أوصت دراسة تطوير المنظومة القضائية التي استعرضها منتدى الرياض الاقتصادي، في الجلسة التي رأسها نيابة عن الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني، الشيخ الدكتور عبد الإله الفريان، وزير العدل عضو المحكمة العليا، بضرورة تعديل نظام التحكيم التجاري وإزالة غموض بعض نصوصه، وأهمها اختصاص المحكمة عند مصادقة الحكم، وإزالة بعض الشروط التي تفرضها المحكمة دون أساس قانوني لها. وطالبت المناقشة التفصيلية للدراسة التي حملت عنوان "تطور المنظومة القضائية وعناصر القوة ومجالات التطوير والتحفيز وأثره على الاقتصاد الوطني"، بتحديد دور الاستئناف بوضوح، وتسمية المحكمة العليا كجهة تمييز لحكم الاستئناف في حال الطعن بالبطلان، كما أوصت بضرورة الإسراع في إصدار اللائحة التنفيذية للنظام، ودعم المركز السعودي للتحكيم التجاري بالكوادر المهنية، وتزويده بالوسائل النظامية التي تمكنه من أن يصبح مركزا رائدا لأكبر اقتصاد في المنطقة، علاوة على نشر ثقافة الوسائل البديلة في التقاضي. وفي محور الحوكمة، دعت الدراسة إلى صياغة استراتيجية حديثة للحوكمة وهيكلتها، واقتراح الأنشطة المعيارية اللازمة لها، وطالبت بتأسيس إدارة متخصصة في المجالس القضائية تختص بإدارة وقياس ومراقبة الأداء. وفي محوري الهيكل القضائي، والتشريعات القضائية دعت الدراسة إلى إعادة تنظيم التشريعات التي تعالج مسألة تنازع الاختصاصات للتخلص من التأثير السلبي لهذا التنازع الذي يعانيه القضاء، وإسناد ذلك إلى محكمة للتنازع على غرار التجربة الفرنسية. إنشاء محاكم متخصصة ونادت التوصيات بالتوسع في إنشاء المحاكم المتخصصة، وعلى سبيل المثال محكمة تختص بالقضايا العقارية، مع توسيع اختصاص المحكمة العليا لتشمل النظر في الطعون الموضوعية على بعض الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف، ولفتت إلى ضرورة اعتماد آلية جديدة لملء الفراغات التشريعية وتحديث الآلية التي وضعها النظام الحالي، وشددت على أهمية مراجعة كفاءة بعض الإجراءات الواردة في الأنظمة، وخاصة نظام التنفيذ. وطالبت الدراسة بوضع خطة استراتيجية للوصول إلى الحد الأدنى من الكفاية في المباني القضائية، مع ضرورة اعتماد معايير واشتراطات للمباني وتجهيزاتها. وفي محور الموارد البشرية دعت الدراسة إلى تصميم خطة حديثة ومتخصصة للتدريب القضائي وتنفيذها بكفاءة، وأوصت بتدريس الأنظمة في الكليات التي يتخرج فيها القضاة، وتعزيز المهارة المهنية القضائية والقانونية وتطوير المناهج المعنية بالدراسات القضائية. واقع التشريعات القضائية بالمملكة تركزت الدراسة على ستة محاور تستهدف في مجملها تطوير المرفق القضائي وتخفيف الضغط الذي تشهده أروقة المحاكم في مختلف القضايا، وشملت الاهتمام بتطوير الهيكل القضائي، دراسة واقع التشريعات القضائية والعوامل المرتبطة بها، الكوادر البشرية وآلية تطويرها ودعمها، وتطوير البنية التحتية للقضاء، ومواكبة المحاكم السعودية لمعايير الحوكمة العالمية في مجال القضاء، وأخيرا دراسة وتقييم واقع الوسائل البديلة للقضاء لتطوير القضاء. وركزت مناقشات المتداخلين على ارتباط البيئة القضائية وأثرها في حركة الاقتصاد والاستثمار، ونوه البعض بما تناولته الدراسة بشأن أثر البيئة التشريعية السليمة، وأنها ترسم إطار بيئة الأعمال، كما أن استقلال القضاء يعد عاملا محفزا على النمو الاقتصادي، وأن قوة النظام القضائي ومصداقيته يعكسان قوة أنظمة الدولة