أو المحيط تسعى له وهو طريق الفوضى الشاملة، ولذلك ربما يكون ائتلاف الحرية والتغيير الذي خرج من السلطة عقب إجراءات 25 أكتوبر الماضي قد وعى الدرس الآن". وأوضح أن "عقارب الساعة لا يمكن أن تعود لشكل الحكم قبل ذلك، وربما تكون الإجراءات القضائية التي اتخذت وتم بموجبها إطلاق سراح قيادات الإسلاميين رفعاً للحرج القانوني هي المقدمة الأبرز لطريق المصالحة". واستطرد: "أعتقد أن الإسلاميين أنفسهم سيكون لديهم ما يقدمونه من تنازلات لصالح هذه الإجراءات بما يفضي لوضع ما تبقى من الفترة الانتقالية في مسار معقول يخرج البلاد من عنق الزجاجة بالحد الأدنى من التوافق". وخلال الآونة الأخيرة نشطت الجهود الدولية والإقليمية لحل الأزمة من خلال طرح مبادرات للحل إلا أنها لم تثمر عن شيء حتى الآن، وتزامنت هذه المبادرات مع مقترحات داخلية للحلول من أطراف السودانية ونالها نفس النصيب من عدم التوفيق. ولعل أبرز هذه المحاولات هي مبادرة بعثة الأمم المتحدة "يونيتامس"، ومبادرة الاتحاد الإفريقي، ومبادرة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا "إيغاد"، التي توحدت في "الآلية الثلاثية" لحل الأزمة السياسية. ففي 12 أبريل/ نيسان الجاري، طرحت الآلية الثلاثية للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي و"إيغاد"، 4 محاور أساسية لحل الأزمة السياسية بالسودان. والمحاور الأربعة هي "ترتيبات دستورية، وتحديد معايير لاختيار رئيس الحكومة والوزراء، وبلورة برنامج عمل يتصدى للاحتياجات العاجلة للمواطنين، وصياغة خطة محكمة ودقيقة زمنيا لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة". وشدد فريق العمل المشترك للآلية الثلاثية على "وجوب توفير الإجراءات الضرورية لتهيئة المناخ للحوار بما فيها إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين ورفع حالة الطوارئ وإلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات وضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان". وجرت لقاءات مكثفة خلال الأسبوع الماضي بين مسؤولين دوليين وإقليمين مع مسؤولين حكوميين سودانيين وقوى مدنية في إطار حل الأزمة المتفاقمة. ومحليا، برزت مبادرات، من بينها خريطة طريق من حزب الأمة القومي، وكذلك مبادرة الجبهة الثورية (تضم حركات مسلحة)، التي تقوم على إجراء حوار بين الفرقاء السياسيين حول نظام الحكم والدستور والانتخابات، وأيضا مبادرة مديري جامعات سودانية. ** رفض للتسوية ورغم ذلك، أصدر الحزب الشيوعي السوداني بيانا السبت يرفض ما وصفه بـ"التسوية الهادفة لتصفية الثورة". وقال: "لا تزال قوى الهبوط الناعم وحلفاؤها من اللجنة الأمنية وبعض القوى الإقليمية والدولية، تواصل مخططاتها التي تهدف إلى قطع الطريق أمام الثورة وتصفيتها في نهاية المطاف". ورفض الحزب الشيوعي مشاركة جهات وأحزاب في أي حوار قادم ومن ضمنها الأحزاب التي شاركت في حكم نظام الرئيس المعزول عمر البشير. وعلى خطى الحزب، أعلنت تنسيقية لجان مقاومة الخرطوم (مكونة من نشطاء)، السبت أيضا، رفضها مبادرة الجبهة الثورية لحل الأزمة باعتبارها لا تعبر عن تطلعات الشعب السوداني. كما أصدرت جدولا للتصعيد الثوري للمطالبة بالحكم المدني خلال الأيام القادمة. لكن حزب الأمة القومي وبالتزامن مع موقف الحزب الشيوعي وتنسيقيات المقاومة، كان له موقف مغاير إذ أعلن ترحيبه مبدئياً بالاتجاه نحو إسراع خطى العملية السياسية التي تقودها الآلية الثلاثية من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي و"إيغاد"، ودعوتها لملتقى تحضيري، وفق بيان للحزب، اطلعت عليه الأناضول. وحول هذا التباين في المواقف، قال المحلل السياسي والكاتب الصحفي أسامة عبد الماجد، للأناضول: "لم يحقق التصعيد الجماهيري أيا من المطالب المرجوة التي تقدمت بها لجان المقاومة، ولذلك لا بد من طريق ثالث لحل الأزمة". وتابع: "الأفضل مبادرة الجبهة الثورية في الحل لأنها تتحدث عن إجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية والتمسك بها، وأن المكون العسكري شريك أساسي في السلطة". وأضاف: "يمكن الجلوس للتفاوض بين كافة الأطراف ليصل الجميع إلى نقطة تلاقٍ، والتمكن من إجراء الانتخابات في البلاد من دون إقصاء لأي جهة". وأشار إلى أن هنالك بعض المكونات السياسية التي سترفض هذا الطريق الثالث ومن أبرزها الحزب الشيوعي السوداني. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :