حقيقةً وليس عذرًا بأن كثرة المسؤوليات في حياتي تعيقني وتشغلني عن تحقيق كثير مما أطمح إليه، ولكن بطبعي عنيدة، وأرفض الاستسلام، وأسعى رغم كل ظروفي إلى ترك بصمة، وأثرٍ طيب في هذه الحياة، لأني مؤمنة بأن الإنسان جاء لهذا العالم حاملًا رسالة وعليه إيصالها، وأن من يطلب الخلود يجب عليه عمل أعمالٍ تخلد ذكره بالخير للأبد. ذلك ما ذكرتهُ المبدعة الرائعة الأستاذة عائشة عسيري بين طيات الحوار. * كيف ولجت إلى عالم القصة وهل هناك أسباب لذلك؟ - أنا في الأصل كاتبة مقالات وخواطر، وهذا شيء أعتز به، وأحب دائمًا أن أعرف عن نفسي بأني كاتبة أولًا ثم قاصة وصحفية، وحين ولجت إلى عالم القصة ككاتبة، ولجته بشكلٍ أقرب ما يكون للصدفة، حيث ترجمت موقفًا سمعت به إلى أولى قصصي المكتوبة والمنشورة في مجموعتي القصصية( ذكريات عطر)، وهي قصة (مقهى العشاق)، صحيح أن الأحداث من خيالي، لكن منطلقها من الواقع، وهكذا وجدت نفسي في عالم القصة الجميل والمتعب أحيانًا. أما كقارئة فعلاقتي بالقصة بدأت منذ طفولتي المبكرة، حيث كنت أحرص على استعارة قصة أو قصتين حسبما تسمح لي به مديرة المدرسة، وبشكلٍ يومي، كما كنت أحرص على قراءة القصص المنشورة في المجلات خاصة مجلة سيدتي، التي كنت أتابع من خلالها قاصة مغربية رائعة اسمها نجاة غفران، والتي علقتني بالقصة وربطتني بعالمها الجميل بشكلٍ أكبر وأعمق,كتابة القصة عندي تتم بشكلٍ تفاعلي، أترجم ما أراه أو أسمعه أو أشعر به إلى قصة. * كيف قُمت على تشييد بناء مجموعتك القصصية الأولى وهل كانت كما كنت ترغبين؟ - عملت على مجموعتي القصصية الأولى بجهدٍ كبيرٍ وفي وقتٍ ضيقٍ نسبيًا، وذلك لكي أتمكن من إنجازها للطباعة والنشر قبل معرض الرياض الدولي للكتاب في ذلك العام 2019، وإن كان ذلك الجهد تنقصه الخبرة، والتي تفتقدها البدايات غالبًا. أعتز كثيرًا بمجموعتي الأولى، وأطمح للأفضل بالتأكيد في المستقبل. * ما الذي يحف البدايات من مخاطر وكيف قفزت على ذلك؟ - أولى تلك المخاطر هي قلة الخبرة، وعدم نضج التجربة للقاص، لكن القاص الشغوف بالقصة، وبالنجاح يحاول تجاوز ذلك من خلال الاستفادة من آراء كتاب القصة الذين سبقوه في هذا المجال، وهذا ما فعلته من خلال عرض قصصي على أساتذة عُرف عنهم علو كعبهم في هذا المجال سواءً أكانت كتابةً أم نقدًا، من خلال نادي القصة السعودي، وخارجه. هذا أفادني في تجاوز صعوبة البدايات، ولازلت وسأظل -بإذن الله - أفعل، فهذا يختصر علي سنوات من الجهد المشتت، ويكسبني الخبرة والنضج بشكلٍ أسرع وأفضل وليس عيبًا أن تستشير من هم أعلم منك أو أسبق في أي مجالٍ، وتستفيد من خبراتهم، بل الخطأ هو التعالي على ذلك، مع حقك في إعمال عقلك، وإطلاق فكرك بما تراه مناسبًا وتقتنع بجودته. * الموهبة لا تكفي في رأيك ماذا تحتاج حتى تصل إلى المتلقي وهي مكتملة الجودة؟ - تحتاج إلى حسن التواصل مع القراء أو من يهتم لموهبتك. فتعالي الكاتب على قرائه ومتابعيه يصرفهم عن متابعة ما لديه، مهما كان رائعًا، وتعاليه على النقد، ورفضه الأخذ بما يصله من ملاحظات يجعله يخسر الكثير، خلاف لو أنه تقبلها وعمل بها. أيضًا المبدع يحتاج إلى المثابرة والعمل المستمر على تطوير ذاته، وعدم الاكتفاء بكلمات المدح والإطراء، ظنًا منه بأنه وصل لغاية مجده. الوصول للنجاح ممكن ولن أقول سهلًا، لكن المحافظة عليه هي الصعبة، والأصعب هو التجدد الدائم. * كثرة المسؤوليات في حياتك تعيق مشوارك الإبداعي أم أنك قادرة على تخطي الصعاب؟ - حقيقةً وليس عذرًا بأن كثرة المسؤوليات في حياتي تعيقني وتشغلني عن تحقيق كثير مما أطمح إليه، ولكن بطبعي عنيدة، وأرفض الاستسلام، وأسعى رغم كل ظروفي إلى ترك بصمة، وأثرٍ طيب في هذه الحياة، لأني مؤمنة بأن الإنسان جاء لهذا العالم حاملًا رسالة وعليه إيصالها، وأن من يطلب الخلود يجب عليه عمل أعمالٍ تخلد ذكره بالخير للأبد. * كيف تنظرين اليوم إلى مشاركتك في المسابقات القصصية وهل حقق النجاح شيئا من طموحك؟ - مشاركاتي في المسابقات ليست كثيرة، ومن عهد قريب ولا زلت أطمح للأفضل. * كتابة القصة سواء القصيرة أو القصيرة جداً سهل أم أنها تحتاج جهداً لا يعرفه إلا أصحاب الحرفة؟ - بالفعل كتابتها تحتاج إلى جهد لا يعرفه إلا أصحاب الحرفة. كنت أكتب القصة وأنا أشعر بأنها أقل وأسهل من الرواية، ليس استهتارًا مني بها، لكن كانت تواتيني بشكلٍ سهل، حتى قال الدكتور عمر فضل الله، من السودان - خلال إجابة له على سؤال طرحته عليه في حوار لي معه- بأن كتابة القصة أصعب بكثير من كتابة الرواية، نظرًا للشروط التي يتقيد بها القاص أثناء الكتابة، بعكس الرواية التي يجد فيها مساحة واسعة للعمل بحرية أكبر. أما القصة القصيرة جداً فأعتقد بأنها أصعب من القصة القصيرة والرواية، رغم قصرها, وأكتبها من وقت لآخر لكن بحذرٍ وحرصٍ على أن تكون فعلًا مطابقة لشروط القصة القصيرة جداً. * ماذا أنجزت من أعمال إبداعية أثناء فترة الحجر، وهل هناك أعمال سترى النور قريباً؟ - فترة الحجر جاءت مباشرةً بعد وفاة والدي يرحمه الله، والتي جعلتني أعيش في فترة حزن وكآبة وحدادٍ داخلي، فقط كنت أكتب الخواطر التي من خلالها كنت أتخفف من ثقل حزني على فاجعة فقده يرحمه الله, وأعمل حاليًا على مجموعتي القصصية الثانية، كما أتطلع إلى جمع ما قد نُشر لي من مقالات وخواطر في الصحف، أجمعها في كتاب بإذن الله. * كم من الوقت تمضين مع خير جليس وأي أنواع الكتب تقرئين؟ - لا وقت محدد لدي للقراءة، بسبب كثرة مسؤولياتي، بل أي وقتٍ أجد فيه مساحةً للقراءة أقرأ فيه, وأما نوع الكتب التي أقرؤها فهي متنوعة، والحقيقة بأني أحب قراءة أي كتاب تقع عيني عليه حتى لو كان بعيدًا عن ميولي الأدبي، وذلك من باب الثقافة، وتنويع المعارف، والاطلاع على شتى العلوم, وأذكر مرةً ومنذ زمن بعيد قرأت نصيحة لأحد الأدباء يقول فيها: (اقرأ كل كتاب تجده، حتى لو كان خلاف ما تحب) وذلك لمزيد من الثقافة والمعرفة, وأنا أتفق معه تمامًا وأنصح بالأخذ بنصيحته تلك. * كيف كانت مشاركتك في الأمسيات القصصية الافتراضية وهل رأيت أن ذلك عمل فعال؟ - عرضت علي المشاركة عدة مرات في تلك الأمسيات لكن اعتذرت بسبب ظروفي، وأرى أن تلك الأمسيات جيدة وفعالة ومناسبة للكثيرين، وعرفتنا بأسماء جديدة تستحق الظهور. * الصحافة تفقد وردة الإبداع رائحتها ما رأيك في ذلك؟ - لا أرى ذلك، ويظل العمل الصحفي فيه عبق الإبداع حسب لمسة الصحفي، ويظل المبدع المشتغل بالصحافة مبدعًا إذا أحسن التوفيق بين الأمرين معًا. * ماذا أضافت لك المشاركة في مجلة فرقد الإبداع الإلكترونية؟ - أضافت لي الكثير، عرفتني بأسماء أدبية كبيرة جدًا على مستوى الوطن العربي وعن قرب من خلال محاورتهم، وعرفت الآخرين علي بشكلٍ أكبر، وزادت شغفي بالعمل الصحفي. * كيف توازنين بين العمل الصحفي والإبداعي وهل يطغى أحدهم على الآخر؟ - عملي الصحفي يكون على فتراتٍ متباعدة لأن عدد المحررين في المجلة جيد. هذا قبل أن أصبح في سكرتارية التحرير، وبعدها زاد العبء علي، لكن حبي للمجلة وتقدير جهود الإدارة لعملي يهون علي كثيرًا، ويحفزني أكثر للعطاء، وأحرص في المقابل على أن أظل مشتغلة بعملي الإبداعي الخاص لأنه مشروعي الشخصي الذي أهتم به جدًا. * هل تفكرين أن تعرجي على كتابة الرواية كونها ديوان المشهد الثقافي أو أي فن آخر؟ - أتطلع إلى ذلك مستقبلًا، لكن لا زلت أتهيب خوض غمارها لأني لا أحتمل تقديم عمل فاشل أو أقل مما أطمح إليه أبدًا, لهذا أتحين الفرصة والوقت المناسبين لكتابتها إن وفقني الله ويسر لي ذلك. * يسرقنا الخيال فنتمنى أن نكون كائنات أخرى فهل تمنيتِ يوما أن تكوني (سُحباً, مطراً, جبالاً, عصفوراً, فراشة) أم أن ذلك لا يراودك ويراود خيالك شيء آخر؟ أتمنى فعلًا لو كنت عصفورًا، ولكم تمنيت ذلك وأنا أراه يفرد جناحيه محلقًا في السماء، بكل حرية وخفةٍ وابتهاج.
مشاركة :