“اللي خبزه مش من قمحه عاش مذلول”.. كلمات لرئيس الوزراء الأسبق الشهيد وصفي التل، قالها منذ ستينيات القرن الماضي، حيث كان الأردن وقتها يُصدر قمحًا لدول مُجاورة. في ظل الأوضاع الراهنة، والتي تتمثل بالحرب الروسية الأوكرانية، والتي تُشير التحليلات والمعلومات بأن أمدها سيطول، وما سبقها من تداعيات جراء جائحة فيروس كورونا المُستجد، أثرت سلبًا على البلاد والعباد، وما سيتبعهما من أزمة غذاء عالمية، حتمًا ستضرب اقتصادات الدول وسيكتوي بنيرانها الجميع، فإن ذلك يؤكد أننا مُقبلون على سنين شداد، على أكثر من صعيد. تلك أمور تجعل الكل، حُكومات ومؤسسات ومواطنين، مذعورين خائفون، يترقبون الأسوأ، وتوجب في الوقت نفسه ضرورة زرع كل شبر صالح للزراعة بالقمح، فلا يُعقل بعد أن كان الأردن يُصدر هذه المادة الاستراتيجية، أصبح يستورد نحو 851 ألف طن سنويًا منها، وما يقرب من الـ860 ألف طن من مادة الشعير. أيُعقل بُعيد نحو ستين عامًا، تبلغ نسبة الاكتفاء الذاتي من هذه المادة 3 بالمائة فقط، حسب إحصاءات العام 2019، على الرُغم من أن سُهول حوران، التي تقع نسبة كبيرة منها في أراضينا، كانت تكفي الإمبراطورية الرومانية ومن بعدها الإمبراطورية العُثمانية، بالقمح. أي دولة في العالم تعتمد على زراعات استراتيجية، تتمثل أهمها بالقمح، والشعير الذي تبلغ نسبة الاكتفاء الذاتي منه 7.2 بالمائة، وكذلك الذُرة والعدس اللذين لا توجد أرقام رئيسة حول نسبة الاكتفاء الذاتي منهما. إذا ما أرادت الدولة التغلب على هذه المُعضلة، فإنها مُطالبة بوضع اصبعها على سبب تراجع زراعة المواد الأساسية، خصوصًا بأن ما يُقال حول الظروف المناخية، وشُح الموارد المائية، والاعتماد على مياه الأمطار، كأسباب رئيسة لذلك التراجع، يُمكن التغلب عليها أو مُعالجتها. فمثلًا القمح والشعير، زراعات شتوية، بمعنى أنهما لا يحتاجان إلى الكثير من المياه المُخصصة للري.. وبإمكان أي مسؤول في الدولة أن يتأكد من معلومة، أصلًا هي معروفة لدى الجميع، تتمثل بأن زراعة هاتين المادتين تعتمدان اعتمادًا مُباشرًا فقط على مياه الأمطار، وأراض هي أصلًا موجودة في مُختلف مُحافظات المملكة.. فالمُزارع يقوم بحراثة أرضه خلال شهر تشرين الثاني من كل عام، ثم يبذر بذار القمح والشعر، وبعدها بعدة أشهر يحصد. كُل ذلك يعني بأن زراعة القمح والشعير، تتطلبان فقط قرارا سياسيا، وجدية في التطبيق، وعدم الالتفات إلى وصفات صندوق النقد الدولي، أو أي من الدول الأخرى، فالأراضي الصالحة للزراعة موجودة، رغم احتلالها، في العقود الأخيرة، من قبل مادتي الاسمنت والحديد، أي التوسع العمراني. أما الذُرة، فهي زراعة صيفية، بمعنى أنها ليست بحاجة إلى المياه إطلاقًا، فنموها يحتاج إلى أراض ومناخ، وهما أيضًا متوفران بأراضينا.. آباؤنا وأجدادنا كانوا عندما يزرعون الزراعات الصيفية، أيًا كان نوعها كالبامية أو البندورة، يقومان بزراعة الذُرة (عباد الشمس) على أطراف وحواف الأراضي!. وفيما يتعلق بالزراعات الأخرى، فالحلول موجودة أيضًا، فما على الحُكومة، مُمثلة بوزارة الزراعة، إلا اتخاذ قرارات وإجراءات تضمن التوسع في مشاريع الري، وزيادة المشاريع المُمولة من الخارج، وإدخال تكنولوجيا جديدة في عمليات الإنتاج، فضلًا عن أصناف جديدة مُهجنة عالية الجودة. ويبقى التساؤل الذي يحتاج إلى إجابة، هو لماذا ما يزال الأردن يشهد تراجعًا في المساحات المزروعة، خاصة الاستراتيجية منها؟، رغم أن الأراضي الصالحة للزراعة تبلغ نسبتها 10 بالمائة من مساحة الأردن الإجمالية، البالغة 89 ألف كيلومتر مربع، إلا أن المُستغل منها زراعيًا لا يتعدى 3 بالمائة فقط. (الغد)
مشاركة :