ندرة المياه .. أزمة تطرق أبواب المدن الكبرى

  • 12/9/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد: أشرف مرحلي أيشكل الماء مصدراً أساسياً لحياة الكائنات الحية، ويعد العنصر الأول لاستمرار حياة جميع المخلوقات، ولضمان استمرار جميع النشاطات البشرية والاقتصادية. وفي 1990، بلغ عدد الأشخاص الذين حصلوا على مصادر مياه صالحة للشرب 1.6 مليار شخص فقط في أرجاء العالم، كما تحسنت نسبة الأشخاص في البلدان النامية الذين حصلوا على المياه الصالحة للشرب من 30% في 1970، إلى 71% في 1990، وإلى 79% في 2000، وإلى 84% في 2004، بالتوازي مع ارتفاع عدد السكان. والطبيعي بحسب الإحصاءات، أن يستمر التحسن في هذا الاتجاه، بفضل مصادر المياه العذبة، مثل المياه الجوفية، والمياه السطحية، التي تجري مثل الأنهار والوديان وتتجمع في مناطق منخفضة وهي مصادر ثابتة ومهمة ويمكن الاستفادة منها في إنشاء السدود، ومياه الغلاف الجوي، مع استبعاد المحيطات، التي تحتاج كميات المياه الكبيرة فيها إلى تكاليف باهظة تنفق على الطاقة الهائلة المطلوبة لتحويل مياهها المالحة إلى مياه صالحة للشرب. شارت منظمة اليونيسكو، في دراسة أعدتها مؤخراً، إلى أن نحو 135 ألف شخص يموتون يومياً بسبب نقص المياه الصالحة للشرب، وأن أكثر من مليار شخص في العالم يجابهون مشاكل فيما يتعلق بمصادر المياه النقية، وأن 3 مليارات شخص في العالم ليس لديهم نظام صرف صحي. إلا أن الواقع يبدو مظلماً، ويعكس صورة قاتمة، فأخذت الندرة المائية تتفاقم بسبب معدلات النمو السكاني العالية، كما تواجه المدن الكبرى في العالم تحديات كبيرة فيما يتعلق بالمياه، أدت إلى تفاقمها نزعات عالمية، مثل المدنية الحديثة والتحضر والتوسع العمراني والتغير المناخي، وآن الأوان لأن تأخذ المياه ما تستحقه من اهتمام، وعدم اعتبارها مجرد مشكلة تواجهها المدن الذكية في المستقبل. وذكر تقرير للأمم المتحدة في 2009، أن حركة نزوح السكان في كل أنحاء العالم من المدن الصغيرة إلى المدن الكبرى أدت، وللمرة الأولى، إلى ميل الكفة لمصلحة من يعيشون في المناطق الحضرية. وفرض التمدن والتحضر تحديات كبيرة فيما يتعلق بالمياه، أبرزها توفير المياه النظيفة الصالحة للشرب، والتخلص من مياه الصرف الصحي ومن المياه المترسبة نتيجة هطول الأمطار. وحسب سورين هافيلشوج، مدير سوق المياه العالمية، فإن أماكن كثيرة حول العالم تعاني نقص المياه، ويمثل التغير المناخي أحد أسباب ذلك، لكن السبب الأساسي التحضر والمدنية. وأجبر كثير من السكان على الانتقال إلى أماكن أخرى تبعد كثيراً عن مواطنهم للحصول على المياه، ففي اسطنبول بتركيا، على سبيل المثال، بنت الحكومة أنبوباً بطول 160 كيلومتراً لإمداد المدينة بالمياه النقية الصالحة للشرب. وفي ولاية كاليفورنيا، التي تعاني الجفاف، وفي الشرق الأوسط، لم يعد ممكناً توفير المياه للمدن الرئيسية من دون تحليتها، بحسب هافيلشوج. وشيدت الجامعة التقنية في الدانمارك في 2014 مركزاً لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها المدن الكبرى، يهدف إلى انتهاج باحثي الجامعة نهجاً تخصصياً للتوصل إلى حلول جديدة في مجال إدارة المياه. كما سيتعاون فريق من 11 خبيراً من أقسام الجامعة المختلفة لتحقيق هذه المهمة، يضم باحثين في مجال البيئة في الجامعة وخبراء إحصاء، ومبرمجين من قسم الحاسب الآلي، وباحثين من الإدارة الهندسية، ومهندسين مدنيين من قسم الهندسة في الجامعة. ومن المقرر أن يستثمر الباحثون معرفتهم بشأن تحليلات المخاطر، والتقنيات المستدامة، وتقنيات المياه، ومحاكاة هطول الأمطار، لإنشاء مدن ذكية صالحة للسكنى. كما سيجري مستقبلاً التعاون بين معهد الفضاء الوطني في الدانمارك، وقسم هندسة الضوئيات في الجامعة التقنية، وقسم النانو تكنولوجي للدمج بين التقنيات الحديثة لإدارة منابع المياه داخل