عززت عُمان رهانها على السياحة كمجال حيوي لتنويع مصادر الدخل عبر تكثيف خطواتها المتعلقة بتطوير مشاريع القطاع في مختلف مناطق البلاد والتي تقول الحكومة إنها تزخر بمقومات تستشرف مستقبل هذا المجال. وفي أحدث خطوات تنمية القطاع وقعت وزارة التراث والسياحة الخميس 7 عقود بنظام حق الانتفاع لتنفيذ مشاريع سياحية على أراض حكومية تابعة للوزارة. وتأتي المشاريع في إطار استراتيجية الوزارة الرامية إلى دفع عجلة التنمية السياحية في السلطنة بما يتوافق مع توجهات وأهداف “رؤية 2040” والاستراتيجية الوطنية للسياحة لدعم الاقتصاد. وتعتبر السياحة أحد أفضل القطاعات غير النفطية نشاطا، ولذلك تسعى مسقط للحصول على حصة من هذه الصناعة الآخذة في النمو بتعزيز دورها في الناتج المحلي. سالم المحروقي: المشاريع تواكب الخطط الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل ولدى المسؤولين قناعة بأن تمكين القطاع الخاص من تعزيز حضوره في هذا المجال سيخفف أعباء التنمية عن كاهل الدولة كي تتفرغ لمهام الرقابة والتشريع ووضع السياسات والاستراتيجيات التنموية. وتشمل المشاريع التي سيتم تنفيذها من خلال تلك العقود إقامة فندق من فئة 4 نجوم بولاية مرباط في محافظة ظفار سيوفر 100 غرفة فندقية ومطاعم. وتتضمن قائمة المشاريع الأخرى إقامة خمسة مخيمات سياحية بولاية بدية في محافظة شمال الشرقية ستوفر 149 غرفة، إضافة إلى توفير مطاعم ومرافق ترفيهية. وإلى جانب ذلك هناك مشروع في الجبل الأخضر بمحافظة الداخلية، وهو عبارة عن مطعم وممشى زجاجي وجلسات خارجية ومنطقة ألعاب للأطفال. ولم تكشف الوزارة عن حجم الاستثمار في هذه المشاريع، لكن وزير التراث والسياحة سالم بن محمد المحروقي أكد أن “توقيع عقود الانتفاع يأتي في إطار جهود الوزارة لتعزيز الاستثمار في القطاع السياحي في سلطنة عُمان”. ونسبت وكالة الأنباء العمانية الرسمية إلى المحروقي قوله إن “هذه المشاريع تأتي لمواكبة التطورات الاقتصادية الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل”. وأضاف “ستسهم المشاريع في خدمة المجتمعات المحلية من خلال توفير فرص عمل، بالإضافة إلى توفير متطلبات القطاع من الغرف الفندقية والمرافق السياحية”. واتجه البلد الخليجي، الذي يعد الأضعف اقتصاديا بين جيرانه الخليجيين، إلى تنويع اقتصاده مُركزا على السياحة كبديل واعد للطاقة التي شكلت في الأعوام التي سبقت ظهور الجائحة 86 في المئة من إيرادات الدولة، فيما ارتد تراجع أسعار النفط بشكل سلبي على موازنته. وصناعة السياحة في عُمان أمام منافسة قوية من دول المنطقة، فدبي تعد إحدى أبرز الوجهات السياحية في منطقة الشرق الأوسط بفضل البنية التحتية الضخمة وإتاحتها لكل التسهيلات من أجل جذب الزوار الأجانب. كما قامت السعودية، وهي أكبر الاقتصادات العربية، بتنويع أشكال السياحة الأخرى غير الدينية، وقد ضخت استثمارات تفوق 50 مليار دولار منذ العام 2016 لتحقيق أهداف “رؤية 2030”. وخطت الحكومة العمانية في عام 2019 خطوة باتجاه الاستفادة بشكل أكبر من السياحة مستقبلا في أعقاب إقرار حزمة من الإعفاءات