وردت كلمة العيد في القرآن الكريم في ذلك الحوار الذي جرى بين نبي الله عيسى عليه السلام والحواريين عندما طلب الحواريون من عيسى عليه السلام أن ينزّل الله عليهم مائدةً من السماء، (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ) أي نتخذ اليومَ الذي نـزلت فيه عيدًا نُعَظِّمه نحن ومن بعدَنا. وعن بداية الاحتفال بالعيد في الإسلام يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قدم إلى المدينة مهاجراً وجد الأنصار يحتفلون بيومين فلما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قالوا إن آباءهم كانوا يحتفلون بهما في الجاهلية. فقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى». ويرتبط عيد الفطر بانتهاء صيام شهر رمضان ففيه نتذكر بداية نزول القرآن تلك النعمة التي منّ الله تعالى بها على البشرية جمعاء، ذلك المنهج الإلهي الذي أنار لنا الطريق وأرشدنا إلى الحق المبين، وهو بذلك يذكرنا بالبناء فصيام شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن من أحد أركان الإسلام الذي لا يصح إسلام المرء إلا به، ويأتي عيد الفطر بعد صيام شهر رمضان احتفالاً بما أنعم الله تعالى به علينا من نزول القرآن في هذا الشهر المبارك، وحمداً لله تعالى الذي وفقنا لصيام شهر رمضان والالتزام بما أمرنا الله به و اجتناب ما نهانا عنه. وبذلك يصبح للعيد معنى في وجدان كل مسلم إنها الفرحة التي تأتي بعد طاعة وعندها تكون أيام المسلمين كلها أعياداً، فعندما نطيع الله في كل شؤون حياتنا وفي تعاملنا ومعاملاتنا وفي صلاتنا وقيامنا عندها نعيش أعياداً ممتدة على مر الزمن لشعورنا بلذة الطاعة واحتفالاً بتوفيق الله أن يسّر لنا طاعته وعبادته كما يحب ويرضى. ولا يُعد العيد مجرد فرحٍ فقط من دون أساسات راسخة، بل هو من المناسبات الدينية التي ترتبط جذورها بالله رب العالمين، فالسعادة والفرح من المبادئ الدينية التي أنعم الله تعالى بها على خلقه ليزدادوا سروراً بعد مشقة العبادة والاجتهاد في الطاعات. ومن فلسفة العيد توثيق علاقتنا مع أهلنا وأرحامنا وأصدقائنا وجيراننا بل ومجتمعنا أيضاً، فالعيد يدعو إلى تجديد ما بلي وفتُر من تلك العلاقات وإعادة إحيائها فنصل ما قُطع منها فنسمو بأنفسنا وتصفو قلوبنا ليحل الصفاء محل الجفاء ونغسل قلوبنا وننقيها من الأحقاد التي تسبب الفرقة والتباعد. والعيد يعلمنا مبدأ البعد عن الأنانية ومشاركة الآخرين بالأفراح والسعادة، فالمسلم ليس أنانياً في فرحه فلا يفرح وحده بل يتشارك مع الآخرين في الفرح ويدخل السرور على قلوبهم فتقوى بذلك اللحمة بين أفراد المجتمع والأمة. فتبادل التهاني والابتسامة ومسح رأس اليتيم والعطف على من حُرم من الحنان وجبر القلوب المكسورة وزيارة المرضى ومسح دموع الأرامل والمساكين وسد حاجاتهم ليشاركوا ويفرحوا في العيد، عيد يحتضن الجميع ويحقق التكافل الاجتماعي. وللعيد معانٍ كثيرة تدل على أن هذه الأمة ليست أمة هامشية بل أمة راسخة الجذور وقوية وعزيزة بدينها، فمشهد صلاة العيد والفرح الذي يعم أرجاء الأمة الإسلامية على اختلاف البلدان واللهجات في الوقت نفسه لهو أكبر دليل على ترابط وقوة هذه الأمة في صورة استثنائية لعبقرية الإسلام في توحيد الصف ولم الشمل وتعزيز الروابط بين أبنائها. فالمشاعر التي تنتاب المسلم في يوم العيد تكون على عدة مستويات تساعد في اتزان حياته وتبعث فيه الإيجابية والسعادة، ففي العيد يغمره شعور بالامتنان أن أعاد الله عليه العيد وأن أعانه الله على صيام وقيام شهر رمضان، ويصل الشعور إلى قمته حين يهلل ويكبر في صباح العيد مع كل المسلمين في المساجد بصورة ينصهر بها المسلمون ويتلاحمون في مشهد جماعي رائع يبعث على الارتقاء الروحي إلى مستويات أعلى من سابقاتها. ففي نهار العيد يشعر المسلمون بتآلف أرواحهم وسمو مشاعرهم وبقوة حس الجمال لديهم وهذا ليس مقتصراً على الأناقة في الملبس ومجالس الاستقبال، بالرغم من أهميتها، ولكن يتخطى ذلك إلى عمق المشاعر الإنسانية التي تمثّل حالة الحب التي تسود المجتمع الإنساني في أيام العيد. فحق لنا أن نفرح بالعيد وبالمعاني السامية التي يقدمها لنا فللعيد فلسفته العميقة التي تزيده بهجة وحبوراً ورونقاً عندما نوقن أن اليوم لنا عيد. وغداً لنا عيد. وفي كل يوم نحمد الله تعالى ونشكره على نعمه وآلائه يكون لنا عيد. في هذا اليوم السعيد أعاده الله علينا وعلى الأمة الإسلامية باليمن والبركات يطيب لي أن أرفع أسمى آيات التهنئة وأطيب الأمنيات لمقام حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة أطال الله عمره؛ ولولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة حفظهم الله وسدد خطاهم. وللشعب البحريني العظيم والوطن والأمة الإسلامية وكل عام وأنتم بخير. { أكاديمي متخصص في العلوم الشرعية وتنمية الموارد البشرية Dr.MohamedFaris@yahoo.com
مشاركة :