المدن الكبيرة وأتممتها، والسيطرة عليها. ولا يمكن حل مشكلة المياه التي تواجه المدن الكبرى بالتركيز على المشكلة وحدها، بحسب بيتر ستين، رئيس قسم المياه في الجامعة التقنية في الدانمرك، والأستاذ في قسم البيئة، الذي يضيف: يعكف خبراء من جهات متعددة على العمل في القضية، فإذا كنا بصدد انتهاج طرق لمقاومة العواصف، فإننا نحتاج إلى التفكير في الوقت ذاته في كيفية جعل المدن صالحة للسكنى، ومن ثم سوف تكون هناك حاجة لتبني آليات عمل حديثة، واستخدام تقنيات تساعد المخططين والمعماريين، ومهندسي المرور، والمياه، على العمل معاً. ودفعت تحديات توفير كميات كافية من المياه الصالحة للشرب للسكان، السلطات وشركات المياه ومزودي التكنولوجيا ومعاهد المعرفة من جميع أنحاء العالم، إلى استحداث عبارة مياه جيدة لجميع الأغراض، والتي تعني تخصيص مياه جيدة لغسل الملابس، ولري المساحات الخضراء، وغسيل السيارات، بدلاً من إهدار مياه الشرب في القيام بهذه الأنشطة. وبحسب مارتين رايجارد، الأستاذ المشارك في قسم البيئة في الجامعة الدانماركية، زودت السلطات في بعض أماكن أستراليا السكان بنوعين من المياه بجودتين مختلفتين، إحداهما صالحة للشرب، والثانية مياه الأمطار، أو مياه الصرف الصحي المعالجة، لاستخدامها في غسل الملابس، وفي الحمامات، والأنشطة اليومية الأخرى التي لا تحتاج إلى مياه بجودة مياه الشرب. وانتقلت الفكرة إلى الدانمارك، التي تنعم بوفرة من المياه، ووجد أن استخلاص كميات كافية من المياه الجوفية في كوبنهاغن وضواحيها لسد احتياجات السكان من المياه ليس أمراً يسيراً، كما أن الأمطار الغزيرة أثارت الاهتمام حول إمكانية استغلال مياه الأمطار في أنشطة لا تتطلب مياهاً بجودة مياه الشرب. كما انصب اهتمام شركات المياه في الدانمارك على الفكرة بهدف خفض استهلاك مياه الشرب، فبتدوير المياه وإعادة استخدامها في التنظيف يمكن خفض التكاليف التي تتطلبها عملية تأهيل المياه للشرب، وتكاليف تفريغ ومعالجة مياه الصرف الصحي. ويؤدي استخدام أهل الحضر إلى إنتاج كميات كبيرة من مياه الصرف، كما أدى تحدي التخلص من مياه الصرف الصحي إلى تطور غير متوقع، فبعد أن كان شيئاً غير مرغوب به، بات مصدراً مهماً يمكنه تزويد السكان بالطاقة، وبالمواد الغذائية، وبمياه شرب جديدة، بحسب بارث سميتس من قسم البيئة في جامعة الدانمارك. ويقول سميتس: يمكن استخلاص النيتروجين والفسفور من مياه الصرف وتدويرها لاستخدامها سماداً زراعياً. كما يمكن استخلاص مياه شرب نظيفة من مياه الصرف من خلال عملية دقيقة، وهو ما تفعله سنغافورة منذ سنوات. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن تحويل الكربون في مياه الصرف إلى الميثان، الذي يمكن استخدامه في إنتاج الطاقة. وبدأنا نعتبر محطات مياه الصرف الصحي محطات لإنتاج الطاقة وليس لاستهلاكها، ومما لا شك فيه، فإن عملية التحول هذه سوف تتطلب مزيداً من الأبحاث والتطوير. ومنذ 2002، تغمر المياه التي تخلفها الأمطار كثيراً من سكان الحضر في الدانمارك، وبحسب البروفيسور كارستن أرنجيرج نيلسن من قسم البيئة في جامعة الدانمارك، فإن كميات مياه الأمطار الهائلة يجب السيطرة عليها، تحت الأرض وفوقها. ومن وجهة النظر الهندسية، فإن أفضل الطرق الاقتصادية وأقلها تكلفة تتجسد في بناء قنوات أكبر حجماً وأطول امتداداً، وطرق وأنفاق تحول مياه الأمطار على الفور بعيداً عن أماكن العيش. بيد أن ذلك سيؤدي إلى إصابة المدن بالجفاف، ما سيدفع السكان إلى الهرب منها. كما يجب استغلال المياه بما يخدم مصالح السكان، وفي الوقت ذاته بما يخفف العبء عن بالوعات الصرف. ومن ثم، يتطلب الأمر ابتكار نماذج توضح مدى وكيفية تأثير الحلول التقنية في البيئة، وكيفية تحسين البنية التحتية، وتقليل أخطار الفيضانات، والتأثيرات الكلية الإيجابية في السكان، بحسب نيلسن.

مشاركة :