ومدى جاذبيتها الاستثمارية. ولفتت الدراسة كذلك إلى أن تأخر تطبيق بعض التشريعات أسهم في بقاء حالة التباعد في النظام القضائي، كما طالب بعض المتحدثين بالاهتمام بتكريس عوامل الشفافية. بدوره، قال الدكتور أسامة القحطاني في عرضه لمحاور الدراسة إن أبرز ما رصدته الدراسة يدور حول الهيكل القضائي وتمثل في المحور الأول ويتضمن أنواع الهياكل القضائية، واقع الهيكل القضائي في المملكة من خلال القضاء العام، القضاء الإداري، اللجان ذات الاختصاص القضائي، ويتناول المحور التجربتين القضائيتين لفرنسا المتمثلة في القضاء المزدوج، والثانية لتجربة الدنمارك وتتمثل في القضاء الموحد. القضاءين الموحد والمزدوج واستعرضت الدراسة نظام "القضاء المزدوج"، الذي يتميز بوجود جهازين قضائيين يختص أحدهما بالفصل في المنازعات الإدارية، والآخر بالمنازعات الأخرى عدا الإدارية إلا ما استثني منها، ويتسم هذا النموذج بازدواجية الهيكل القضائي بدرجاته المختلفة، واستقلال كل جهاز عن الآخر من حيث مبادئه الموضوعية، ومن حيث القضاة، وكذلك من حيث الجوانب المالية، وهو النموذج السائد في فرنسا ومعظم الدول الأوروبية، وبعض الدول العربية مثل مصر والإمارات. أما نظام "القضاء الموحد" وتمثله التجربة الدنماركية، فيعني إخضاع كافة المنازعات والدعاوى القضائية في الدولة لسلطة جهاز قضائي واحد، يتسم بوحدة الهيكل بدرجاته المختلفة، ووحدة القانون والقاضي، وهو النموذج السائد كذلك في بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول العربية كالسودان. وفي المحور الثاني "التشريعات القضائية"، أشارت الدراسة إلى أنه يمكن حصر الأنظمة المباشرة في النظام القضائي للمملكة في الأنظمة التالية: نظام القضاء 1428هـ، نظام المرافعات الشرعية، نظام المرافعات لدى ديوان المظالم، نظام الإجراءات الجزائية في نظام التنفيذ، نظام المحاماة، ولائحة الموثقين، إضافة إلى اللوائح التنفيذية المتعددة والمندرجة تحت نظام القضاء واللوائح التنفيذية لبقية الأنظمة. وأشارت الدراسة إلى أنه منذ صدور نظام القضاء عام 1428هـ، وبدأت مسيرة جديدة لتحديث القضاء في المملكة وتجديد أنظمته، ومن ضمن أبرز إضافاته، أسس نظام القضاء الجديد لدرجة قضائية جديدة لم تكن موجودة سابقا وهي الاستئناف، وأنشأ المحكمة العليا لتكون محكمة قانون فقط ولا تنظر في الموضوع وفحوى الدعوى، وإنما فقط لفحص استيفاء الإجراءات والأصول الشرعية والنظامية التي تمت، إلا في جرائم جزائية محددة مثل القتل أو القطع ونحوهما، كما أنشأ النظام عددا من المحاكم المتخصصة كالمحاكم العمالية، والأحوال الشخصية. القضاء المدني والقضاء التجاري ولفتت إلى أن النظام حرص على توحيد القضاء المدني ليكون تابعا للقضاء العام، وقرر لأجل ذلك نقل القضاء التجاري من ديوان المظالم ليكون تابعا للقضاء العام، ويبقى الديوان متخصصا في القضاء الإداري فقط. وفيما يتعلق بالجانب الموضوعي ودور القضاء في سد الفراغات التشريعية، فإن النظام أسس لذلك المبادئ التي تضعها الهيئة العامة بالمحكمة العليا، لتسهم في الحد من الضبابية واختلاف الأحكام. وبدأت المحكمة العليا فعليا ممارسة هذا الاختصاص. وفي جانب تنفيذ الأحكام القضائية فقد صدر نظام جديد يختص بكل ما يتعلق بالتنفيذ، وأسس لقضاء تنفيذ حديث وجديد، وارتفعت معه فاعلية الأحكام القضائية، كما أعطى القضاء عديدا من الصلاحيات والآليات لتعزيز تنفيذ الحكم القضائي.
مشاركة :