صدر حديثًا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» (رام الله) كتاب «مختارات من الأدب العبري المؤسس (1890 ـ 1948)». يقع الكتاب في 386 صفحة، موزعة زمنيًا وجغرافيًا، بما يضيء على أسئلة هوياتية واجتماعية متوترة في أوساط اليهود، ويشهد على تفاعلات سياسية حاسمة تطورت إلى مشروع «إحياء قومي» بمواصفات كولونيالية، قاد الهجرات الاستيطانية إلى فلسطين، وتحوّل إلى ناظم لطبيعة العلاقة معها ومع أصحابها الأصليين. يضمّ الكتاب ثماني روايات قصيرة وقصصا لكتّاب مؤثرين في الأدب العبري الحديث، هي: «ابنة الحاخام» ليعقوب شطاينبرج؛ «جانبًا» لأوري نيسان جينسين؛ «مخيّمان» لميخا يوسف برديتشفسكي؛ «خلف السياج» لحاييم نحمان بياليك؛ «بين ماء وماء» ليوسف حاييم برينر؛ «والمعوجّ يصير مستقيمًا» لشموئيل يوسف عجنون؛ «شفراه» لدفوراه بارون، إلى جانب رواية «جمعة الأهبل»، لإسحق الشامي (من يهود مدينة الخليل)، الذي يعدّ حالة لها خصوصيتها، إذ اختار العبريّة لغة لرواياته رغم أن سياقاتها وشخوصها وحبكاتها متّصلة بالبيئة الفلسطينية حصرًا. تتوزّع بيئات الروايات المختارة، كما يشير الناشر، بين النموذج الأوروبي «الحضري»، كما في روايتي «جانبًا»، و«مخيّمان»، والغيتو اليهودي المحافظ، كما في روايتي «خلف السياج»، و«ابنة الحاخام»، والمستعمرات اليهودية في فلسطين، كما في رواية «بين ماء وماء»، وأخيرًا بيئة الأصلانيين الفلسطينيين في رواية إسحق الشامي «جمعة الأهبل». وتتعدّد كذلك مشاغل الروايات، فيجد القارئ إضاءات على وضعية الغيتو بعيون نسويّة في قصّتي بارون وشطاينبرج، وسبرًا لسوسيولوجيا بيئة الاستيطان في فلسطين وهواجس المستوطنين الأوائل في رواية برينر، ومحاكاةً أدبية لبيئة الاقتصاد السياسي لمجتمع يهود شرق أوروبا في رواية عجنون، وإيغالا في خبايا الذات اليهودية التائهة، كما في روايتي جينسين وبرديتشفسكي، ومعاينة للبيئة البدويّة الفلسطينية، بعيني إسحق الشامي، وبوعيه المركّب من ذاكرة فلسطينية، وتعاليم يهوديّة عبريّة، وواقع مازال يتغيّر بشكل متسارع تحت ظرف الصهيونية. الكتاب من تحرير د. هنيدة غانم، والباحث مالك سمارة، والباحث والناقد الأدبي أنطوان شلحت، وتقديم الأستاذ باسيليوس بواردي، وهو نتاج جهد مشترك لمجموعة مترجمين، وروائيين، وباحثين فلسطينيين، وهم (وفق ترتيب فصول الكتاب): علاء حليحل، ومالك سمارة، وريم غنايم، ووسام جبران، وحسن خضر. ومما جاء في كلمة لمركز «مدار» عن هذه المختارات: «نشير إلى أن الخلفية التي كانت واقفة وراء معظم تلك النصوص، وكانت موضع اهتمامنا الرئيسي ونحن نختارها، مكوّنة من عناصر شتى، غير أننا ارتأينا أن نركز من هذه العناصر على اثنين: الأول، العنصر الذي بالوسع اعتباره بمنزلة بحث الكُتاب اليهود عن «هوية جمعية جديدة»، ولا سيما في ظل مشروع سياسي لـ«الإحياء القومي» بمواصفات كولونيالية، مثلت عليه الحركة الصهيونية بسيل دعاواها المختلقة والمتوهمة. بكلمات أخرى، كان السؤال الماثل أمامنا، والذي حاولنا إيجاد جواب له هو: كيف تعاملت «النصوص التأسيسية» مع تلك الدعاوى، وبالأساس مع ما ردّدته أدبيات الصهيونية التي ارتأت الاستيطان خلاصًا لليهودي، وحثته على الهجرة إلى فلسطين؟ والعنصر الثاني، محاولة النفاذ، عبر النصوص المُختارة، إلى تفاصيل الواقع الاجتماعي الذي عاصر الصهيونية في بواكير دعاواها تلك، وفي ما يعرف بهجراتها الأولى إلى فلسطين.
مشاركة :