فلسفة العيد ومعانيه السامية

  • 4/30/2022
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

وردت‭ ‬كلمة‭ ‬العيد‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحوار‭ ‬الذي‭ ‬جرى‭ ‬بين‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬عيسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬والحواريين‭ ‬عندما‭ ‬طلب‭ ‬الحواريون‭ ‬من‭ ‬عيسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬أن‭ ‬ينزّل‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬مائدةً‭ ‬من‭ ‬السماء،‭ (‬قَالَ‭ ‬عِيسَى‭ ‬ابْنُ‭ ‬مَرْيَمَ‭ ‬اللَّهُمَّ‭ ‬رَبَّنَا‭ ‬أَنْزِلْ‭ ‬عَلَيْنَا‭ ‬مَائِدَةً‭ ‬مِنَ‭ ‬السَّمَاءِ‭ ‬تَكُونُ‭ ‬لَنَا‭ ‬عِيدًا‭ ‬لأَوَّلِنَا‭ ‬وَآخِرِنَا‭ ‬وَآيَةً‭ ‬مِنْكَ‭ ‬وَارْزُقْنَا‭ ‬وَأَنْتَ‭ ‬خَيرُ‭ ‬الرَّازِقِينَ‭) ‬أي‭ ‬نتخذ‭ ‬اليومَ‭ ‬الذي‭ ‬نـزلت‭ ‬فيه‭ ‬عيدًا‭ ‬نُعَظِّمه‭ ‬نحن‭ ‬ومن‭ ‬بعدَنا‭.‬ وعن‭ ‬بداية‭ ‬الاحتفال‭ ‬بالعيد‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬يروى‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬عندما‭ ‬قدم‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬مهاجراً‭ ‬وجد‭ ‬الأنصار‭ ‬يحتفلون‭ ‬بيومين‭ ‬فلما‭ ‬سأل‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬قالوا‭ ‬إن‭ ‬آباءهم‭ ‬كانوا‭ ‬يحتفلون‭ ‬بهما‭ ‬في‭ ‬الجاهلية‭. ‬فقال‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الله‭ ‬قد‭ ‬أبدلكم‭ ‬بهما‭ ‬خيرا‭ ‬منهما‭: ‬يوم‭ ‬الفطر‭ ‬ويوم‭ ‬الأضحى‮»‬‭.‬ ويرتبط‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭ ‬بانتهاء‭ ‬صيام‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬ففيه‭ ‬نتذكر‭ ‬بداية‭ ‬نزول‭ ‬القرآن‭ ‬تلك‭ ‬النعمة‭ ‬التي‭ ‬منّ‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬البشرية‭ ‬جمعاء،‭ ‬ذلك‭ ‬المنهج‭ ‬الإلهي‭ ‬الذي‭ ‬أنار‭ ‬لنا‭ ‬الطريق‭ ‬وأرشدنا‭ ‬إلى‭ ‬الحق‭ ‬المبين،‭ ‬وهو‭ ‬بذلك‭ ‬يذكرنا‭ ‬بالبناء‭ ‬فصيام‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الذي‭ ‬أنزل‭ ‬فيه‭ ‬القرآن‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬أركان‭ ‬الإسلام‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يصح‭ ‬إسلام‭ ‬المرء‭ ‬إلا‭ ‬به،‭ ‬ويأتي‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭ ‬بعد‭ ‬صيام‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬احتفالاً‭ ‬بما‭ ‬أنعم‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬به‭ ‬علينا‭ ‬من‭ ‬نزول‭ ‬القرآن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬المبارك،‭ ‬وحمداً‭ ‬لله‭ ‬تعالى‭ ‬الذي‭ ‬وفقنا‭ ‬لصيام‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬والالتزام‭ ‬بما‭ ‬أمرنا‭ ‬الله‭ ‬به‭ ‬و‭ ‬اجتناب‭ ‬ما‭ ‬نهانا‭ ‬عنه‭.