القاهرة – يحلق مسلسل "نسر السين" خارج سرب الأعمال الرمضانية المصرية مقدما نموذجا جديدا شكلا ومضمونا لعمل يتحرك في الفضاء الرحب لعالم الراب المصري الخالي من القيود. المسلسل من إخراج كريم الدين الألفي وكريم مرتضى، ومن إنتاج شركة "شيما ستوديو"، وشركة "نوكتوراما فيلم"، وهو من بطولة محمد عمدة، محمد مداح، أحمد بدران، أحمد فاضل وأحمد هاني. والعمل الذي يعرض على يوتيوب، يتكون من خمسة حلقات فقط تعرض على فترات متباعدة، لكنه نجح رغم ذالك في استقطاب جمهور واسع واسترعى الاهتمام على شبكات التواصل. وينتمي المسلسل إلى الدراما الوثائقية التي يُعاد فيها تصوير مشاهد وأحداث حقيقية بطريقة درامية، كما يعتمد الكوميديا الساخرة والمحاكاة لأعمال فنية وأشخاص وأحداث معينة. ولا يحلق "نسر السين" بعيدا عن "الراب سين" المصري بل يغوص في تفاصيل هذا العالم الذي يصدر أفراده للجميع أنهم أقوياء، لا يهزمون، ويحاربون أعداء بشريين وغير بشريين، ففي عالم الراب لا يوجد شخص ضعيف، وليس هناك من يهتم لمشكلات العامة. ويبدأ المسلسل بالتنويه إلى أن "هذا العمل ليس الهدف منه سوى الضحك والتسلية، وليس له علاقة بعالم الواقع"، مع تصنيف عمري فوق سن 18 عاما، وتبدأ الأحداث في الخامس من سبتمبر/أيلول 2021، حيث يتلقى مكتب كريم للمناسبات مكالمة من السيد أحمد هوبز مدير أعمال الرابر (مغني الراب) عمدة؛ لتسجيل حفلة "فريستايل باتل القمة" والتي يعرفها المسلسل أنها مناظرة بين اثنين من مطربي الراب، يكون فيها الحكم للجمهور بناء على أيهما أكثر لباقة، حيث يشارك فيها نجم الراب عمدة مع نظيره فاضل. يتأخر عمدة عن الوصول، مما يثير استياء الجمهور المترقب، لكنه يصل أخيرا، ونعرف أنه يطلق على نفسه لقب "نسر السين" لتفوقه على الجميع، وتبدأ معركة الراب، وكأننا في منافسة حامية معاصرة من منافسات الشعراء في سوق عكاظ، حيث اعتاد شعراء العرب في العصر الجاهلي على التجمع والتفاخر بأشعارهم ليحكم بينهم النقاد ويختارون أجود الشعر وأشعر الشعراء. يخسر عمدة معركته، لكنه يرفض الاعتراف بهزيمته، ويتهم خصمه بالتلاعب وشراء الجمهور وجلب أصحابه وأقاربه للوقوف في صفه، ويواصل طموحه في تجديد فن الراب في مصر، حالما بتقديم أغنية عن "الحلم العربي" (الأغنية الشهيرة في التسعينيات التي شارك فيها أهم مطربي العالم العربي)، ويسير عمدة في الشارع يوزع ألبومه على الناس، ويطلب منهم أن يأخذوا صورة معه، لأنه –بالطبع- "شهير جدا". الشخصية الأهم هي عمدة، يتحدث أصحابه عن عبقريته وأنه نجم الراب القادم بقوة، لكننا نرى بأعيننا سذاجته وضحالة موهبته، بينما يصر هو بكل غرور أنه العبقري الذي ينتظر الفرصة، فهو بانتظار "نجم شهير، يزقه الزقة (يدفعه)، حتى يوصل (يصبح نجما)، وتأتي هذه الفرصة عندما يلتقي بنجم الراب الشهير "ويجز" الذي يستعين صناع المسلسل بممثل يشبهه نوعا ما. وتعتمد حلقات في ديناميكيتها على فكرة كرة الثلج بحدث أولى وهو صدمة عمدة ، لتفتح لنا باب التعريف بنسر السين ورفاقه ، "مُدة" ، "هانز" ، "هوبز" ، وهم أعضاء "السرب" كما يطلق عليه . كل واحد من هؤلاء الشخصيات يعكس شيئًا حقيقيًا من الوجوه المتأثرة بهذا العالم، يشترك الجميع في صفة واحدة وهي "الشبحنة" كمنهج اختلاف عن البشر العاديين، إحساس زائد بالذات يصل إلى حد هذيان العظمة، وهذا في حد ذاته مدخل لضحك أكثر في علاقات الشخصيات . ويقدم "نسر السين" نمطا جديدا من الأعمال الدرامية ذات الحلقات القصيرة والقليلة، فالجزء الأول منه لم يتعد الخمس حلقات، تتراوح مدة الحلقة من 8 إلى 13 دقيقة، وكانت الحلقات تبث بفارق عدة أيام، وهو أسلوب جديد لم تعتد الدراما المصرية وحتى العربية العمل عليه وتعرف عليه المشاهد العربي خلال السنوات الماضية عبر المسلسلات التركية والأجنبية التي عادة تبث حلقة كل أسبوع. وكسر "نسر السين" حدود وضوابط الكوميديا المعروفة في الإنتاج العربي وأدخل مؤلف العمل الشتم والسباب بطريقة ساخرة، ضمن الحوار بين الشخصيات، وهي طريقة منتشرة في تفاصيل الحياة اليومية، جعلت الممثلين في المسلسل يبدون أقرب إلى الأشخاص الطبيعيين وهي تشبه لغة الجيل الحالي الذي يتشبث بحقه في التحرر من قيود وضوابط الأجيال السابقة. وكما تقدم موسيقى الراب للمشهد الموسيقي أصواتا قادمة من العالم السفلي أكثر فجاجة وواقعية وغضب، يقدم "نسر السين" للكوميديا المصرية نوعا جديدا من المحتوى يقوم على الحلقات القصيرة الإيقاع السريع، والموضوع الملاصق للجمهور المستهدف، يتمرد على أسلوب خريجي "مسرح مصر" الذين حولتهم ماكينات صناعة المحتوى الى علامات تجارية تقدم على انها تعبر عن الجيل.
مشاركة :