لا يشبه شهر رمضان المبارك بقية شهور العام، إذ يتميّز بطقوس يحافظ عليها سكان المدن السورية وخصوصاً العاصمة دمشق، لتظل صامدة على مر السنين، رغم الحرب وأوضاع الاقتصاد، ومهما تراجعت الظروف الاقتصادية يسعى الدمشقيون لعيش طقوسهم الرمضانية كي يتعرف عليها أولادهم وأحفادهم. فما إن تثبت رؤية هلال الشهر حتى يتسابق الجميع للتهنئة والمباركة، إما عبر الهاتف أو بشكل شخصي، ويحرصون على تبادل الزيارات للمشاركة في سفرة رمضان، وتشارك الأجر والثواب، وتحرص الدمشقيات على تقديم سفرة مختلفة -كل بحسب إمكانياته- فتحضر على المائدة أطباق الفول أو الفتة كما تحضر المعجنات والشوربات والعصائر، بالإضافة للأطباق الرئيسية الشهية ومن ثم الحلويات. يؤكد الكثيرون أن كل شيء تغير في حياتهم وما عادوا قادرين على شراء ما كانوا يشترونه من قبل، لكنهم يحاولون، وتخبرنا سيدة في الخمسينيات بأنها تقوم بـ«التموين» خلال العام لتوفر بعض حاجات رمضان، واليوم بدلاً من تقديم أطباق عدة من المقبلات تكتفي بواحد، وبدلاً من اللحم والدجاج تعتمد على الخضار ومأكولات العدس. المعروك ينتظر الدمشقيون حلول شهر رمضان لظهور حلوى المعروك في أغلب محال الحلويات والمخابز، ليستمتعوا بطبق شهي لذيذ تطوّر مع مرور الأيام واكتسب عدة نكهات تنافس الشكل التقليدي. وإن كان الناس يشترون عدة قطع في السابق فهم اليوم يكتفون بقطعة واحدة وربما مرة في الأسبوع، لكن المهم ألا يمر الشهر دون تناولها. الناعم «رماك الهوا يا ناعم»، عبارة تترد على ألسنة الباعة في دمشق ترويجاً لحلوى الناعم، التي اكتسبت زخماً واسعاً، والتي يبدأ صنعها قبل حلول رمضان بثلاثة أشهر، إذ يقومون بتجفيف العجينة، لتصبح جاهزة للقلي، ويفضل الباعة قلي العجينة أمام المتسوقين في الشوارع في قدور ضخمة، تتسع لكميات الزيت والأرغفة الضخمة وقطعة خشبية على شكل الكف لتوزيع الدبس بشكل مبتكر. وحتى هذا الطبق الشعبي الرخيص والذي سعره لا يذكر تغير حاله وباتت له قيمة، كما يتندر الدمشقيون، وقد يصبح حلماً هذه السنة في ظل أزمة زيت القلي الخانقة وغياب الغاز المنزلي عن التداول، وهي عوامل سترفع سعر الطبق وتحرم الآلاف من الاستمتاع به طيلة العام. الجزماتية ويلمع اسم منطقة الميدان في رمضان، إذ يتنافس أصحاب محال الحلويات في حي الجزماتية في عرض الأصناف الشهية المصنوعة بالسمن العربي، فيما يزداد نشاطهم قبيل العيد بتزيين المحال وتنظيم عروض الميلاوية، بينما لا يتردد الباعة في توزيع المعمول أو البقلاوة على المارة دعوة لدخول المحال. الحكواتي وعلى الرغم من انقراض مهنة الحكواتي في معظم البلدان وتلاشي طقوسها في زمان الهاتف المحمول ووسائل التواصل الاجتماعي، لا يزال مقهى النوفرة الدمشقي يحتفظ بهذا الطقس المندثر، إذ يسترجع الكثيرون حكايات وقصص كركوز وعيواظ مع دخول الشهر الفضيل. وقرر مؤخراً عدد من الشباب دخول هذين المجالين وإعادة إحيائهما بتقديم قصص جديدة وحكايات معاصرة قد تكون قريبة من وجع الناس وهمومهم وترجعهم لهذين الفنين. العرق سوس ويرتبط مشروب العرق سوس ذي اللون الأسود بشهر رمضان ارتباطاً وثيقاً، إذ يقبل عليه الكل، لا سيما الذين عانوا من شدة العطش طوال النهار، فما إن يُرفع آذان المغرب حتى يقبل عليه الدمشقيون. ويتوفّر العرق سوس في أكياس شفافة تباع على الطرقات، وفي محال متخصصة في بيع المشروبات الشعبية. ويختفي تقريباً هذا الصنف بمجرد حلول عيد الفطر، ولا يعود للظهور إلا بعد عام، ويتنافس على موائد الدمشقيين مع عصائر أخرى كتمر الدين، فضلاً عن مشروبات منزلية مصنوعة من الحمضيات بعضها يعصر مباشرة وبعضها يمون بزجاجات أو أكياس من قبل عدة شهور. سلل ووجبات من ضمن تفاخر الدمشقيين باستقبال رمضان أنهم يتفاخرون بالتسابق لفعل الخير ومحاولة إدخال الفرحة لقلوب من لا يملك المال وقد يشعر بالاشتهاء هو وأولاده وهم يمرون في الطرقات ويشاهدون أصناف الطعام. وتختلف العطايا ما بين وجبات مطبوخة توزع أو مواد غذائية تقدم للعائلات على شكل سلل، أو على شكل مبالغ مالية، وكل حسب استطاعته أيضاً. وفي الختام مهما مرت من ظروف على دمشق، ومهما عانى أهلها فإنهم سينتظرون هلال شهرهم بكل ترحيب ويقيمون له ما يستطيعون من سبل الاستقبال. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :