تسعى فرق المعارضة المغربية في البرلمان لتجاوز حالة الضعف التي ميزت أدوارها في الدورة النيابية الماضية من خلال استغلال صلاحياتها الدستورية وتفعيل الرقابة البرلمانية مع العمل على رفع مستوى التنسيق بين فرقها. وإثر تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبدالإله بنكيران الأخيرة ضد الحكومة ورئيسها والتي وصفت بالشعبوية، دخل التنسيق بين أحزاب المعارضة داخل البرلمان مرحلة من الشك، وهو ما يقلل من تأثير مواقفها في انتقاد أداء الحكومة التي اتهمتها ذات الأحزاب بالهيمنة والتحكم. واعتبر الفريق الاشتراكي أن أداء المعارضة مستمر في مهمته كصوت للمواطنين داخل البرلمان بعيدا عن الشعبوية. وقال عبدالرحيم شهيد رئيس مجموعة حزب الاتحاد الاشتراكي، وهو منسق فريق المعارضة البرلمانية، إن “بعض العوامل الخارجية تؤثر على عمل المعارضة منها تصريحات بنكيران قد تفشل التنسيق بين المعارضة، رئيس فريق حزب العدالة يقول شيئا ورئيسه خارج قبة البرلمان يدلي بشيء آخر يؤثر على أداء المعارضة”. هشام عميري: شعبوية بنكيران لن تؤثر على الأداء الحكومي ويرى هشام عميري، الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة في تصريح لـ”العرب” أن “شعبوية بنكيران لا تزال مستمرة منذ ترؤسه للحكومة، لكن تصريحاته الأخيرة لن يكون لها تأثير على الأداء الحكومي، خاصة في ظل صمت باقي أحزاب المعارضة وكأنها لا زالت تحن إلى وجودها في صفوف الأغلبية، إضافة إلى عدم وجود أي تنسيق في ما بينها، وإلى حدود اللحظة يتبين بأن هذا التنسيق غائب وسيكون غائبا كذلك حتى في المستقبل”. وأكد الفريق البرلماني لحزب الحركة الشعبية أنه سيعمل خلال هذه الدورة على “تعزيز التنسيق الذي دشنه مع فرق ومجموعات المعارضة لإثارة القضايا التي تشغل المواطن المغربي، خاصة ما يتعلق بارتفاع أسعار المحروقات والمواد الاستهلاكية الأساسية، إلى جانب إصلاح أنظمة التقاعد والعناية بالمتقاعدين، والمساهمة في تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب بما يضمن حق المعارضة”. واتهمت المعارضة الحكومة بأنها ألحقت البرلمان بها، مستدلةً في ذلك بغياب الندية التي من المفترض أن تكون في نقاشات المؤسسة التشريعية والحكومة. وعلى المستوى التشريعي والرقابي، فقد كانت الدورة الماضية دون مستوى تطلعاتها، مشيرة إلى وجود الكثير من الممارسات المنافية للدستور، بدأت مع تشكيل الحكومة من خلال حضور روح الهيمنة والاستئثار بكل شيء. ومن المهام التي تضطلع بها المعارضة البرلمانية المؤلفة من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية والاشتراكي الموحد وتحالف اليسار الفيدرالي والحركة الشعبية، كما حددها الدستور في فصله العاشر، اقتراح خيارات وسياسات بديلة عن سياسات الحكومة القائمة، باستغلال الآليات الرقابية التي منحت لها لضمان محاسبة فعالة للعمل الحكومي لاسيما عن طريق الرقابة والمساءلة. وأكد خالد الشرقاوي السموني، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية في تصريح لـ”العرب” أن “المعارضة الهشة جعلت الحكومة في مواجهة تحد كبير بسبب تشتت تلك المعارضة والتي توصف بغير المنسجمة سياسيا وأيديولوجيا، وتتكون من خليط غير متماسك، وتفتقد إلى خطة عمل موحدة إلى حد الساعة، ولا يوجد حزب من بين هذه الأحزاب قد يعول عليه لممارسة معارضة قوية في البرلمان”. وركزت المعارضة البرلمانية خلال الدورة الأولى من الولاية التشريعية الحالية على شن هجومها على الحكومة دون طرح الإشكالات الكبرى المتعلقة بمدى التزام هذه الأخيرة بتطبيق برنامجها من حيث المؤشرات والأرقام، بحسب السموني. وتابع أن “الدور الفعلي للمعارضة البرلمانية قد يكون شبه غائب، بالنظر إلى الملفات الكبرى التي تستأثر باهتمام الرأي العام على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، في مقابل مستوى من النقاش لا يرقى إلى ما هو مطلوب من خلال التراشق بالكلام بين المعارضة والأغلبية والاتهامات المتبادلة وتصفية الحسابات السياسية”. وتشكو المعارضة البرلمانية مما سمّته امتداد هيمنة الحكومة إلى تشكيل هيكلة مجلس النواب، وأعطت بعض الأمثلة عن ذلك. وأشارت في سياق ذلك إلى أنها تتعرض لتضييق الخناق باستخدام سلاح نسبية الوقت، حيث تسيطر الحكومة وأغلبيتها على التوقيت، ولا يتبقى إلا حيز ضيق للتعبير عن الرأي المخالف. وأوضح رشيد حموني، رئيس مجموعة حزب التقدم والاشتراكية المعارض، أن التنسيق بين فرق المعارضة يقتصر فقط على مجلس النواب وليس تنسيقاً سياسياً، مشدداً على أن التنسيق السياسي ليس من اختصاص الفرق البرلمانية. خالد الشرقاوي: المعارضة هشة وتفتقد إلى خطة عمل موحدة وأفرزت انتخابات الثامن من سبتمبر 2020 خارطة سياسية هيمن فيها حزبا التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة على المشهد، ومكنت الائتلاف الحكومي من الاشتغال دون ضغوط واضحة من المعارضة البرلمانية بفضل ما توفر لها من أغلبية عددية في مجلسي البرلمان. ودفع ذلك رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب إلى التحذير مما يمكن أن تتطور إليه الأمور ومن الإضرار بالمؤسسة الديمقراطية، معتبراً أن الحكومة باتت تتعامل مع البرلمان وكأنه مؤسسة زائدة في المشهد السياسي، لافتا إلى أن المعارضة ستعزز التنسيق بما يحمي المؤسسة التشريعية. وتطالب المعارضة البرلمانية بإجراء تعديل عاجل وعميق للنظام الداخلي لمجلس النواب بما يحفظ حقوقها ويصون التعددية، معلنة عزمها مواصلة التنسيق “المُحكم والفَعّال”، من أجل “المصلحة الوطنية ودفاعاً عن قضايا المواطنات والمواطنين”. ودعت إلى التضامن في مواجهة الرأي الواحد والمهيمن، مشيرة إلى أن التنسيق بينها يهدف أيضاً إلى توقيف الانزلاقات والتحذير منها، لأن مسار الهيمنة يكون كثير الأعطاب. ويرى السموني أن “المغرب يراهن على معارضة برلمانية قوية لا تقل عن حاجته إلى حكومة قوية، وغياب أو ضعف هذه المعارضة لن يساهم في تطوير العملية الديمقراطية وتجويد العمل الحكومي”، مشيرا إلى أنه “خلال هذه الولاية التشريعية كان هناك نوع من القصور في أداء المعارضة البرلمانية، إن لم نقل معارضة ضعيفة في مواجهة الحكومة التي تقوى بأغلبية مريحة في البرلمان، وأيضا معارضة هشة وغير منسجمة”.
مشاركة :