(وسائط متعددة) تحقيق إخباري: حرف يدوية تراثية تزدهر وتعود للواجهة في سوريا بسبب الأزمة الاقتصادية

  • 5/2/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في الصورة الملتقطة يوم 10 نوفمبر 2021، صانع سيوف يعمل في ورشته في العاصمة السورية دمشق. تعد صناعة السيوف والخناجر حرفة قديمة في سوريا. (شينخوا) حلب ـ سوريا 2 مايو 2022 (شينخوا) بسبب الأزمة الاقتصادية التي عصفت في سوريا خلال سنوات الحرب الماضية، كادت بعض المهن اليدوية مهددة بالانقراض، إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السوريون حاليا ساهمت بكتابة الحياة لها من جديد، وعادت إلى الواجهة، بل وازدهرت أكثر مما كانت عليه قبل نشوب الأزمة في العام 2011، لأن الناس لم تعد تمتلك قوة شرائية لشراء الجديد منها لارتفاع سعرها وندرتها أحيانا. وقبل اندلاع الحرب في سوريا العام 2011، كانت أعمال إصلاح السجاد أو ما يعرف بـ"رتي السجاد " أو تبيض الأدوات النحاسية تدور إلى حد كبير حول إصلاح السجاد اليدوي القديم جدا والمكلف، أو إعادة الحياة لبعض الأواني النحاسية التي تحمل ارثا تاريخا معينا، وتلك الأشياء كانت تعتبر تراثًا أو كنوزا فنية نظرا لقيمتها التاريخية. وصناعو السجاد اليدوي كانوا يتفننون بتقديم أعمال متميزة، كما الفنانين التشكيليين الذين يرسمون أعمالا فنية جميلة، وكانت تلك الأعمال تلفت الانتباه، ولكن مع مرور الوقت، ونشوب الحرب باتت صناعة السجاد اليدوي نادرة، وبات صعبا على الناس شراء هذا النوع من السجادة لغلاء ثمنه. وعمر الرواس ، رجل يبلغ من العمر 44 عاما، ورث هذا المهنة عن أسلافه، ويتمتع بموهبة فنية كبيرة والتزام حيث يجلس في ساحة ورشته الكائنة في أحد أسواق مدينة حلب (شمال سوريا) ويقوم بربط عقدة تلو الأخرى من خيوط منسوجة من الصوف والحرير نسجها أناس بارعون قبل عشرات السنين. ويفتخر الرواس، المحاطً بعدد لا يحصى من السجاد القديم، بمهنة إصلاح القطع الفنية القديمة، فهو يُظهر معرفة رائعة بأنواع مختلفة من السجاد من أجزاء مختلفة من العالم، مثل السجاد الإيراني الشهير القادم من مشهد وتبريز وأراك وأصفهان وكاشان وكرمان وغيرها. ويصف الرواس عمله بأنه يشبه عمل الفنانين الذين يقومون بإصلاح اللوحات الفنية القديمة، ورأى أن عمل "الرتي" قد تستغرق شهورا لإنهاء إصلاح التلف في السجاد اليدوي القديم اعتمادًا على الحجم ومدى تعقيد العقد وكذلك مطابقة تركيبة اللون الصحيحة. يحتل السجاد اليدوي الفاخر مكانة عالية في سوريا ويعتبر تراثا لأنه ينتقل من جيل إلى آخر ولهذا ظهرت مهنة إصلاحه لحماية مثل هذه الأشياء القيمة. كان نساجو السجاد في سوريا يصلحون فقط هذه الأنواع من السجاد، والتي قطعت شوطًا طويلاً منذ الأيام التي كان يتم فيها تصميم السجاد يدويًا على عكس السجاد المصنوع آليًا اليوم، وهو أرخص إلى حد كبير ولغرض وضعه على الأرض فقط في فصل الشتاء البارد لاضفاء نوع من الدفء. في الصورة الملتقطة يوم 22 يونيو 2019، حرفي سوري يدعى زكريا قرقوش يصنع أواني فخارية في ورشته بمدينة حمص وسط سوريا، حيث تمكن قرقوش من الفرار مع عائلته إبان اندلاع الحرب في حلب قبل سنوات، وتمكن من الوصول مع حرفته التي ورثها عن أجداده، إلى محافظة حمص (وسط سوريا) ليستقر بها سنوات طويلة وتصبح موطنه الثاني. (شينخوا) لكن بما أن الأزمة السورية التي اندلعت، قد أثرت على جميع مناحي الحياة في سوريا، لا سيما الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن سنوات الحرب الطويلة والعقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة على سوريا، فإن النساجين البساطين، الذين انخفض عددهم بشكل كبير خلال الحرب، إلا أن الناس حاليا تقوم بإصلاح أي سجادة لأنهم لا يستطيعون شراء سجادة جديدة. وأشار الرواس إلى أن مهنة اصلاح السجاد "الرتي" يتم توارثها من الآباء والأجداد، ويتم توريثها للأبناء وهكذا، لأنها مهنة باتت نادرة، ومزدهرة في ذات الوقت، هذه الأوقات بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الناس. وقال الرواس لوكالة أنباء (شينخوا) "وسط الارتفاع الحاد في الأسعار، بدأ الناس في إصلاح السجاد الذي لا يقومون بإصلاحه في العادة، قبل نشوب الأزمة، وخاصة تلك المصنوعة بواسطة الآلات ولكن بعد تردي الوضع الاقتصادي، أقوم حاليا بإصلاح السجاد المصنوع آليًا". يأسف الرواس حقيقة لأنه الآن يقوم بإصلاح السجاد المصنوع آليًا، متذكرًا الأيام الخوالي عندما كان يتلقى سجادا قيما من خارج البلاد لإصلاح أو نسج السجاد اليدوي الذي كان سيشتريه السائحون الذين اعتادوا على المجيء إلى سوريا عموما وحلب خصوصا، لكونه يشكل تراثا سوريا قديما وعريقا. وقال الرجل الأربعيني "قبل الحرب، كان لدينا سياحة وسياح يأتون كمجموعات أو حتى مغتربين سوريين يأخذون الهدايا من حلب لأصدقائهم في الخارج، وكان لدينا عمل جيد، الآن تضاءل العمل بشكل كبير". حتى أن الرجل كان يخشى أنه على الرغم من قيام الكثير من الناس بإصلاح سجادهم هذه الأيام وسط عدم القدرة على شراء سجاد جديد، فإن هذه المهنة تتجه نحو الانقراض لأن جيل الشباب في البلاد غير مهتم بمثل هذه المهن التراثية القديمة، مبينا أن هذا الفن اليدوي الجميل يتطلب الصبر والمهارات العالية. وقال إن "هذه المهنة تتجه بالتأكيد نحو الانقراض لأنه لم يبق أحد يعتني بها لأن جيلنا الشاب لم يعد مهتمًا بالحرف اليدوية التقليدية القديمة"، مؤكدا أن العمل اليدوي يحتاج إلى إتقان المهارات أولاً ثم يأتي المال. وأشار إلى إنه يعمل على نقل مهاراته وشغفه بهذه المهنة إلى أبنائه، قائلا إنه بمجرد أن يحبها أطفاله، سيكونون متحمسين لمواصلة هذا الإرث. وقال "أشعر بالحزن لأنني بذلت الكثير من الجهد في الاستمرار في المحافظة على إرث أجدادي، ولكن إذا رفض أطفالي تعلم ذلك، سأكون حزينا لأن كل شيء سيضيع سدى". وتابع يقول "لكنني أحاول أن أضع حب هذه المهنة في قلب ابني لمعرفة قيمتها لأنه عندما يحبها سيعرف قيمتها الحقيقية". ومع ذلك، ما تزال لدى الرواس آمال بعودة السياحة إلى طبيعتها في سوريا بيوم من الأيام، ويعود الطلب على شراء السجاد اليدوي، وتنتعش هذه الحرفة ويعاد لها ألقاها الماضي. وقال "لدي آمال كبيرة في أنه إذا عادت السياحة إلى سوريا، فإن عملي سوف يزدهر لأن الناس يحبون رؤية المصنوعات اليدوية في حلب وسوريا". وعلى بعد أمتار من محل الشاب الأربعيني الرواس، تسمع أصوات طرق المطارق على اوعية نحاسية أو صوت حفيف يشبه حفيف أوراق الشجر، لتجد أن رجلا خمسيني يجلس حاملا بيده مطرقة صغيرة، ويقوم بالطرق على وعاء نحاسي متوسط الحجم بغية إصلاحه وتبييض الصدأ الذي اعتلاه بسبب الظروف الجوية وعوامل الزمن. وقال إياد المبيض (56 عاما) لـ(شينخوا)، الذي اكتسب كنيته من عمله، "اكتسبت هذه المهنة من والدي والذي اخذها بدوره عن جدي"، مؤكدا أن هذه مهنة المبيض أو تبيض الأواني النحاسية كانت مهددة بالانقراض ، إلا أن الظروف الاقتصادية الحالية التي يعيشها السوريين ، ساهمت بإعادة هذه المهنة للحياة ، لأن النحاس اصبح غال الثمن ، وأغلب العوائل بحلب تمتلك أواني نحاسية هي تراث من الأجداد. وأشار المبيض إلى أن النحاس له تاريخ قديم، ونعمل حاليا على إصلاحه وتبيضه ليكون جاهز للاستخدام، مبينا أن الكثير من العوائل عادت لاستخدام الأواني النحاسية، لعدم قدرتها على شراء الأواني الجديدة. وبدوره، أكد نورس محمد، عضو الجمعية الحرفية للمهن اليدوية في سوريا إن المهن اليدوية القديمة يجب ان تبقى موجودة ، لأنها تمثل ذاكرة تراثية لسوريا. وقال محمد لوكالة (شينخوا) إن "هناك مهنا يدويا ازدهرت خلال الازمة السورية، وعادت للواجهة بقوة ، ومنها مهنة إصلاح السجاد ، وتبييض الأواني النحاسية، وترميم اللوحات الفنية القديمة التي كانت موجودة في البيوت والتي تضررت بفعل الحرب"، معربا عن سعادته بعودة تلك المهن إلى الحياة من جديد. وأوضح أن الجمعية الحرفية تقوم بتوثيق المهن اليدوية المهددة بالانقراض، وتعمل على تقديم كل ما يلزم لها لتبقى موجودة.■

مشاركة :