نريد من التعليم الفني أن يخرج لنا فنيين مارسوا التدريب العملي في المعاهد والكليات قبل تخرجهم، ولديهم الاستعداد للتدريب حتى الاتقان، لا نريد إعادة اختراع العجلة، نريد أن نحذوا في تعليمنا وتدريبنا الفني حذو الدول التي تفوقت في صناعتها وخدماتها مثل ألمانيا واليابان يقول الدكتور جون جي هيبن -الرئيس الأسبق لجامعة بريستون-: "التعليم هو القدرة على مواجهة مصاعب الحياة"، فنحن حين نفكر في تربية وتعليم أولادنا (بنين وبنات) فإننا نفكر في إعدادهم لمواجهة الحياة بكل متطلباتها. نريدهم أن يصبحوا ناجحين على المستوى الشخصي والاجتماعي والعملي، بعيدين عن كل ما يهدد صحتهم البدنية والنفسية وسلوكهم السوي، نريدهم أن يكتسبوا عادات تزيدهم قوة وتوسع آفاقهم ومستوى تفكيرهم، ولديهم الرغبة في التعاون والعمل بروح الفريق، نريدهم متقنين لمهارات التواصل بكل أنواعها وتقنياتها، وأن يشبوا أقوياء واثقين من أنفسهم، نريدهم قادة متنورين لديهم القدرة على الأخذ والعطاء، وقبول النقد والقدرة على التعليم المستمر، نريد تعليماً يحيل الجدران الصماء إلى نوافذ وأبواب، والبحيرات الآسنة إلى ينابيع وجداول. نريد من التعليم الفني أن يخرج لنا فنيين مارسوا التدريب العملي في المعاهد والكليات قبل تخرجهم، ولديهم الاستعداد للتدريب حتى الاتقان، لا نريد إعادة اختراع العجلة، نريد أن نحذوا في تعليمنا وتدريبنا الفني حذو الدول التي تفوقت في صناعتها وخدماتها مثل ألمانيا واليابان، لا نريده صورة طبق الأصل لما عندهم، لأنهم صمموه ليلبي متطلباتهم، لكن نريد أن نستفيد من الأسس التي بنوا عليها متطلباتهم، كيف يعدون ويختارون أهم أسباب نجاح تعليمهم وهما المعلم وقائد المدرسة؟ متطلبات كثيرة نطالب بها التعليم فهل يستطيع ذلك؟ أنا لا أشك في أنه قادر على ذلك، وكما يقال إذا وجدت الإرادة وجد الطريق إلى ذلك. ومع فارق التشبيه فقد جدت من تجربتي مع الطلبة الجدد في كلية الملك فيصل الجوية أن الطالب يتعلم خلال الخمسة والأربعين يوماً الأولى له في الكلية، ما لم يتعلمه في كل سنوات تعليمه العام. سواء في المجال العسكري أو الرياضي أو الانضباط والاعتماد على النفس، في ترتيب ونظافة غرفته، وفي مشاركة زملائه نظافة مضاجعهم بكل ما فيها من ممرات وغرف استراحات ودورات مياه، في هذه المدة القصيرة يكتسب الطالب اللياقة البدنية والقدرة على الوقوف أمام زملائه والتحدث إليهم، قال لي أحد الآباء: تعلم ابني عندكم ما لم أستطع إقناعه بتعلمه وهي عادة القراءة. الطالب في التعليم العام يقضي أجمل وأفضل سنين حياته في المدرسة من سنّ الرابعة وحتى تخرجه من الجامعة وهو في سن الرابعة والعشرين، وهو ما يعني نحو عشرين عاماً من التلقين والتكرار والاجترار. ماذا لو كان التعليم موجهاً ومركزاً على الأهداف المذكورة في أول المقال؟ ماذا لو استبدلنا بالأقوال الأفعال؟ واستبدلنا بالحفظ والتلقين التطبيق والممارسة؟ أعتقد أننا لو ابتعدنا عن النمط التقليدي الذي نصر على تطبيقه وهو الحفظ من أجل الاختبار لبهرنا العالم بما لدينا من عباقرة وقادة ومخترعين وملهمين على كل المستويات، سيكون لدينا علماء تبرز أسماؤهم في الجوائز العالمية، وسيكون لدينا اقتصاد أساسه الإنتاج والتصدير. نستطيع ذلك لو تم في كل مراحل الدراسة التركيز على النقاط الآتية: أولاً) العادات هي ما يحدد السلوك، وهي الأقوى تأثيراً في كل تصرفاتنا وأسباب قوتنا أو ضعفنا، هي ما يحدد نجاحنا أو فشلنا في مواجهة مصاعب الحياة، أن نملأ المقررات وأسوار المدارس بالحكم والنصائح والأحاديث وأبيات الشعر لا يعني شيئاً للطالب سوى أنها موجودة وقد يحفظها لتفيده في الامتحان، أما ترسيخ العادة فبحاجة إلى القدوة أولاً، ثم التطبيق والتكرار المستمر حتى تصبح جزءاً من سلوك الطالب، يجب أن نعلمهم كيف يصطادون السمك بدل أن نصطاده لهم، نحببهم بالقراءة، وهذا كفيل بإيصال المعلومة لهم بأكثر من وسيلة. ثانياً) الأنشطة المصاحبة للمناهج كالمسرح والفنون بأنواعها، والنشاط الكشفي والرحلات والطابور الصباحي والمسابقات الرياضية، من أهم الأنشطة التي تبني شخصية الطالب وتطرد الملل وتحبب الطالب بمدرسته، ومن خلالها يتعلم الطالب أضعاف ما يتعلمه متسمراً على كرسيه يتلقى معلومات موجودة لديه في اللوح الإلكتروني، كما أن التعليم باللعب يعد من أفضل وسائل تعليم الطالب وأكثرها نجاحاً. ثالثاً) يجب أن نفكر في التعليم من ناحية الاستثمار، فحين يكون العنصر البشري قوياً تكون بقية عناصر الدولة قوية، فالقدرة الاقتصادية والعسكرية والسياسية والحالة الاجتماعية لها ارتباط وثيق بالتعليم، والتعليم هو مهمة الدولة بكل مؤسساتها، ومهما تم الصرف على التعليم بكل مراحله فهو الاستثمار الأمثل للحاضر والمستقبل، التعليم مثله مثل الصحة، من الأنشطة المهمة للدولة والتي لا يمكن أن توكل للقطاع الخاص، أو تخضع لمبدأ الربح والخسارة. ينجح التعليم حين يكون الطالب متفاعلاً ومشاركاً، وحين تكون أسئلته أكثر من أجوبته، وحين يكون المعلم واعياً لمهمته السامية، ولديه روح معنوية عالية، حين يكون له تقدير كبير من مجتمعه، وحين يتم اختيار قادة المدارس والجامعات من بين أفضل المعلمين والأساتذة، مع إعطائهم ما يستحقون من مكافأة، وما يحتاجون من صلاحيات لتسيير العملة التعليمية، وينجح التعليم أكثر حين تكون أسرة الطالب جزءاً من المدرسة، تشارك في إعداد الطالب ومتابعته.
مشاركة :