علاقة التعليم بالثقافة تطغى على مؤتمر أدباء مصر في أسوان

  • 12/9/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بوقفة احتجاجية ضد الإرهاب أمام نصب الصداقة المصرية - السوفياتية بمنطقة السد العالي، اختتم أدباء مصر مؤتمرهم الثلاثين الذي استمر على مدار 5 أيام في الفترة من 6 إلى 9 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، واحتضنته مدينة أسوان العريقة بجنوب مصر. أهدى المؤتمر دورته لاسم الأديبة الراحلة رضوى عاشور، وانعقد تحت شعار «نحو مؤسسة فاعلة ثقافيا»، وناقش مجموعة من الملفات والقضايا الشائكة التي تواجه الواقع الثقافي المصري في لحظته الراهنة، وشهد حفل افتتاحه الكاتب الصحافي حلمي النمنم وزير الثقافة، واللواء مصطفى يسري محافظ أسوان ودكتور محمد أبو الفضل بدران رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة المنظمة للمؤتمر ودكتور سيد خطاب رئيس المؤتمر والشاعر عبد الحافظ بخيت، أمين عام المؤتمر، وحضره حشد من الكتاب والشعراء والنقاد والفنانين من كل أقاليم مصر. شهد المؤتمر على هامش فعاليته معرضا للكتب ومجموعة من المعارض الفنية لمنتجات «الورش الفنية لثقافة المرأة والحرف البيئية، وورشا فنية لذوي الاحتياجات الخاصة»، كما شهد افتتاح معرض فني لفناني أسوان في مجالي التصوير الزيتي والنحت ضم 33 عملا فنيا. كما عقد المؤتمر بعض ندواته بالمدارس والمعاهد والجامعات، لتوسيع آفاق الحوار الثقافي. وفى كلمته بحفل الافتتاح أشاد النمنم بدور محافظة أسوان في إثراء الحركة الثقافية المصرية منذ بدايات القرن العشرين مرورًا ببناء السد العالي الذي يعد أكبر مشروع ثقافي قومي سياسي، مشيرًا إلى أن «المؤتمر يجعلنا ننظر إلى الثقافة المصرية ومؤسساتها بفخر لأنها ثقافة مقاومة تتطلع إلى البناء لا الهدم، وأنها ثقافة تضحية منذ محاولات الاغتيال لطه حسين ومحمد عبده ونجيب محفوظ، ونصر حامد أبو زيد، ثم اغتيال المفكر فرج فودة»، وذلك في إشارة لحالات التطرف التي واجهت المفكرين والأدباء، والتي طالت أيضا هيئات الدولة المتمثلة في الثقافة الجماهيرية والهيئة العامة للكتاب عندما حاولت نشر روايات من وجهة نظر المتشددين لا يجب أن تنشر. ودعا النمنم المؤتمر إلى التفتيش عن السلبيات الثقافية وكشفها بشفافية. ورحب اللواء مصطفى يسري بالحضور وعبر عن سعادته بإقامة مؤتمر الأدباء على أرض محافظة أسوان بعد غياب لمدة 25 عاما، وأكد أن الأدباء يمارسون مبدأ الديمقراطية من خلال إعطاء أمانته اختيارا حرا. وتمنى أبو الفضل بدران أن يعود المسرح المتجول إلى أوج توهجه وانتشار دور السينما وفرق الفنون ووجود مكتبة في كل شارع، كما تمنى محو الأمية الأبجدية والثقافية من خلال مبادرات لتحويل 600 موقع ثقافي متمثلة في بيوت وقصور ومكتبات لأماكن ثقافية جاذبة لا طاردة للجمهور، ووصف المثقفين والأدباء بالقوى الناعمة والباسلة التي تعد خط الدفاع الأول في مواجهة الإرهاب والتطرف ليعيدوا مصر إلى بهائها. وأشار سيد خطاب إلى أن المؤتمر يعد ميثاق شرف نتفاعل من خلاله لنتحول من دراسة الحالة الأدبية إلى فعل مباشر يوضح ويدعم رؤية مصر في الحركة الثقافية. وحول الجديد في هذه الدورة قال عبد الحافظ بخيت أمين عام المؤتمر إن المؤتمر في دورته هذه يفتح ملفات شائكة ترتبط باللحظة الراهنة، منها إشكالية المؤسسة الثقافية الرسمية ودورها في خلق ثقافة وطنية بالإضافة إلى المؤسسات غير الرسمية ومنها ملفات التعليم والإعلام. وفي ورشة عمل بعنوان «هيئة قصور الثقافة.. النشأة.. التطور