يُجمع تجار وصانعو حلويات على انتعاش الطلب على مختلف أصناف الحلوى البحرينية والشرقية طيلة شهر رمضان وارتفاعه مع اقتراب عيد الفطر. وأكدوا أن الأسبوع الأخير من شهر رمضان يسجل معدلات الإقبال الأكبر على الحلويات والمكسرات إضافة إلى القهوة العربية، متوقعين أن يستمر الطلب حتى اليوم الأخير حتى قبل حلول العيد بساعات. ويجلس السبعيني محمد غريب أمام قدر كبير وفي يده عصا خشبية سميكة، يحرّك بها مزيجا من السكر والمواد الأخرى لصناعة الحلوى البحرينية التقليدية التي تتحوّل خلال شهر رمضان إلى طبق رئيسي في المملكة الخليجية. وفيما يتصاعد البخار من المزيج الأحمر الذي يُطبخ على نار قوية، يقوم غريب بانتقاء المواد المختلفة من نحو عشرة قدور ويرميها الواحدة تلو الأخرى في القدر الحديدي الكبير ثم يعود لتحريك المزيج. وقال غريب وهو مسؤول المبيعات في أحد أقدم شركات تصنيع الحلوى التقليدية المسماة “حلوى” إن البحرين “امتازت منذ القدم بعدد من الصناعات ومن ضمنها الحدادة والحياكة وصناعة السيوف”. وتشتهر البحرين بمطبخها التقليدي والذي يتميّز بمأكولات شعبية عُرفت منذ القدم ولا تزال تُطهى في كثير من البيوت. ولعل أبرزها هذه الحلوى التقليدية التي بدأت صناعتها، بحسب باحثين، قبل حوالي قرنين “لكن الذي تبقّى منها قليل، وعلى رأسها صناعة الحلوى التي يزداد الإقبال عليها طيلة شهر رمضان وأيام العيد”، بحسب غريب. وقديما كانت الحلوى تؤكل مع خبز التنور لتشكّل وجبة دسمة، ولكن مع تطور أسلوب تناولها، أصبحت تقدّم وحدها في المناسبات والأعياد والاحتفالات وخصوصا خلال رمضان، حتى أن بعض البحرينيين يردّدون مقولة “لا قهوة بدون حلوى”. وأمام صور للحلوى التقليدية ولحلويات أخرى عُلّقت عند مدخل محله قرب المنامة، ينهمك صالح الحلواجي بدوره في مزج خليط فوق نار هادئة مستعينا بعصا حديدية، فيما تتصاعد أصوات غليان المزيج. ويؤّكد الحلواني الذي ورث المهنة عن والده، أنّه سينقلها إلى أولاده أيضا. وقال “عمل والدي في صناعة الحلوى، وكنا نساعده بعد الانتهاء من المدرسة في صغرنا. اليوم نعمل في هذه الصناعة مع أبنائنا، ونحرص على توريث هذه المهنة وحفظها من الاندثار”. بدوره قال فؤاد شويطر صاحب محل حلويات حيث كان والده وأجداده يعملون في المهنة ذاتها “أنا أعتبر من الجيل الرابع من الذين شهدوا تطور الحلوى مع مرور الزمن، حيث كانت الحلوى سابقًا بسيطة جدًا مقارنة بيومنا هذا”. أسلوب تقديم الحلوى كان أجمل بكثير من يومنا هذا حيث كانت تقدم على ورق اللوز الذي يعطيها رائحة جميلة وطعما خاصا أسلوب تقديم الحلوى كان أجمل بكثير من يومنا هذا حيث كانت تقدم على ورق اللوز الذي يعطيها رائحة جميلة وطعما خاصا ودخلت عائلة شويطر مجال صناعة الحلويات عام 1850، ويقول فؤاد “البداية كانت مع جدي الراحل حسين شويطر فهو أول من نقل وأسس لهذه الصناعة في البحرين، حيث بقي في العراق فترة تزيد عن 3 أشهر من أجل تعلم سر المهنة، ثم تولى والدي مسؤولية التوسع في هذه الصناعة وكانت البداية بمحل في سوق المحرق القديم، ثم تطور الأمر لإقامة مصنع فسلسلة محلات”. وبيّن شويطر أن الحلوى طبق تقليدي لكن الزمن طور من أدواتها وصناعتها، والمكونات الأولية للحلوى هي السكر والنشا والزيت والمكسرات والزعفران وماء الورد الطبيعي. ومع مرور الزمن أدخلت على المنتج العديد من المواد المطورة كالتين والحليب والرمان والموز والعلكة، موضحا “كان هناك نوع واحد من الحلوى وهو الأحمر بالزعفران، والذي لم تدخل عليه أي إضافات مقارنة بيومنا الحالي الذي تعددت فيه أصناف الحلوى وألوانها وحتى طريقة تقديمها”. وعن أسلوب صناعتها قال شويطر “في السابق كانت الحلوى تطهى على الخشب وأدواتها بسيطة، إلا أن اليوم حدثت بعض التغييرات على أدواتها لكننا لا زلنا نقوم بإعدادها بشكل يدوي وذلك أمر تتطلبه صناعتها”. وأضاف “في السابق كان أسلوب تقديم الحلوى أجمل بكثير من يومنا هذا، إذ كان الأجداد يقدمونها على ورق اللوز والذي بدوره يعطيها رائحة جميلة وطعما خاصا”. وقال “نتيجة لتطور الزمن وزيادة أعداد الناس واختلاف أذواقهم، قمنا بإضافة أنواع من الحلوى المختلفة حتى نصل إلى أكبر عدد من الزبائن ونرضي أذواقهم، فتجد النكهات المختلفة مثل التين، المشمش، والرمان وإلى آخره”. ومن بين أبرز منافسي الحلوى البحرينية التمور السعودية والإماراتية التي أصبحت تقدّم محشوة بالفستق والشوكولاتة وغيرهما، والحلوى العمانية التقليدية الشبيهة بجارتها البحرينية والتي تعدّ طبق الضيافة الرئيسي في سفارات السلطنة حول العالم. وبحسب الباحثة في التراث الشعبي دلال الشروقي، فإنّ العديد من صانعي الحلوى التقليدية البحرينيين عملوا على إدخال بعض التحديثات على صناعتها وبينها إضافة “الآيس كريم والكعك”. لكن “على الرغم من محاولات تحديثها وتطويرها، إلا أن الجميع لا يزال يفضّل الحلوى بالشكل التقليدي”، وفقا للباحثة. وفي شهر رمضان في منطقة الخليج، غالبا ما تقدّم الحلويات المحلية التقليدية بعد الفطور إلى جانب القهوة العربية الشهيرة. ويقول الموظف المصرفي محمد الفردان (51 عاما) وهو يشتري الحلوى في المنامة “أميل إلى الحلوى في شهر رمضان أكثر لأن المجالس مفتوحة وهي من أهم عناصر الضيافة”، مضيفا “برأيي، الحلوى لا تزال هي الطعام الرئيسي على المائدة”. ورغم دخول أنواع من الحلويات الأخرى على مائدة البحرينيين، إلا أن الحلوى البحرينية لا تزال تثبت وجودها في المناسبات والأعياد، إذ يوضح شويطر “لا تزال الحلوى البحرينية هي الطبق الأول في الأعياد والمناسبات وحفلات الزواج، والتي يتم تقديمها في بعض الأحيان بشكل مبتكر مثل وضعها في فناجين صغيرة”.
مشاركة :