العبرة بالعطاء المؤثر - سعد الحميدين

  • 9/9/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

"الكلمة المؤثرة الناضجة هي رسالة محبة وإخاء إذا هي استعملت في مجالاتها المناسبة مكتوبة أو مسموعة".. (...) *** في مجالات الحياة ودروبها العديدة المتعرجة دلائل تشير دوماً إلى أن من يعمل يستطيع أن يحقق ما يريد عمله إذا هو سلك الطرق السليمة المؤدية إلى الغاية، وذلك عن طريق الدراسة الجادة والتمعن والتوقعات، سواء من تجارب السابقين أو من جراء العكوف على دراسة المداخل والمخارج - طبعاً دون استغناء عن مآثر الأخرين - كما في مجالات الإبداع العلمي، والأدبي، والفني، فتكونت أجيال تتبعها أجيال هدفها العمل وخدمة الإنسان بالعمل الذي يهواه، وشحنه بالمتابعة والرصد، ومن ثم الإضافة لما يتطلبه الزمن، فكان أن أُخذ بتصنيف المبدعين حسب أجيال كستينيات، وسبعينيات، وثمانينيات، وتسعينيات، ثم بداية القرن الواحد والعشرين، والعشرينيات، والثلاثينيات، على وتيرة ماكان في القرن الماضي ستكون التصنيفات التي تمليها مواقف، وأعمال صدرت في هذه المرحلة، والمهم في الأمر أن عجلة التصنيفات الجيلية للأدباء والفنانين، والكاتبين في فنون الحياة الأخرى دائرة، فدائماً مايكون الخلط بين الحداثة والمعاصرة، دون مراعاة لنوعية الكتابة، وما تحمله حسب وقت الكتابة ومتى كانت، فَتُقَوّم الأمور بتصور المشارك، فالعطاءات الشعرية الماضية انتهت صلاحيتها في رأي البعض، وما يكتب اليوم هو الإبداع المطلوب مهما كانت لغته، ومهما كانت مكانته من الهشاشة واختلاط العامي بالفصيح، كل هذا جائز تبعاً للمفهوم الخاطئ للتجاوز والتخطي وتفجير اللغة وكسر القاعدة الأساس لكتابة الشعر، والقصة، ومثلهما الرواية، والدراسات، فالمهمّ الكتابة بالطريقة التي تسوِّد الصفحات أو تستولي على مساحات من المواقع التي تتقبل وتنشر وتترك الحكم للمتلقي، فهناك تصادفك أمشاج وملصقات تجمعها عملية كولاج قسرية فاقدة للمهارة فتأتي مسخاً من البعض يُقْحَمُ في دائرة الفن وهو لايمكن أن يكون، وذلك نتاج الخلفية البلقع وانعدام الجدية والمثابرة، وعدم الإدراك بأن الإبداع لا يتم إلا عن طريق معرفة أصول العمل وقواعده، ومن ثم يأتي دور المبدع الذي يعطي العمل إضافة ولمسات من ابتكاراته، مع المحافظة على خاصية تنبئ عن صاحبها، ف عنترة، وامرؤ القيس، كل منهما له خاصيته التي ميزته عن سواه، كما للمتنبي خاصيته، ولأبي تمام، والبحتري، وأبي العلاء المعري، وابن الرومي، ثم حديثا تميز كلّ من شوقي، وحافظ، ومطران، من مدرسة الإحياء بخاصية لكل منهم، وشعراء مدرسة الديوان عبدالرحمن شكري، والمازني، والعقاد، وشعراء مدرسة أبوللو أحمد زكي أبو شادي، وعلي محمود طه، وناجي وأحمد فتحي، وشعراء المهجر أبوماضي، ونسيب عريضة، وميخائيل نُعيمة، ومن المهجر الشمالي ومن العصبة الأندلسية فوزي معلوف، وإلياس فرحات، وزكي قنصل، وشكرالله الجر، وهناك شعراء آخرون ظهرت خاصيتهم بجلاء ايضا مثل سعيد عقل، الاخطل الصغير، امين نخلة، محمد مهدي الجواهري، احمد الصافي النجفي، ومن الشعراء السعوديين من ذوي الخاصية حسين سرحان، حمزة شحاتة، طاهر زمخشري، عبدالله بن خميس، أحمد قنديل، حسن القرشي، محمد الفهد العيسى، غازي القصيبي، محمد الثبيتي، حسن السبع.. ثم في دور التحول وحركة الشعر الحر كانت نازك الملائكة، وبدر السياب، وعبدالوهاب البياتي، وصلاح عبدالصبور، وأحمد حجازي، وخليل حاوي، ثم نزار قباني، ومحمود درويش، ومحمد عفيفي مطر، وغيرهم الكثير من الشعراء المبدعين الذي كانت لهم خاصيتهم وعلاماتهم الدالة عليهم في آثارهم الخالدة، وهؤلاء الأجيال التي تعاقبت لم يهمش منهم من سبقه بل كانوا يحترمونهم ويقدرون مواهبهم ويدرسون آثارهم، ولم يشطب أحدهم الآخر من القائمة، أو يضع حاجزا أمامه ممنوع المرور فالطريق من هناك، وقد تأتّى هذا بالإيمان التام بأن التفاعل مع الثقافة في الحياة هو المهم بالنسبة للمبدع لكي يواصل المسير، فالثقافة واسعة الأبواب، وأبوابها هذه مفتوحة ولا تشكو من أزمة ولكن الأزمة الحقيقية تكمن وتعشعش في عقول الأدعياء الذين ماجت بهم الساحة في غياب من المتابعين والناقدين الموجهين الذين يفحصون الأعمال ويعطون كل ذي حق حقه، ويدلّون الى الطريق السوي من هو بحاجة إليه، فالحياة سرها في التعاون، والثقافة بالمثاقفة عبر الصحف والمواقع، والمنابر، والأندية التي تعم أرجاء البلاد، فالجدية والمثابرة مطلوبتان، فهناك الكثيرون ممن يبحثون عنهما، ويشكرون من يفعل.

مشاركة :