عندما تسببت جائحة كوفيد ـ 19 في هروب رؤوس الأموال "بعيدا عن المخاطر" في ربيع 2020 تحول مستثمرو القطاع الخاص والمؤسسات المالية إلى سندات الخزانة الأمريكية، باعتبارها "الأصول الآمنة" البديلة. وسرعان ما تم التراجع عن الانسحاب من الأسواق المالية، وهو ما يرجع جزئيا إلى استجابة الاحتياطي الفيدرالي الهائلة لخطر حدوث انهيار مالي عالمي. وبعد 50 عاما من قيام الرئيس ريتشارد نيكسون، بإلغاء ربط الذهب بالاحتياطيات الدولارية التي تحتفظ بها البنوك المركزية الأجنبية، يواصل الدولار الأمريكي القيام بدور بارز في النظام المالي العالمي، وهو ما يوجد تداعيات هائلة على السياسة النقدية الأمريكية. ويستكشف أنطوني إلسون، الخبير الاقتصادي السابق في صندوق النقد الدولي، أسباب هذه الظاهرة وآفاق المستقبل في كتابه قوة الدولار الأمريكي كعملة عالمية: المشكلات والآفاق. وهو يتتبع الأسباب التاريخية لاستخدام الدولار على نطاق واسع في التدفقات التجارية والمالية حتى ظهور الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم بعد الحرب العالمية الثانية. فالأسواق المالية الأمريكية لا مثيل لها من حيث الاتساع والسيولة، ما يعزز استخدام الدولار في المعاملات المالية. كذلك فإن استخدام الدولار على نطاق واسع يعطي حافزا للمستخدمين الجدد لكي يستخدموه أيضا، فيما يطلق عليه آثار الانتشار الشبكي. ويصف إلسون بشكل منهجي مزايا وعيوب وجود نظام قائم على الدولار. فالتجار والمستثمرون الدوليون في الولايات المتحدة يتجنبون تكلفة المعاملات في النقد الأجنبي ومخاطر سعر الصرف. ويمكن للحكومة الأمريكية مواصلة تحمل عجز المالية العامة بأسعار فائدة منخفضة بسبب الطلب على الأوراق المالية الأمريكية. وإضافة إلى ذلك، فإن منع استخدام الشبكة المصرفية العالمية القائمة على الدولار من خلال العقوبات يعمل كأداة قيمة للسياسة الخارجية. وتشمل مواطن ضعف النظام الاعتماد على عجز المالية العامة لتزويد العالم بأصول آمنة. وتثير "معضلة تريفين الجديدة" هذا التساؤل حول ما إذا كان هناك مستوى حدي للدين من شأنه أن يثير مخاوف بشأن استدامة القدرة على تحمل دين الولايات المتحدة. وقد تصبح هذه المخاوف واضحة إذا ما ارتفعت أسعار الفائدة في 2022 عند استجابة الاحتياطي الفيدرالي لمعدل التضخم. وعلاوة على ذلك، فإن أي زيادة في أسعار الفائدة الأمريكية ستؤدي إلى زيادة التكلفة التي تتحملها الحكومات الأجنبية لإعادة تمويل ديونها الخارجية. فما البديل الذي يمكن أن يقوم بالدور المحوري للدولار؟ يشير إلسون إلى أن وجود نظام العملات الاحتياطية المتعددة، بما في ذلك اليورو واليوان الصيني، يمكن أن تكون له مزايا أفضل مقارنة بالنظام الحالي القائم على الدولار، لكن يجب استيفاء عدد من الشروط قبل أن تحظى تلك العملات بمزيد من القبول، ويتوقع إلسون أن تكون وتيرة التكيف والتغيير بطيئة. وبالمثل. فإن توسيع نطاق استخدام فوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي يعتمد على الإصلاحات التي تجري في عمليات الصندوق وهيكل التصويت الخاص به، التي يجب التفاوض بشأنها. وقد تكون العملات الرقمية هي أهم بديل لهيمنة الدولار وليس العملات الوطنية الأخرى. وتبذل البنوك المركزية جهودا نشطة للنظر في إمكانية استخدام وسائل الدفع الإلكترونية هذه، فإذا ظهر نظام مدفوعات للمعاملات الدولية ينظر إليه باعتباره آمنا ومستقرا ولا يعتمد على أي بلد، يمكن عندئذ الاستعاضة عن الدور المحوري للدولار بشكل مختلف تماما من أشكال النقود.
مشاركة :