المستقبل»، شارك فيها اثنان من رؤساء الهيئة السابقين الشاعر سعد عبد الرحمن، ودكتور سيد خطاب، والشاعر فتحي عبد السميع، وأشار عبد الرحمن إلى تاريخ الثقافة الجماهيرية منذ الخمسينات وكيف تطورت إلى أن أصبحت بالشكل التي هي عليه اليوم، كما تعرض للمشكلات التي طرأت على الثقافة الجماهيرية بعد حرب 1973 وجعلت منها جهازا ثقافيا غير فاعل، موضحا أن هناك أماكن ثقافية منتشرة في أرجاء مصر تابعة للهيئة لا يوجد بها أكثر من عاملين. وأن الدولة تدعم الهيئة بميزانية قدرها 400 مليون جنيه وأن المخصص الفعلي للأنشطة لا يتجاوز 50 مليون جنيه والباقي يذهب إلى الإنشاءات وأجور العاملين بها. وأشار دكتور سيد خطاب إلى تراجع دور الثقافة، مطالبًا المثقفين والأدباء باستعادته مرة أخرى، وأن ذلك سيأتي من خلال وجود مشروع ثقافة واضح يعمل الكل لإنجاحه،، كما أكد على أن جهود الدولة انكمشت في تفعيل دور الثقافة حيث يوجد 4500 قرية لا يوجد بها ثقافة جماهيرية من بيوت وقصور ومكتبات، وهذا يتطلب وجود مظلة جديدة لبناء شكل الجهاز الثقافي في القرية حتى يعبر عن شكلها وإرثها الثقافي والحضاري واحتياجاتها، كما وجه انتقادات للهيكل الوظيفي لهيئة قصور الثقافة حيث يوجد بها أكثر من 16 وكيل وزارة و76 مديرا عاما، وهذا ما يجعله هيكلا شديد التعقيد ويحتاج إلى معالجة. ومن جهته أوضح الشاعر فتحي عبد السميع أن كل المشكلات التي تواجه مصر الآن ترجع إلى الثقافة، فالثقافة هي أساس وأول نقطة في معالجة كل المشكلات، وتساءل قائلا: هل الدولة مؤمنة حقا بدور الثقافة وأهميتها؟ مشيرًا إلى أن الثقافة دائمًا تكون على الهامش، حيث تعتبر الدولة المثقف يمثل خطرًا على الدولة، وطالب الدولة بضرورة الإيمان بدور الثقافة والمثقفين. وحظيت مشكلات التعليم وارتباطها بالثقافة بالنصيب الأوفر من موائد المؤتمر البحثية، ففي ندوة بعنوان «التعليم وتشكيل الوعي»، تحدثت فيها الباحثة دكتور عواطف يونس من خلال ثلاثة محاور رئيسية عن «التعليم ودوره الفاعل في تشكيل الوعي»، مشيرة إلى أن هذا المحور يوضح أهمية التعليم وأهدافه وأن الأسرة هي المسؤولة الوحيدة عن الثقافة وتشكيل الوعي، والمحور الثاني، تناولت فيه «أزمة التعليم الحالية» من خلال تساؤل هل الثقافة المعاصرة تنقل لنا حلول أزمة التعليم الحالية؟ وما المشكلات التي جعلت التعليم في أزمة؟ وعلاقة تلك الأزمة بمنظومة الثقافة؟ أما المحور الأخير فتحدثت فيه عن المنهج التعليمي، وأوضحت أن الخريجين ليسوا على درجة عالية من الثقافة، مطالبة بضرورة القضاء على الأمية الثقافية للشباب، وأكدت على أن الانفجار المعرفي المتزايد أثر بالسلب على أنظمة التعليم لأنها لا تتفق مع احتياجات سوق العمل، مؤكدة على أن بعض المعلمين لديهم أمية ثقافية. كما ناقش الباحث إبراهيم حمزة مشكلة المناهج المدرسية والكتاب المدرسي في بحث سماه «الأوصياء الجدد»، مشيرا إلى أنه «لدينا ما يفوق من 200 شاشة تلفزيونية وأكثر من 400 مليون موقع على الإنترنت، وهي موارد ثقافية موارد ثقافية كثيرة جدًا، لكن لا يتم استغلالها في تنمية العملية التعليمية بالشكل الصحيح». وأشار الباحث إلى صعوبة اللغة المستخدمة في بعض المناهج المقررة وعدم مواءمتها مع قدرات الطلاب. وفي جلسة بحثية بعنوان «المنتج التعليمي والأمية الثقافية» أكد الباحث أحمد مرسال أكد على أن المشكلات التي تمتلئ بها مصر منذ ثلاثة عقود ترجع إلى الأمية الثقافية، فالشباب الذي لا يجد له اتجاها سياسيًا أو وطنيا ويجنح نحو الإرهاب والتطرف