الفائدة تغير سلوك الأسواق

  • 4/21/2022
  • 23:10
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

جاء تحذير صندوق النقد الدولي الأخير من احتمالات تدهور أسواق الأسهم والسندات في العالم بسبب اتجاه البنوك المركزية الرئيسة، وبينها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، إلى زيادة أسعار الفائدة بوتيرة أسرع من توقعات المستثمرين بهدف كبح جماح التضخم، وهذا ما جعل الصورة تبدو قاتمة نوعا ما، فما الذي يجعل الأسواق تتدهور خاصة السندات إذا ارتفعت أسعار الفائدة؟. المنطق الاستثماري البسيط يقول إن ارتفاع أسعار الفائدة في دولة يؤدي إلى تدفق داخلي للأموال للاستفادة من العوائد، لكن الأمر ليس بهذه البساطة كما يبدو، ففي دراسة أجراها فريق من صندوق النقد الدولي ضمن تقريره السنوي عن آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2021 بعنوان "كيف يمكن أن تؤثر أسعار الفائدة المتزايدة في الأسواق الصاعدة"، فقد انتهت الدراسة إلى أن اتجاهات المستثمرين وبالتالي أسعار الأسهم، والسندات، في الأسواق الناشئة، تختلف باختلاف الأخبار عن الوظائف في الولايات المتحدة بشكل أساس، فعندما تكون الأخبار جيدة هناك تشهد معظم الأسواق الصاعدة تدفقات داخلية أقوى، والسبب في ذلك أن الأخبار الجيدة عن العمالة والنشاط الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة تعني نموا في صادرات الأسواق الصاعدة، وبالتالي انتعاش النشاط الاقتصادي وهو ما يرفع أسعار الفائدة المحلية، ويعزز الاستثمارات، وأسعار الأسهم، والسندات، في تلك الأسواق، لكن ليس هذا صحيحا بالضرورة لكل الأسواق، بل فقط تلك التي تملك قدرات تصديرية للأسواق المتقدمة، وبالنسبة للدول الأقل حظا في هذه المعادلة، فإنها ستضطر لرفع أسعار الفائدة المحلية دون أن يكون لذلك علاقة مباشرة بالنشاط الاقتصادي، ومن أجل المحافظة على الأموال فقط. في المقابل، فإن ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة خصوصا، يأتي كإجراء مفاجئ من البنك المركزي، في السياسة النقدية، ما يؤدي إلى تدفق رأس المال على الفور إلى خارج الأسواق الصاعدة، وتنخفض قيمة عملاتها مقابل الدولار الأمريكي لأن "علاوة الأجل" - أي التعويض عن مخاطر حيازة سند دين بأجل استحقاق أطول - ترتفع في الولايات المتحدة في ظل السياسة النقدية الأخيرة، ما يؤدي إلى انهيار في أسعار الأسهم والسندات في الأسواق الصاعدة. من هذا المنطلق النظري قال مدير إدارة أسواق النقد والمال في صندوق النقد الدولي وكبير نواب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي لنيويورك سابقا، إن احتمالات حدوث موجة بيع كثيفة في أسواق المال الرئيسة ستزيد إذا ترافق تشديد السياسات النقدية في الدول الكبرى مع ركود الاقتصاد، فارتفاع أسعار الفائدة لم يكن نتيجة النشاط الاقتصادي المتصاعد، بل هو نتيجة تشديد السياسة النقدية بأسرع من المتوقع لمواجهة معدلات التضخم الآخذة في الارتفاع نظرا لارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بسبب الحرب في أوكرانيا، مع ضغوط عمالية متزايدة لرفع الأجور، ما يرسخ توقعات التضخم. الوضع الراهن لارتفاع أسعار الفائدة ليس لكبح النشاط الاقتصادي المفرط، والتشغيل الكامل للعمال، بل لمواجهة التضخم الذي تسببت السياسات المتساهلة عند مواجهة تداعيات فيروس كورونا، وارتفاع الأسعار نتيجة الحرب. وهذا يعني أن الأسواق الناشئة ليس أمامها فرصه لزيادة الصادرات، وبالتالي ارتفاع العوائد، ما يجعل الاستثمارات والأموال تتدفق إلى الخارج. لكن ليس هذا وحده ما يقلق، ففي استطلاع نشر أخيرا خلص إلى أن آراء المتخصصين أجمعت بأن كل ما يقوم به "الفيدرالي الأمريكي" له تأثير مباشر وغير مباشر في أسعار الأسهم، والتدفقات التجارية، والمالية، والسندات السيادية، وأسواق العملات، في جميع أنحاء العالم، وعندما ترتفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة يصبح الاقتراض أكثر تكلفة في جميع الاقتصادات، وتصبح الدول في وضع سيئ لأن عليها الآن فوائد ديون أعلى. كما أن عددا من شركات القطاع الخاص في الاقتصادات الصاعدة عليها قروض دولارية واجبة السداد، هذا يجعل الأوضاع الاقتصادية لتلك الشركات أصعب في السداد نتيجة ارتفاع الفائدة، ولهذا تتجه الاستثمارات للتخارج منها في هذه الظروف، حتى تتضح الصورة على الأقل. هذه التدفقات الخارجة تضغط بشدة على العملات، ما يعزز من مظاهر التضخم، ويدفع الدول إلى رفع الفائدة، مع زيادة الاقتراض الخارجي، وهو ما يفاقم الأوضاع في المدى القصير، ويعزز القلق العام الذي يبرز في موجات بيع واسعة. هذه السلبيات تأتي في صلب تحذير صندوق النقد الدولي، لكن ما هي الخيارات المتاحة لمواجهة هذا السلوك، فهذا التحذير لن يكون ذا جدوى طالما أن الأسواق ستتبع فيما يشبه سياسة القطيع، كما أن رفع أسعار الفائدة لن يكون ذا جدوى كبيرة أيضا للأسواق الناشئة.

مشاركة :