حزب الله يقارع الدولة بالعملاء ونشر الفوضى

  • 12/8/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لأجل تثبيت أقدامه في المجتمع اللبناني، لجأ تنظيم حزب الله بعد أن قوي عوده إلى محاولة التقليل من شأن الدولة، عبر تكريس الفوضى والحط من سياساتها والاعتداء على جيشها وقواها الأمنية، وتكوين أجهزة موازية، والاستعانة بأعداد كبيرة من المتعاطفين والمتواطئين والعملاء في كثير من الدول العربية. كما سعى إلى ترسيخ مفهوم خاطئ لدى كافة المسلمين، مفاده أن كل شيعة لبنان يدينون بالولاء له، وهذا ما حرص الخمينيين على تأكيده بكثير من الطرق. قامت فكرة وجود حزب الله في الأساس على سحب البساط من تحت أقدام الدولة اللبنانية، وإيجاد حاجز عدائي بينها وبين عناصره الذين غرقوا نتيجة تلك المخططات في مستنقع مذهبي وطائفي ضيق. وبات ولاؤهم للحزب أكثر منه للدولة، وهذا الوضع بات يهدد وجود الدولة اللبنانية. فالحزب بات يمارس عبثا واضحا بالسيادة، وضرب بها عرض الحائط. وأصبح يساكن، مكرها، الدولة اللبنانية، بل ينفصل عنها من دون إشهار، مستعينا بحقائق دولته، ومرسخا لوعي اجتماعي، وثقافي، وسياسي، وأمني، جديد يكون بمثابة تجسيد أبدي لهوية لقيطة يحفرها على جباه بعض اللبنانيين الذين انفصلوا عن مجتمعهم الذي كانوا حتى الأمس القريب عناصر فاعلة فيه. 3 عوامل أسست لوجود دويلة الحزب 1- ثقافي بدأ الحزب يؤدلج مناصريه، ويصنع لهم هويات ثقافية خاصة تفرقهم عن إخوانهم من اللبنانيين، وعن إخوانهم من العرب، معمل، أقل ما يقال فيه، إنه متقن الأداء. لقد بذل الحزب لتحقيق غاياته من هذا المعمل، كل ما يمكن أن يبذل، فحول المساجد والحسينيات إلى مدارس للتأهيل الحزبي، والمناسبات الدينية إلى حلقات تثقيف حزبي، وأدخل إلى المذهب بدعاً وتجاويف، بغرض الحشد والتجييش العاطفيين. 2- اقتصادي توسع هذا المعمل أيضاً ليصير معملاً اقتصادياً يوزع مغانم "اقتصاد الحزب السيادي" على المنتسبين إليه، وذلك عبر المصالح الاقتصادية الكبرى التي أنشأها بحجة دمج فئات الكادحين من الناس، وإدخالهم في دورة اقتصاد حلال يستفيدون من خلالها. 3- أمني توسع المعمل الثقافي وأصبح أمنياً بذراعين طويلتين، واحدة تغلق مناطق نفوذ الحزب، وتنظم أمنها، وتحولها إلى ثكنة عسكرية ممنوع على أجهزة الدولة دخولها، والأخرى تحجز حرية الناس، وتمتد خارج حدود الدويلة لتعتدي على هيبتها، متى استدعت الحاجة فعل ذلك. تحولت هذه "المعامل الثلاثة" لتصبح حقائق تفرض نفسها بقوة، بل، تهدد وجود الدولة اللبنانية، ناهيك عن عبثها الواضح بالسيادة وضربها عرض الحائط بمكون أساسي من مكونات الدولة الطبيعية. ولعل هذه المعامل الثلاثة تفيض عن حاجتنا للاستدلال على أن حزب الله يساكن، مكرها، الدولة اللبنانية، بل ينفصل عنها من دون إشهار، مستعيناً بحقائق دولته، ومرسخاً لوعي اجتماعي، وثقافي، وسياسي، وأمني، جديد يكون بمثابة تجسيد أبدي لهوية لقيطة يحفرها على جباه بعض اللبنانيين. تطويع العرب الشيعة لم يتوقف فعل التجزئة للاجتماع الأهلي، على أساسٍ مذهبي، عند حدود لبنان. إلا أن التركيز على هذا البلد كان بسببِ تحوله، منذ اللحظة التي استولى فيها النظام الخميني على السلطة في إيران، إلى ساحة يسهل استعمالها لانطلاق عجلة التجزئة في اجتماعات أهلية أخرى. لقد استسهل النظام الخميني ومعه حزب الله، وبسبب غياب