يعاني في الأساس من مشكلة ثقافية وتعليمية خطيرة، مضيفا أن الدولة عند معالجتها لقضايا الإرهاب ركزت على الجوانب الأمنية، بينما أهملت الجوانب الثقافية والتعليمية، فالجهل هو الرافد الأساسي للإرهاب والتخلف الحضاري، وتناول مرسال في بحثه مفهوم الثقافة والأمية الثقافية والمنتج التعليمي وإشكالية الكتاب المدرسي، مقدمًا في نهاية بحثه دراسة تطبيقية في منهج الصف الرابع الابتدائي. وتناول الدكتور صلاح العايدي في ورقته البحثية علاقة الثقافة المعاصرة ومناهج التعليم، موضحا أن المنهج التعليمي شديد الاختلاط وهو ما يمثل اضطرابًا، إلى جانب كثرة الأخطاء التعليمية والفكرية والأخلاقية في مقررات الدراسة، واختتم الورقة البحثية بتوصيتين، الأولى، إعادة النظر في النظام التعليمي كله وما يرتبط به من إجراءات العملية التعليمية، ومن ثم تحديد مفهوم الثقافة المعاصرة وعناصرها وكيفية تحقيقها، والثانية، إعادة النظر في نظم الامتحانات. وفي مائدة مستديرة بالمؤتمر حول العلاقات الثقافية الخارجية، ودور مصر الثقافي في عالمها العربي، تحدثت الكاتبة دكتورة هويدا صالح عن بعض الملفات الشائكة في طبيعة عمل قطاع العلاقات الثقافية الخارجية، منتقدة الكيفية التي يتم من خلالها اختيار المثقف الذي يمثل مصر خارجيًا، ووصفتها بأنه مبنية على الشللية والمحسوبية التي تحكمت في المشهد الثقافي المصري. كما قدمت مقاربة لوضع مصر الثقافي في الوطن العربي، وقامت بالرد على بعض الدعوات المغرضة التي تروج لها بعض الجماعات وتتهم مصر بتراجع دورها في الوطن العربي، وأكدت أن هذا الكلام غير صحيح بدليل أن كل الثقافة الخليجية قائمة على مشاركة مصرية. وفى مداخلة للدكتور محمد أبو الفضل بدران رئيس الهيئة اختلف مع صالح في نقطتين: أولهما، أن الدور الثقافي المصري قد تراجع للأسف، وإن كان الوطن العربي يعترف بفضل مصر في إثراء الحركة الفنية والثقافية، فإنهم يتحدثون عن ثقافة نجيب محفوظ والعقاد وطه حسين، وغيرهم، أي الإرث الثقافي والفني المصري القديم وليس الحديث، وثانياً، أن الدور المصري قد كبا فعلاً، ولكنه في طريقه إلى النهوض بشباب الجامعات الواعي، «بدليل أن إعلام الخليج وإن كنا نشكو منه إلا أنه يقوم على خريجي الجامعات المصرية». وأكد بدران على أن تراجع دور مصر الثقافي يعود لتراجع دور المثقف في أن يكون له موقف. وناقش المؤتمر في بحثين «العلمانية وإشكالية المصطلح» الأول، بعنوان «هل يمكن إنتاج العلمانية خارج الشرط الثقافي؟» للدكتور علي مبروك، أوضح فيه أن مصطلح العلمانية تبلور في أوروبا لمواجهة التفكير الدوجماطيقي المنغلق، ولكن عندما جاء إلى العرب تحول المصطلح إلى مذهب منغلق لأفكار أشبه ما تكون بالعقائد الجامدة، مشيرًا إلى أن البعض يتعامل مع العلمانية على أنها ديانة خلاصية جديدة وهذا يرجع إلى فصل العلمانية عن الشرط الثقافي وذلك عند العرب، كما تطرق إلى أحد كبار العلمانيين «سلامة موسى». وقال الشاعر أشرف البولاقي إن كلمة «العلماني» ما زالت تحمل في طياتها الكثير من الغموض والخطأ في معناها الأصلي، وأكد على أن العلماني بعيد كل البعد عن الدين، وأن العلمانية تهدف إلى فصل الدين عن السياسية والسلطة، مؤكدًا أن هذا الخلط جاء نتيجة ظهور العلماني في البداية داخل الكنسية وأوروبا، كما ظهرت كلمة «العلماني» في الكتب الأوروبية على أساس أنها تدل على الإلحاد، ثم تحول الأمر إلى أنها تدل على السلوك الإنساني، وأوضح أن هذه الكلمة ترجع في الأصل اللغوي إلى العالم وليس إلى العلم.

مشاركة :