حسين أحمد أمين صاحب كتاب (المسلم الحزين) جمعته صدفة هيأها أحد الناشرين بالأستاذ الباحث محمود شاكر المحقق المعروف، وصاحب كتاب (المتنبي)، ودار الحديث بين الجميع حول الثقافة والأدب، كما تطرق إلى الحياة وأساليبها وطريقة التعامل معها من قبل الخاصة والعامة، فسجل حسين أمين بعض ما جاء في اللقاء في كتابه (في بيت أحمد أمين) بشكل مختصر إذ يقول: "عندما دخلنا المنزل الخاص بالأستاذ شاكر قال الناشر محمد المعلم معرفاً بي: الأستاذ حسين أحمد أمين، فقال شاكر بغير اكتراث: أهلاً، وصمت. وبعد الجلوس في الصالة المتواضعة قال المعلم: حسين صاحب كتاب المسلم الحزين الفائز بجائزة أحسن كتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام قال شاكر: أعرف. قلت: مارأيك يا أستاذ في الكتاب. قال: فوِّتْ! فقلت: أنت أستاذنا وموجهنا ولا بد أن أعرف رأيك فيه لأنه يهمني لأستفيد من قامة مثلك؟ قال: تريد رأيي بصراحة، فقلت: نعم وبكل دقة. قال: "يا ابني يا حسين أنت وحسن حنفي، ومحمد عمارة، ومن على شاكلتكم الواحد منكم قرأ كتابين أو ثلاثة عن الإسلام، وبدأ كل واحد يكتب مسميات عجيبة: الإسلام الوسط، الإسلام الحديث، اليسار الإسلامي، أسماء وتعريفات وتنظيرات، وكتب. يا ابني الإسلام إسلام واحد وليس فيه يمين ولا يسار ولا وسط، الإسلام نزل مكتملاً لا يحتاج إلى إضافات، وتسميات، فهو واضح وضوح الشمس، والعبرة في التطبيق. قلت: شكراً يا أستاذ". ثم طلب منه حسين أن يذكر شيئا عن سبب خلافه مع والدة العلامة والباحث أحمد أمين صاحب كتب (فجر الأسلام، وضحى الإسلام، وظهر الإسلام) وغيرها من الكتب المرموقة، فسمع منه كلاما لا يرضيه مثل "فوّت" وغيرها، فخرج نادما على الزيارة. تجيء هذه الحادثة، أو الموقف موضحة مدى الترابط الحميم الذي يحفظ للرواد مكانتهم، ومحاولة استكناه ما يحملونه من آراء، والحصول عليها كشهادات حتى لو اختلفت معهم، لأن الرواد العمالقة لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من علم ومعرفة إلا بعد أن قطعوا أشواطاً طويلة في سبيل الصعود والوصول إلى المكانة الرفيعة، وهذا متعارف عليه وواقع ملموس، ولا ينكره إلا مكابر أو صاحب خلفية بلقع من المتشعلقين بأهداب الثقافة، والذين يبحثون عن الظهور بأي طريقة دون أن يلتفتوا إلى أساتذتهم ومحاولة الاستنارة بآرائهم، والأخذ منهم. ليس معنى هذا الخنوع والتلاشي، ولكن جعل الشخصية في مكانتها اللائقة بها، والاعتراف بقدرها، والعمل على محاولة سلوك الطرق التي رسموها وكانت مفيدة، فالتواصل في تغذية المسيرة المعرفية يكون بالقدوة، ومتابعة الصعود في درجات السلم للإضافة بالمستجدات، مع حفظ حقوق السابقين وعدم التطاول عليهم ورجمهم بالنعوت الممجوجة، ونبذ حالة الدوران حول بعض في التَّنكر للآخرين ممن ساهموا في البناء المعرفي والحركة الثقافية على مر الزمن. حلقات متواصلات حتى الآن وستكون إضافات، ولن يكون ذلك إلا إن نزعت غلالة التكور الجانبي، وتوسعت الساحة في تلقف الطروحات ذات الشأن المقدّر للمعرفة ومصادرها، وذلك عن طريق السلوك السوي إلى المعرفة الذي يدخل إلى الأشياء مباشرة دون تأزُّمات، أو تشنُّجات تمليها الحسرة على عدم الاستطاعة في وضع المهر أو البصمة في سجل الثقافة والإبداع العام المشاع الذي لايعترف بالأعمار الزمنية، وإنما يعترف بالعمر في العطاء الفكري والإبداعي الذي يضيف ولا يشجب، ويعترف ولا يتنكر، لكي يتمكن من مواصلة السير في طريق الثقافة الطويل والذي سيظل أبداً مفتوحاً، ومستوعباً لجميع الفئات العمرية المعطية والمنتجة دون عُقَدٍ أو تحسر..
مشاركة :