كشف تقرير «فكر 14» للعام الجاري عن ارتفاع معدلات الفساد والركود الاقتصادي في دول الربيع العربي، وأوضحت ورقة «الفساد كأحد مسببات التدهور الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي»، التي جاءت كواحدة من البحوث المهمة التي تضمنها التقرير العربي الثامن للتنمية الثقافية «التكامل العربي: تجارب.. تحديات وآفاق»، أن البلدان التي عرفت ما سُمّي بـ»الربيع العربي» فى اليمن، ومصر، وتونس، وليبيا، والمغرب، شهدت ارتفاعًا في مؤشرات الفساد، نتج عنه ركود اقتصادي، وتنامى الريع، والتفاوت الاجتماعي، مؤكدة أن الربيع أصبح اليوم «إسلامويًّا أو عسكريًّا»، وأنه مع تنامي الدعوة إلى التحرر الاقتصادي والانفتاح تزايدت عالميًّا وتيرة الفساد، وبلغت قيمته ما يوازي التريليون دولار في العالم سنويًّا، وفي البلدان العربية يتفشي الفساد، ويكتسي خطورة بالغة على الاقتصاد والاستقرار. وفسر معد الورقة الدكتور محمد حركات، الخبير المغربي في الحوكمة والمراقبة المالية في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، رئيس المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية، هذه «الظاهرة» بتنامى تهريب الأموال من داخل البلدان العربية إلى الخارج سواء قبل الحراك العربي أم بعده، مستشهدًا بإحصائية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي فى العام 2013، بترتيب البلدان العربية بحسب السكان، ونسبة دخل الفرد من الناتج الوطني الخام، والتي أوضحت الفوارق الكبيرة بين الدول المستقرة كالمملكة، والإمارات، والبحرين، والكويت، وبين العديد من دول الربيع العربي، خاصة فيما يتعلق بنسبة دخل الفرد من الناتج الوطني الخام الذي وصل في المملكة إلى 24.7%، بينما كان في مصر مثلاً 3.1%، وفي تونس 4.4%، و3.2%، وفي اليمن 1.5%. وحول الفوارق الاجتماعية والتوزيع غير العادل للثروات أشارت الورقة إلى أن البلدان العربية تعانى من غياب الطبقة الوسطى، الأمر الذي يؤثر سلبًا على النمو، لافتة إلى أن النمو الوطني الخام للبلدان العربية مجتمعة فى العام 2013 لم يتجاوز 2.7 تريليون دولار، وهو أقل من النمو المنجز فى الولايات المتحدة الأمريكية، وقالت الورقة إن 16 دولة لا تمثل إلاّ نسبة 16% من الناتج الوطني الخام الأمريكي، كما أن المورد الرئيس لهذا الناتج في البلدان العربية ناجم عن المداخيل البترولية. وواجهت الورقة البرلمانات العربية ومن خلالها الأحزاب كافة بجملة من التحديات والسلبيات، ومن أبرزها المخاطر والتهديدات التي تواجه الإنسان العربي من أمن شخصي، ولاسيما الفئات الضعيفة، والكوارث الطبيعية، وتهديدات الأمن الاقتصادي والثقافي والصحي والتربوى والتشريعي، فضلاً عن التهديدات المتعلقة بالأمية والتطرف الديني والبحث العلمي واقتصاد المعرفة والتجديد، كما أبرزت أيضًا التهديدات الخارجية المرتبطة بأمن البلاد وقدرتها الجيوستراتيجية والتفاوضية في تسوية النزاعات والديبلوماسية الاقتصادية، مطالبًا بوضع رؤية واضحة للعمل البرلمانى وإسهامته في تقدم المجتمع، وإلاّ سيصبح البرلمان ترفًا لا فائدة منه. وطالبت الورقة ببناء مشروع قومي لمكافحة الفساد، وما أسمتها بـ»أنسنة» المناهج التعليمية في الجامعات والمدارس العليا لتستجيب لمتطلبات سوق العمل دون التفريط في تكوين الشباب في مجال العلوم الإنسانية حتى لا يكونوا لقمة سائغة في أيادي القوى الظلامية». وأفردت الورقة عدة توصيات أكدت أنها كفيلة بمكافحة الفساد الذي استشرى في العديد من الدول العربية أبرزها وجود إستراتيجية مكافحة الفساد توفر حوكمة جيدة للأعمدة المؤسساتية لمنظومة النزاهة الوطنية، كما طالبت الورقة بوضع خطة عمل واضحة المعالم فيما يخص الوقاية من الغش والفساد والكشف عنهما في القطاعين والخاص، ثم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وإصلاح الهياكل والمنظومة المحاسبية إصلاحًا شاملاً، كما دعت إلى إصلاح هياكل الموازنة في البلدان العربية من خلال ضمان الانتقال من ميزانية الوسائل إلى مسائل البرامج والأهداف.
مشاركة :