بقلم: المحامي زياد أبو زياد بداية … من الصعب القول “كل عام وأنتم بخير” لأننا هذا العام بل ومنذ أعوام طويلة ونحن لسنا بخير. وبدلا ً من القول كل عام وأنتم بخير فلنقل ليكن العام القادم خيرا ً من هذا العام وعندها سنكون بخير. يلاحظ المراقب أن حركة حماس حاولت تسجيل حضورها في أحداث الأقصى التي في رأيي أنها لم تصل ذروتها بعد وأن القادم سيكون أخطر مما مضى. ورغم رفع أعلام حماس والهتافات في ساحات الأقصى فإن الرد الجماهيري ضد محاولات اليهود تغيير الوضع القائم في الأقصى هو رد شعبي عفوي فوق مستوى الفصائل، وخاصة أن المقدسيين بالذات يشعرون بأن حماية الأقصى والذود عنه هو التزام عليهم حتى لو تخلى الجميع عنهم. ولكن من المعروف دائما وفي أي مكان في العالم أنه عندما يكون هناك حراك شعبي في الشارع تحاول الأحزاب والقوى السياسية ركوب موجته واستغلاله لصالحها السياسي والحزبي. وهذا أمر مشروع سياسيا طالما أن الساحة متاحة للجميع. وعلينا ان نعي بأن نسبة ما حدث ويحدث في ساحات الأقصى الى حركة حماس إنما يصب في خانة مصلحة إسرائيل لأنها تستغل ذلك لتبرير إجراءاتها القمعية واستخدام العنف المفرط بحجة أنها تقوم بذلك في إطار حربها ضد حماس. ويلاحظ المراقب أن محاولات الظهور في ساحات الأقصى تتزامن مع الحديث عن العمليات المسلحة في الضفة بلغة “.. قام الجهاديون ب…” مما يعطي الانطباع بأنه إما أن تكون هذه العمليات المسلحة هي فعلا ً لفصائل جهادية أو أن هناك نية وتوجه للتصعيد والظهور الميداني العملياتي وليس الاقتصار على الظهور في ساحات الأقصى. والذي يعرف طبيعة هذا الشعب يعرف أن الاستسلام للأمر الواقع ليس من شيمه وأن التحرشات الإسرائيلية في ساحات الأقصى وعلى طول وعرض ساحة الضفة الغربية بما فيها تكثيف الاعتداءات ضد المدنيين الفلسطينيين من قبل المستوطنين والجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية وتكثيف الأنشطة الاستيطانية ونهب الأراضي الفلسطينية هو لعب ليس بالنار بل بالمتفجرات وأنه يخلق البيئة والدفيئة للتصعيد العملياتي، وأن استمرار هذا اللعب سيؤدي الى الانفجار الكبير. لقد انخدعت إسرائيل بحالة الهوان والانكسار العربي وهرولة بعض الكيانات العربية ذات المشاكل الداخلية للتطبيع مع إسرائيل والتمسح على أعتابها، فاعتقدت أن ذلك سيسهل عليها الاستيلاء على الأقصى والقدس والضفة وشطب القضية الفلسطينية وهذا لن يحدث أبدا ً. وانصافا ً للحقيقة فإن الانكسار والهوان العربي الذي تجسد في الهرولة للتطبيع مع إسرائيل لم يكن العامل الوحيد الذي شجع إسرائيل على المضي في سياساتها الاحتلالية وانما كانت معه عوامل أخرى أهمها العامل الأمريكي والعامل الرسمي الفلسطيني وانشغال العالم بالحرب في أوكرانيا رغم ظهور ازدواجية المعايير في تعامل الغرب مع الاحتلال الروسي لأجزاء من أراضي أوكرانيا والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، مما شكل عاملا ً محرجا ً للغرب رغم غطرسته هو الآخر وتجاهله لهذه الحقيقة ومحاولته التركيز على روسيا. أما العامل الأمريكي فإن من الواضح أن إدارة الرئيس بايدن بالرغم من التصريحات والوعود البراقة الخالية من المضمون لم تقم بأي خطوة فعلية لإبطال القرارات التي اتخذها ونفذها الرئيس السابق دونالد ترمب وخاصة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية للقدس وإغلاق مقر البعثة الفلسطينية في واشنطن وغير ذلك. وهذه السياسة الأمريكية العاجزة عن الفعل المقتصرة على الكلام تُشجع إسرائيل على المضي في سياساتها وممارساتها ضد الشعب الفلسطيني. وأما العامل الرسمي الفلسطيني وهو في رأيي العامل الأهم، فإنه يتمثل في انهيار البنية التحتية للكيان الذي كنا نعتقد بأنه سيكون بمثابة “الدولة على الطريق” ومأسسة الحكم الفردي المطلق ووضع الشأن الوطني السياسي في حضن الأجهزة الأمنية والتغييب التام لمؤسسات منظمة التحرير التي تم اختزالها وتكريس الانقسام بين الضفة وقطاع غزة. وهذا المنهج خلق حالة فراغ سياسي ونضالي تحاول حماس القفز عليه وملئه في الضفة بعد أن ظنت أن الأمر استتب لها في القطاع. ان استمرار تغييب منظمة التحرير الفلسطينية واستمرار تغييب الشرعية الوطنية من خلال منع اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية واستمرار الدمج بين السلطات الثلاث وصهرها في سلطة واحدة هي السلطة التنفيذية التي يقف على رأسها السيد الرئيس بحكم صلاحياته، قد آل بنا الى حالة من الضياع وفقدان الصلة بين الشعب والمؤسسة الحاكمة اللهم سوى فئة قليلة لا تربطها بالمؤسسة الحاكمة سوى صلة الراتب. لا أعتقد أن بشرا ً أيا كان يستطيع أن يتحمل الأعباء والمسؤوليات والضغط النفسي الذي يتحمله الرئيس عباس ولا أحد يستطيع أن يفهم لماذا يستمر النهج الحالي الذي لو تحول الى المسار الديمقراطي والمشاركة في الرأي واتخاذ القرار والعمل المؤسساتي لخفف الضغوط والمسؤوليات عن الرئيس ولأعاد بناء جسور الثقة بين الشعب وقيادته. ولا شك بأن استمرار النهج الحالي سيؤدي في مرحلة قادمة الى محاولة حماس القيام بالمزيد من الأنشطة المسلحة والتظاهرية في القدس والضفة لإثبات عجز السلطة المحسوبة على حركة فتح، وعندها ربما تجد السلطة نفسها أما حماس وأمام فتح التي لن تترك الساحة مفتوحة أمام حماس لوحدها، فالحركة كانت وستبقى رأس الحربة في معركة التحرر الوطني ولن تقبل عناصرها أن تتخلى بسهولة عن دورها النضالي وتجيير النضال لغيرها. وفي مواجهة التطرف والغطرسة الإسرائيلية وفي مواجهة محاولات حماس تصدر المشهد السياسي والنضالي فإن القيادة المحسوبة على حركة فتح تقف أمام التحدي أن تكون أو أن لا تكون.
مشاركة :