أنذرت الحكومة الليبية الجديدة برئاسة فتحي باشاغا الأربعاء الدول المتدخلة في شؤون ليبيا بأنها لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام منعها من استلام مقراتها بالعاصمة طرابلس، مؤكدة أن صبرها بدأ ينفد، وذلك في دعوة مباشرة لها إلى الخروج عن الحياد الذي تبديه منذ بدء أزمة الشرعية في مطلع مارس الماضي، عقب تعيينها من قبل البرلمان. وباستثناء روسيا ومصر اللتين أعلنتا عن دعمهما للحكومة الجديدة، تقف الدول الإقليمية والمجتمع الدولي والبعثة الأممية على الحياد والنأي بالنفس عن الصراع بين باشاغا والدبيبة. ونبّه بيان نشره المكتب الإعلامي لحكومة باشاغا فجر الأربعاء "الدول المتدخلة في الشأن الليبي" إلى أنها "لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام غل يدها عن استلام مقراتها بالعاصمة طرابلس"، وأن "صبرها لن يطول أمام ما يتعرض له الوطن من مخاطر سياسية وأمنية تهدد وحدته وسيادته". وكان باشاغا قد حرك في أكثر من مرة أرتالا عسكرية قبل أن يقوم بسحبها بضغوط أميركية، آخرها قبل نحو أسبوعين لما تواترت أنباء متضاربة حول محاولة باشاغا، الذي مر قرابة شهرين على منحه الثقة من قبل البرلمان، لدخول العاصمة الليبية عبر تونس التي يقيم فيها. وأفاد عميد بلدية نالوت عبدالوهاب الحجام حينها بأن القوات تابعة لأسامة الجويلي، التي حاولت فجر السبت تأمين دخول رئيس الحكومة فتحي باشاغا من تونس إلى ليبيا عبر معبر الذهبية - وازن الحدودي، تم التصدي لها. ويرى مراقبون أن الخيار العسكري لن يكون لصالح باشاغا، في ظل اختيار أغلب الميليشيات الانحياز إلى حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولاياتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة. وتشير أوساط سياسية إلى أن أغلب المجموعات المسلحة في مصراتة وطرابلس والمنطقة الغربية تدين بالولاء للدبيبة، غير مستبعدة أن تكون قد حصلت على إغراءات مالية مقابل هذا الموقف. ولفتت الأوساط إلى أن باشاغا لا يسيطر إلا على جزء من كتيبته الشخصية "حطين" التي شهدت بدورها انقساما، حيث ينظر بعضها إلى الحكومة الجديدة على أنها خطر يهدد تماسك مدينة مصراتة التي ينحدر منها الدبيبة وباشاغا. وتأتي تحذيرات باشاغا بالتزامن مع إعلانه الأربعاء تواصله مع مسؤولين أميركيين كبار لمناقشة الجهود المبذولة لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة في الوقت المناسب، "وإرساء الأمن وتحقيق الاستقرار السياسي". ويعكس هذا التواصل أن باشاغا يبحث عن دعم أميركي في نزاعه على السلطة مع خصمه الدبيبة، الذي يرفض تسليم الحكم إلا بعد إجراء الانتخابات. وتبدي الولايات المتحدة حتى الآن حيادا معلنا في الأزمة الليبية، وتدعو إلى الهدوء وضبط النفس وتجنب العودة إلى الاقتتال. وكتب باشاغا عبر حسابه على تويتر فجر الأربعاء أنه تواصل "مع كبار المسؤولين في واشنطن، وناقشنا الجهود المبذولة لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة في الوقت المناسب، من أجل النهوض بالاقتصاد وإرساء الأمن وتحقيق الاستقرار السياسي". وأضاف أن "ليبيا في حاجة إلى التعاون مع حلفائها الدوليين للمضي قدما نحو مستقبل أفضل". ويأتي هذا فيما تشهد الأزمة السياسية تصعيدا من نوع آخر باستخدام ورقة النفط، لإجبار الدبيبة على التخلي عن منصبه وتسليم السلطة لحكومة باشاغا. وخلال الأيام الماضية شهدت ليبيا موجة إغلاق حقول وموانئ نفطية، أفقدت البلاد حوالي نصف إنتاجها اليومي، فيما أكد باشاغا خلال لقاء مع أهال بمنطقة الهلال النفطي الأحد الماضي، ضرورة "استئناف تصدير النفط وفق آليات قانونية منضبطة تضمن نزاهة وشفافية إدارة الإيرادات النفطية بشكل عادل لكل الليبيين". ووضع شيوخ وأعيان منطقة الهلال النفطي الليبي شرطا يتمثل في الإبقاء على عائدات النفط في حسابات المؤسسة الوطنية بالمصرف الليبي الخارجي، إلى حين استلام حكومة باشاغا السلطة في طرابلس، في خطوة تجعل إمكانية إعادة ضخ النفط واردة، لكن عائداته لن تصب في العاصمة. ولا يستبعد مراقبون أن يكون المشير خليفة حفتر يحاول الضغط على القوى الغربية للاعتراف بحكومة حليفه باشاغا، مستغلا الوضع العالمي المتأزم، لكن هذه الخطوة تظهره كعدو لمصالح الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ما يفقده القبول الدولي به كجزء من معادلة الحل في ليبيا، خاصة وأن علاقته بروسيا متوترة منذ أن ضغطت كي تخرج قواته من جنوب طرابلس سنة 2020، في ما بدا أنه صفقة غير معلنة مع تركيا. ويقول هؤلاء إن هذه الخطوة من حفتر قد تمثل ما يشبه الهدية المجانية للدبيبة الذي يحاول توطيد علاقاته مع الغرب، إذ تعتبر ليبيا البلد العربي الوحيد الذي صوّت لصالح تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان. وتوتّرت علاقة الدبيبة بالولايات المتحدة وأوروبا في بداية توليه السلطة، حيث كانت الأخيرتان تراهنان على فوز قائمة فتحي باشاغا ورئيس البرلمان عقيلة صالح، في حين ينظر إلى حكومة الدبيبة على أنها نتاج صفقة روسية - تركية.
مشاركة :