‬ وبذلك‭ ‬يصبح‭ ‬للعيد‭ ‬معنى‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬كل‭ ‬مسلم‭ ‬إنها‭ ‬الفرحة‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬بعد‭ ‬طاعة‭ ‬وعندها‭ ‬تكون‭ ‬أيام‭ ‬المسلمين‭ ‬كلها‭ ‬أعياداً،‭ ‬فعندما‭ ‬نطيع‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شؤون‭ ‬حياتنا‭ ‬وفي‭ ‬تعاملنا‭ ‬ومعاملاتنا‭ ‬وفي‭ ‬صلاتنا‭ ‬وقيامنا‭ ‬عندها‭ ‬نعيش‭ ‬أعياداً‭ ‬ممتدة‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬الزمن‭ ‬لشعورنا‭ ‬بلذة‭ ‬الطاعة‭ ‬واحتفالاً‭ ‬بتوفيق‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يسّر‭ ‬لنا‭ ‬طاعته‭ ‬وعبادته‭ ‬كما‭ ‬يحب‭ ‬ويرضى‭. ‬ ولا‭ ‬يُعد‭ ‬العيد‭ ‬مجرد‭ ‬فرحٍ‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أساسات‭ ‬راسخة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬المناسبات‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬جذورها‭ ‬بالله‭ ‬رب‭ ‬العالمين،‭ ‬فالسعادة‭ ‬والفرح‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬أنعم‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬خلقه‭ ‬ليزدادوا‭ ‬سروراً‭ ‬بعد‭ ‬مشقة‭ ‬العبادة‭ ‬والاجتهاد‭ ‬في‭ ‬الطاعات‭.‬ ومن‭ ‬فلسفة‭ ‬العيد‭ ‬توثيق‭ ‬علاقتنا‭ ‬مع‭ ‬أهلنا‭ ‬وأرحامنا‭ ‬وأصدقائنا‭ ‬وجيراننا‭ ‬بل‭ ‬ومجتمعنا‭ ‬أيضاً،‭ ‬فالعيد‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬تجديد‭ ‬ما‭ ‬بلي‭ ‬وفتُر‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات‭ ‬وإعادة‭ ‬إحيائها‭ ‬فنصل‭ ‬ما‭ ‬قُطع‭ ‬منها‭ ‬فنسمو‭ ‬بأنفسنا‭ ‬وتصفو‭ ‬قلوبنا‭ ‬ليحل‭ ‬الصفاء‭ ‬محل‭ ‬الجفاء‭ ‬ونغسل‭ ‬قلوبنا‭ ‬وننقيها‭ ‬من‭ ‬الأحقاد‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬الفرقة‭ ‬والتباعد‭.‬ والعيد‭ ‬يعلمنا‭ ‬مبدأ‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬الأنانية‭ ‬ومشاركة‭ ‬الآخرين‭ ‬بالأفراح‭ ‬والسعادة،‭ ‬فالمسلم‭ ‬ليس‭ ‬أنانياً‭ ‬في‭ ‬فرحه‭ ‬فلا‭ ‬يفرح‭ ‬وحده‭ ‬بل‭ ‬يتشارك‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬الفرح‭ ‬ويدخل‭ ‬السرور‭ ‬على‭ ‬قلوبهم‭ ‬فتقوى‭ ‬بذلك‭ ‬اللحمة‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬والأمة‭. ‬فتبادل‭ ‬التهاني‭ ‬والابتسامة‭ ‬ومسح‭ ‬رأس‭ ‬اليتيم‭ ‬والعطف‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬حُرم‭ ‬من‭ ‬الحنان‭ ‬وجبر‭ ‬القلوب‭ ‬المكسورة‭ ‬وزيارة‭ ‬المرضى‭ ‬ومسح‭ ‬دموع‭ ‬الأرامل‭ ‬والمساكين‭ ‬وسد‭ ‬حاجاتهم‭ ‬ليشاركوا‭ ‬ويفرحوا‭ ‬في‭ ‬العيد،‭ ‬عيد‭ ‬يحتضن‭ ‬الجميع‭ ‬ويحقق‭ ‬التكافل‭ ‬الاجتماعي‭.‬ وللعيد‭ ‬معانٍ‭ ‬كثيرة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬ليست‭ ‬أمة‭ ‬هامشية‭ ‬بل‭ ‬أمة‭ ‬راسخة‭ ‬الجذور‭ ‬وقوية‭ ‬وعزيزة‭ ‬بدينها،‭ ‬فمشهد‭ ‬صلاة‭ ‬العيد‭ ‬والفرح‭ ‬الذي‭ ‬يعم‭ ‬أرجاء‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬البلدان‭ ‬واللهجات‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬لهو‭ ‬أكبر‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ترابط‭ ‬وقوة‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬استثنائية‭ ‬لعبقرية‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬توحيد‭ ‬الصف‭ ‬ولم‭ ‬الشمل‭ ‬وتعزيز‭ ‬الروابط‭ ‬بين‭ ‬أبنائها‭. ‬ فالمشاعر‭ ‬التي‭ ‬تنتاب‭ ‬المسلم‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬العيد‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬مستويات‭ ‬تساعد‭ ‬في‭ ‬اتزان‭ ‬حياته‭ ‬وتبعث‭ ‬فيه‭ ‬الإيجابية‭ ‬والسعادة،‭ ‬ففي‭ ‬العيد‭ ‬يغمره‭ ‬شعور‭ ‬بالامتنان‭ ‬أن‭ ‬أعاد‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬العيد‭ ‬وأن‭ ‬أعانه‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬صيام‭ ‬وقيام‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬ويصل‭ ‬الشعور‭ ‬إلى‭ ‬قمته‭ ‬حين‭ ‬يهلل‭ ‬ويكبر‭ ‬في‭ ‬صباح‭ ‬العيد‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬المساجد‭ ‬بصورة‭ ‬ينصهر‭ ‬بها‭ ‬المسلمون‭ ‬ويتلاحمون‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬جماعي‭ ‬رائع‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬الارتقاء‭ ‬الروحي‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬سابقاتها‭. ‬ففي‭ ‬نهار‭ ‬العيد‭ ‬يشعر‭ ‬المسلمون‭ ‬بتآلف‭ ‬أرواحهم‭ ‬وسمو‭ ‬مشاعرهم‭ ‬وبقوة‭ ‬حس‭ ‬الجمال‭ ‬لديهم‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬مقتصراً‭ ‬على‭ ‬الأناقة‭ ‬في‭ ‬الملبس‭ ‬ومجالس‭ ‬الاستقبال،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أهميتها،‭ ‬ولكن‭ ‬يتخطى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬المشاعر‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تمثّل‭ ‬حالة‭ ‬الحب‭ ‬التي‭ ‬تسود‭ ‬المجتمع‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬العيد‭.‬ فحق‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نفرح‭ ‬بالعيد‭ ‬وبالمعاني‭ ‬السامية‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬لنا‭ ‬فللعيد‭ ‬فلسفته‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬تزيده‭ ‬بهجة‭ ‬وحبوراً‭ ‬ورونقاً‭ ‬عندما‭ ‬نوقن‭ ‬أن‭ ‬اليوم‭ ‬لنا‭ ‬عيد‭. ‬وغداً‭ ‬لنا‭ ‬عيد‭. ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬نحمد‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ونشكره‭ ‬على‭ ‬نعمه‭ ‬وآلائه‭ ‬يكون‭ ‬لنا‭ ‬عيد‭.‬ في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬السعيد‭ ‬أعاده‭ ‬الله‭ ‬علينا‭ ‬وعلى‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬باليمن‭ ‬والبركات‭ ‬يطيب‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أرفع‭ ‬أسمى‭ ‬آيات‭ ‬التهنئة‭ ‬وأطيب‭ ‬الأمنيات‭ ‬لمقام‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬أطال‭ ‬الله‭ ‬عمره؛‭ ‬ولولي‭ ‬عهده‭ ‬الأمين‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬حفظهم‭ ‬الله‭ ‬وسدد‭ ‬خطاهم‭. ‬وللشعب‭ ‬البحريني‭ ‬العظيم‭ ‬والوطن‭ ‬والأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وكل‭ ‬عام‭ ‬وأنتم‭ ‬بخير‭.‬   {‭ ‬أكاديمي‭ ‬متخصص‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬ الشرعية‭ ‬وتنمية‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية Dr‭.‬MohamedFaris@yahoo‭.‬com

مشاركة :