حين فتحت الأسواق بعد الإغلاق، تبيَّن لي وكأننا قد نفضنا غبار حرب ضروس أصابت أسواقنا بالدمار النسبي، إذ تفاجأت من إغلاق عدد من المحلات والأسواق والمقاهي وبعض المشاريع التي كانت قبل أن يحل علينا الوباء نشطة ومزدهرة، بل بعضها فروع لشركات عالمية، اختفت من السوق بين عشية وضحاها. من هنا يجب إدراك الأخطاء التي يقع فيها أصحاب المشاريع، سواء الصغيرة أو متناهية الصغر، وحتى نعرف تلك الأخطاء دعونا أولا نعُد متسلحين بعلم الاجتماع إلى مرتكزات اجتماعية وبيئية ومحلية ساهمت كثيرًا في جعل أصحاب المشاريع المحلية يعانون من فشل مشاريعهم، بينما تنجح فيها قوميات أجنبية وعربية أخرى في أسواقنا المحلية، إنهم يتسيدون أسواقا وقطاعات رابحة كتجارة التجزئة والمالية والمفروشات والسجاد والذهب والعقارات والخدمات والمطاعم والضيافة، واليوم الطب الخاص وطب التجميل والأسنان من صيدليات وعيادات، لو نلاحظ أغلب مشاريع هذه القطاعات هي في أياد أجنبية وهي ناجحة جدًا ومربحة، مما يؤدي إلى زيادة نسبة التحويلات المالية إلى خارج البلد.مشاريعنا الصغيرة ومتناهية الصغر هي كالحجر الصغير الذي يتراكم فيصبح جبلا، فيعتمد عليها اقتصاد الدولة، ولكن ليس كل مشروع ناجح أو مثمر يكون حجرا صلدا يتكل عليه، وهذا الأمر ينعكس على عناصر المشروع أولها صاحبه ومن ثم نوعه والقطاع والسوق الذي ينتمي له، ومن ثم القيمة التي يضيفها للقطاع.ولنأتي لمكامن المشكلة، نحن شعوب لا تحب تحمل المسؤولية لذا نعيش في كنف أهالينا دواليك، وعليه نحن نعتمد على حكوماتنا الغنية في تأمين احتياجاتنا، لذا أي مشكلة في المعيشة وكلفتها نسقطها عليها، ليس خطأ أن تتحمَّل حكوماتنا هذه المسؤوليات، فهذه مهمتها الأولى، ولكن الخطأ أننا نعتمد ونعول عليها دون الخوض في مغامرات وتحمّل مسؤوليات كبيرة ما يجعلنا نهاب أي مغامرة ويكون حمل المسؤولية علينا أشبه بمخاطرة قابلة للفشل، أغلب الأفراد يترددون ألف مرة قبل أن يتخذوا خطوة تأسيس مشروعهم الخاص الذي سيضعون فيه عصارة جهدهم، سواء من ادخار مالي أو مديونية، لذا هذا الأمر غير قابل للفشل ولا بد أن ينجح، ومحاولة النجاح التي يثبتها لنفسه تأتي من تطلعه لقمة الهرم بدل صعوده درجة إثر أخرى، فتأتي دراسة الجدوى بلا جدوى فهو يضع الأولوية لأمور هامشية كاختيار الشعار والديكور والمكان ليراهن على النجاح بهذا النوع من التفكير ويضيع رأس ماله عليها، بينما هناك مرتكزات يجب الأخذ بها في دراسة جدوى أي مشروع أهمها هو المنتج ذاته، يجب أن يكون صاحب المشروع شغوفًا بمنتجه قبل مشروعه فهو مقياس نجاحه، ليكون المنتج مبتكرا ومطلوبا في السوق، ومن ثم يختار مكانا تحتدم فيه المنافسة فهذا وقت المغامرة والمسؤولية، ولا يفكر في ربح لمدة سنتين إلى ثلاث سنين، ويكون هو ذاته ميزانا لمنتج جيد وسعر مناسب يقدم للجميع. ثم بعد عامين يعيد تقييم التجربة عمليا ويضع خطة أخرى وفقًا لواقع عمله ويصحح أخطاءه، لا بد أن يكون صبورًا ويتعلم من تجاربه ويبعد الجشع ومحاولة التكسب عنه، فالهدف هو الاستمرار وليس معدل الربح، ويجب أن يدرك أن لكل مشروع مخاطرة يجب أن يستعد لها ويتحمّل مسؤوليتها كاملة.@hana_maki
مشاركة :