بعد أن تمكّن من اجتياز الحدود التركية، بحث عبدالعزيز تمو عن الظل للاحتماء من الشمس والماء للارتواء وتوقف في مسجد صغير في سورتش، وبعد ثلاثة أيام ما زال هناك ولم يغادره. وتحت المئذنة، يشغل حوالى خمسين لاجئاً من أكراد سورية باحة المسجد بعدما أرغمهم تقدم مسلحي «الدولة الإسلامية» على الفرار من منطقة عين العرب (كوباني بالكردية) ويجلس هؤلاء على وسائد بانتظار أيام أفضل. وقال تمو: «كانت لدينا منازل هناك، كنا بحالة جيدة لكننا أصبحنا لاجئين الآن». وأضاف رب العائلة محاطاً بكوكبة من الأطفال: «هل ترى في أي ظروف نعيش مع نسائنا وأطفالنا؟ لم يعد لدينا أي شيء وهذا أمر معيب». وفي زاوية الباحة، تفوح رائحة البول النفاذة من دورات المياه كما تتكدس على مسافة أمتار صحون الطعام الفارغة. ومنذ ثلاثة أيام، يعيش الساكنون في مسجد سورتش على عطايا سكان البلدة التركية الحدودية. وأضاف تمو: «ليس بإمكاننا شراء المواد الغذائية والبعض هنا لا يمكنه حتى شراء الخبز أو علبة سجائر ولكن لحسن الحظ فإن الناس يساعدوننا بكل طيبة خاطر». وأمام المسجد، تتوقف شاحنة صغيرة قديمة تصدر كوابحها صريراً. دقت ساعة التموين ويسارع اللاجئون وسط فوضى عارمة إلى انتزاع أغطية قدمتها جمعية التجار في مدينة أورفة المجاورة. وقال أحدهم أحمد كرابلوط أثناء محاولته فرض النظام حول شاحنته: «جمعنا أموالاً باسم التضامن وقمنا بشراء أغطية نوزعها في المساجد وقاعات العزاء وفي المدارس حيث يسكن اللاجئون». كما يقوم الهلال الأحمر ومنظمات غير حكومية بتوزيع إعانات. لكن ظروف المعيشة تبقى غير ملائمة على رغم كرم السكان المحليين. ويقول ناهض أحمد علي: «لا توجد وسيلة لتنظيف الأطفال وليس هناك مدرسة أيضاً لإلهائهم. انظر كم أنهم متسخون. يجب أن نغادر هذا المكان». أما مصطفى بكير، فهو محظوظ أكثر لأن لديه سقفاً يؤويه. ووجد أستاذ اللغة الفرنسية في عين العرب (كوباني بالكردية) مكاناً مع عائلته لدى نجله المقيم منذ عامين في مدينة أورفة التي تبعد مسافة خمسين كلم عن الحدود السورية. لكن ظروف معيشته ليست سهلة أيضاً، فقد وصل قبل ثلاثة أيام مع نحو أربعين شخصاً من الأحفاد والأعمام وأبناء العم الذين يتكدسون كيفما كان في أربع غرف من الحجم الصغير. ويقول الرجل الستيني إن «بعضهم ينام على الفرش وغيرهم على السجاد أو السطح أو الشرفة أو حتى في الحديقة العامة» قبل أن يضيف ضاحكاً: «نحن في فصل الصيف لحسن الحظ». وتشكل مصاعب الحياة اليومية معضلة بالطبع. لكن واجب التضامن العائلي يفرض نفسه. يقول بروسك بكير المضيف الواثق من نفسه: «حتى الآن، نتدبر أمورنا بما هو متيسر لدينا... بعدها، سيذهب الشبان للبحث عن عمل ومن ثم سنبيع ما لدينا في المنزل إذا كان هناك من داع». لكن والده يظهر تفاؤلاً أقل: «لا يمكننا البقاء على هذه الحال فترة طويلة لكن هناك أملاً ضئيلاً في العودة سريعاً إلى البلد، إلا إذا أقدمت الولايات المتحدة أو الأطلسي على ضرب داعش في سورية»، وهو ما يحصل حالياً.
مشاركة :