الرادع، فعل الحطَ من شأن الدولة في لبنان، والحطّ من سياساتها، وجيشها، وقواها الأمنية، ومؤسساتها، وهيئاتها، وعلاقاتها، ومعاهداتها، والازدراء بها، واحتقارها، وتسخيفها، وتسهيل تجاوزها وتخطيها. وهذا ساعد بدوره على الانطلاق في بناء علاقات مع أفراد ومجموعات محددة، علاقات ، فرغت لها ناساً متخصصين، تفريغاً كاملاً، من فلسطين، إلى اليمن، والعراق، وصولاً إلى دول الخليج. أنتجَ الانتفاخ الذي عاشه النظام الخميني وحزب الله، شعوراً بالتوفق لدى نفر غير قليل من العرب الشيعة، كما أن العلاقات التي تم ترتيبها وتمتينها مع حزبيين، عرباً شيعةً موالين لإيران، أنتجت بدورها حراساً أمناء للتجزئة المذهبية، ومتطرفين في المطالبة بحق غير مشروعٍ بالاستقلال والتمايز، مما أوهم كثيرين بأن للمجموعات تلك، تأثيراً مضاعفاً ومستمراً ومفتوحاً على احتمالات كبرى، منها النيل من ما تبقى من استقرار في أوطانهم. يبقى، أن المجموعات تلك، ورغم الصوت المرتفع، لم تستطع رفد حالات حزبية داخلية، لأسباب كثيرة منها قوة الدولة الوطنية، ووجود الرادع، وتوفر الحصانة عند كثير من العرب الشيعة، حصانةٌ منعتهم من التمايز عن أقوامهم في أوطانهم. وبالتالي، فإن حصيلة ما تحقق لم يكن بحجم ما بذل في سياقِ تلك المعركة من "تضحيات". نقد الذات وإدراك الخطأ لا يستقيم السبيل إلى تعليق بعض النجاح الذي حققه نظام الخميني في إيران، في مشروعه الذي تقدم ذكره، على أذرعته الاستراتيجية وحدها، وعلى ذراعه الأهم، حزب الله، وبالتالي تبرئة الحكومات العربية والاجتماع العربي بشكل عام، من مسؤولية غض النظر، مما أدى إلى إنجاح هذا المشروع عن قصد أو غير قصد، وبالتالي المساهمة في تذويب فئات كبيرة من العرب الشيعة المعتدلين، الذين بقوا موجودين وفاعلين، حتى في عز اللحظة التي اعترف فيها بالنظام الإيراني وأرِبته كممثلين وحيدين للشيعة في أوطانهم. بمعنى آخر ، إن تطرف بعض المسلمين الشيعة، بوصفهم منتجاً إيرانياً توفرت له إمكانات الرعاية والحماية والاحتضان، أصبح عن دراية حيناً، وغير دراية أحياناً أخرى، عند العرب، مجتمعات وحكومات، الممثل الوحيد للشيعة، وهذا ساهم إلى حد كبير في وضع الاعتدال الشيعي على مسلك شائك، أظهره لاحقاً، في مقام العاجز، غير المقتدر على إزالة ما طرأ على بعض الاجتماع الشيعي العام من تأثير إيراني، والعاجز غير المقتدر على إشباع حاجة أساسية ملحة وضاغطة، هي إعادة الشيعة إلى حاضناتهم الوطنية والعربية. طبعاً، لعلنا نروم من هذا السرد الذي تقدم - لأسباب طغيان مشروع النظام الخميني في إيران وحزب الله - إلى بناء صورة متكاملة نسبياً، تقودنا نحوَ التماس تبعات هذا الأمر ونتائجه على الشيعة في أوطانهم واندماجهم في مجتمعاتهم، إلا أن الذي يقارب ما تقدم في الأهمية، هو محاولة فهم الأسباب التي أنجبت إخفاق الاعتدال الشيعي، في إثبات قدرته على دفن مشروع التجزئة، وريادته لمشروع الاندماج. إلا أن التوقف عند شرح الأسباب ورد المسألة برمتها إلى ما رددناها إليه، دون محاولة الإجابة على سؤال مُلّح وعاجل، هو بمثابة استسهال في التعاطي مع الموضوع: هل يستطيع الاعتدال الشيعي، في ضوء ما تقدم، أن يواجه التطرف الإيراني، وبالتالي إعادة من شذ عن الطريق من الشيعة، وإعادتهم إلى موقعهم الطبيعي في أوطانهم، وإقناعهم بأن مشروع الدولة الوطنية هو الأفق الوحيد لفاعليتهم والضامن الوحيد لمصالحهم وحقوقهم؟ تصحيح المفاهيم الخاطئة نجاح هذا العمل مشروط بتوفر عوامل ثلاث تكون بمثابة مساعد للاعتدال في إنجاز مهمته: أولها متعلق بدعم وتشجيع من المكون الأساسي الذي يتألف منه الاجتماع الوطني في أكثر الدول العربية والإسلامية، أي المسلمون السنة. ومتعلق أيضاً باقتناعهم بأن الشيعة ليسوا حزباً، وبأن الأحزاب الشيعية أو الجمعيات التي نشأت في بعض الدول العربية، لا يمكنها اختصار الموقف العربي الشيعي، وأن ولاء الكثرة الغالبة منهم هو لأوطانهم، وليس لإيران. وثانيها متعلق بدعم حقيقي وجاد من حكومات الدول العربية، وبالعمل على عدم ترك المعتدلين لأقدارهم، يواجهون الولاية الجبرية ومن فرضوا أنفسهم وكلاء حصريين على العرب الشيعة، والإدراك بأن تركَ الأمور على ما هي عليه، يعتبر بمثابة جائزة مجانية لإيران، وإجازة لها - تحتاجها – للتصرف بهم كتصرف المالك بملكه: ترميهم جميعاً ، خدمة لمشروعها، متى أرادت، مرة في حرب ومرة في حريق ومرة في مذبحة. وثالث العوامل متعلق بالشيعة أنفسهم، أي متعلق بتضافر وتكاتف قوى الاعتدال "مرجعيات دينية ورجال دين ومثقفين ومدنيين" في كل وطن من أوطانهم، واتفاقهم على آلية عمل مشتركة، تحرّض على العودة إلى خيار الدولة الوطنية والاجتماع الوطني، باعتبارهما المدى الحيوي الوحيد لفاعليتهم والضامن الحصري لمصالحهم وحقوقهم، بوصفهم مواطنين مكونين وأصيلين. إن نجاح أي جهد مستقبلي برأينا مشروطٌ بالذي تقدم، وهو جهد وعمل إن بدأ، فإنه يملك أن يركب نموذجاً جديداً - قديماً من العلاقات القائمة على الاندماج المعافى، وأن يركب تلك العلاقات، تركيباً صحيحاً في الوعي، وأن يعيد هذا الوعي المفقود بقوة الأمر الواقع عند بعض الشيعة، وإعادة هذا البعض إلى الموقع الذي كانوا فيه، مواطنين أصيلين طبيعيين مندمجين يحملون ثقافة وطنية خالصة، لا تخاطب الغريزة، ولا تقبل بخطاب أي مشروع مستورد، بل تخاطب العقل والمنطق وتحيل كل الأمور إليهما. تغيير الواقع الشيعي ثمة ثلاث حقائق لا مناص من أخذها في الاعتبار في معرض التوسع في الإجابة على السؤال الذي تقدم. قبل استيلاء النظام الخميني في إيران على السلطة، كان الشيعة في أوطانهم مواطنين طبيعيين، تجمعهم مع نظرائهم من المواطنين وطنيةٌ نقيةٌ طبيعية تستقي أواصرها من الأحكام التي تضبط علاقتهم بعضهم ببعض، وتوليهم أمور اجتماعهم ومنازعاتهم. وخلال الفترة التي أعقبت الاستيلاء على السلطة في إيران، وتحديداً في الفترة التي تلت انفراط عقد شبه الإجماع حول قائدها، كان الشيعة من أول المدافعين عن أوطانهم في مقابل الهجمة الإيرانية، دفاع وصل إلى حدِ اتهام النظام الإيراني بأنه شبيه ذلك الذي في إسرائيل. أما في المرحلة التي شهدت هجمة ثقافية استثنائية من النظام الإيراني، فإنه لم يكن ما صنعه بعض الشيعة بأنفسهم وأحوالهم وتعايشهم واجتماعهم وأحلافهم وعلاقاتهم، لم يكن ثمرة أيديهم، بل ثمرة من ثمرات تلك الغزوة الاستثنائية التي قام بها النظام المذكور. إن الاعتدال الشيعي، بما هو تشيع نقي لم يتأثر بالغزوة الثقافية الإيرانية، وبما هو تشيع لم يميز نفسه يوماً بأي تميز خاص، لكفيل، لا بترتيل عبارات الرفض والإنكار السياسية لمشروع النظام الإيراني، وإنما بمواجهته من خلال استراتيجية عملٍ ثقافية وسياسية تفكك التعبئة الكبرى التي قام ولا زال يقوم بها النظام المذكور

مشاركة :