الضريبية لتحفيز الاستثمار في هذا القطاع الحيوي. وكانت الشركة العُمانية للتنمية السياحية (عُمران) قد أبرمت في أواخر فبراير الماضي اتفاقية شراكة مع دايموند الرائدة في مجال التطوير العقاري والمشاريع الصديقة للبيئة، ومقرها دبي، لتطوير مشروع يتي السياحي بقيمة استثمارية تبلغ مليار دولار. ويعتبر يتي أحد أبرز المشاريع السياحية التي يجري تطويرها في البلد الخليجي حيث يمتد على مساحة تزيد على 11 كيلومترا مربعا. وقال هاشل المحروقي الرئيس التنفيذي لعُمران حينها إن “المشروع سيكون له دور بارز في تعزيز القيمة المحلية المُضافة حيث تمتد منافعه إلى المجتمع المحلي ليُسهم في تنمية الكوادر المحلية ومجالات الابتكار وتحفيز السوق المحلية”. ولتعزيز مكانة القطاع في التنمية تدرس الحكومة مسألة الدخول في طريق الاستثمار في مجال الترفيه أملا في تحقيق إيرادات مستدامة. 2 في المئة مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي للبلد وفق الأرقام الرسمية وتزخر الكثير من محافظات عُمان وولاياتها بمقومات سياحية متنوعة وبمناطق ذات تنوع جيولوجي، تتراوح بين الصحاري الشاسعة والسهول المنبسطة والأودية العميقة، إلى جانب الجبال والسواحل والشواطئ الممتدة. ومن المتوقع أن يتم تدشين مشروع الشرق في المدينة الزرقاء بحلول العام 2024، وهو يعد أحد المشاريع الترفيهية الكبيرة إلى جانب مشروع منتجع النخيل الذي سيبدأ العمل فيه ومشروع آخر في ولاية قريات. وتركز سلطات البلد الخليجي كثيرا على منطقة الدقم التي تتمتع بموقع فريد، إذ يبلغ طول الشريط الساحلي البحري للواجهة السياحية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بها نحو 18 كيلومترا ويمكنه استيعاب أكبر أنواع المنشآت والمرافق الحيوية السياحية. ووفق الأرقام الرسمية تساهم السياحة بنحو اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد وترتفع إلى الضعف عند احتساب مساهمة القطاع المباشرة وغير المباشرة معا. وتستعد الحكومة لإطلاق قانون جديد يدعم السياحة وستأخذ اللائحة التنفيذية الجديدة في الاعتبار متطلبات الخطط التشغيلية والتنموية في “رؤية 2040”. وتهدف مسقط من وراء هذا القانون إلى رفع معدل الاستثمارات المحلية والدولية في السياحة بغية استقطاب 11.7 مليون زائر بحلول 2040، بينهم خمسة ملايين زائر من الأسواق الدولية. وقررت الحكومة في الصيف الماضي منح تأشيرات إقامة طويلة الأجل لمستثمرين أجانب، فيما تطبق الدولة الخليجية المثقلة بأعباء الدين إصلاحات واسعة لتصحيح أوضاعها المالية الواهنة. ويقول خبراء اقتصاد إن القرار سيدعم مناخ الأعمال مع مرور الوقت، كما أنه سيعمل على توفير بيئة جاذبة ومشجعة على نمو ونجاح المشاريع الاستثمارية، وخاصة في القطاع السياحي، وسيعطي الوجهة العمانية مكانة تنافسية إقليميا ودوليا. ويؤكد المسؤولون العمانيون أنه في ظل ما تعرضت له السياحة العالمية من تحديات جراء الجائحة تستمر جهود القائمين على هذه الصناعة بالبلاد لإيجاد حلول تكنولوجية تمكنها من التعافي سريعا لمواجهة التحديات والمنافسات مع الأسواق العالمية.
مشاركة :