دور المالية العامة في التعامل مع آثار الجائحة «1 من 2»

  • 5/4/2022
  • 23:25
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تضطلع المؤسسات المالية بدور حيوي في كل بلد، لكنه حيوي بصفة خاصة في الدول كثيفة الاعتماد على الموارد الطبيعية. وتكتسب هذه المؤسسات أهمية خاصة في أوقات تفشي الجوائح. فلنبحث معا عن السبب. وسط استجابات الدول المنفردة لجائحة كوفيد - 19 كان تنوع أطر سياسة المالية العامة فيها عنصرا مميزا لها. فالدول الأغنى، أو تلك التي انتهجت سلوكا مسؤولا على صعيد المالية العامة في الأعوام السابقة على ظهور الفيروس كانت أقدر على تعزيز نظمها الصحية وإجراء التحويلات وتقديم الدعم والضمانات من المالية العامة. وأتاح ذلك تعافيها من الصدمة بوتيرة أسرع من غيرها. وكانت للاستجابات المالية الجريئة في مواجهة الجائحة آثار إيجابية على أسواق الأسهم والعملات والإنتاج الصناعي والوظائف والثقة وعلاوات المخاطر السيادية في الدول التي نفذتها. وهناك كذلك من الأدلة ما يشير إلى أن آثارها كانت أكبر في الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات ذات مستويات الدين العام الأقل. وتمكن معظم الدول التي كانت تمتلك حيزا ماليا أو صناديق ثروة سيادية من استخدامها في التعامل مع الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجائحة. وعلى العكس من ذلك لم تكن أمام أفقر الدول في إفريقيا والأمريكتين وآسيا سوى مساحة محدودة للاستجابة بزيادة النفقات أو التخلي عن إيرادات تقل نسبتها عن 2.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وبالتالي ستحتاج هذه الدول إلى أعوام كي تتعافى من الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، مع ما لها من آثار سلبية ملموسة على الناتج وتوزيع الدخل. ويعكس الفرق في كثير من الحالات وجود إطار مؤسسي السياسة المالية العامة من عدمه. وتمكنت تشيلي التي تحتل المرتبة الـ 43 بين أكبر اقتصادات العالم وتمتلك إطارا سليما لسياسة المالية العامة من التصدي للجائحة تقريبا بالقدر نفسه من استجابة بعض أغنى دول العالم، ألمانيا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، من خلال زيادة النفقات أو التخلي عن إيرادات بما يزيد على 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. كيف أمكن ذلك؟ ببساطة شديدة، في غياب إطار مؤسسي لسياسة المالية العامة، يكون الإنفاق الحكومي محكوما بمقدار الموارد العامة المتاحة في عام معين، انعكاسا للإيرادات الضريبية بصفة أساسية، وبقدرة محدودة على الاقتراض. وتكمن مشكلة هذه الآلية في أن إيرادات المالية العامة غالبا ما تكون مسايرة للاتجاهات الدورية، مع سياسة إنفاق تمولها الإيرادات الجارية وائتمان محدود يؤدي فقط إلى تفاقم، وليس تخفيف آثار الدورة الاقتصادية. ويولد هذا الأمر آثارا اقتصادية كلية سلبية تؤدي إلى تقلب المتغيرات الرئيسة مثل سعر الصرف والتضخم وأسعار الفائدة، مع ما له من تداعيات على الاستثمار والنمو الاقتصادي والوظائف، كما يجلب مخاطر على استدامة التمويل اللازم على المدى البعيد لسياسات أطول أمدا مثل الصحة العامة والتعليم والإسكان ومعاشات التقاعد. وتزداد هذه المشكلة في دول مثل تشيلي، كثيفة الاعتماد على الموارد الطبيعية، حيث تشكل صادراتها من السلع الأولية عادة ما يزيد على 60 في المائة، وفي بعض الحالات ما يزيد على 90 في المائة، من مجموع الصادرات. وفي مثل هذه الحالات، لا تعتمد إيرادات المالية العامة على إجمالي الناتج المحلي فحسب، وإنما تتوقف كذلك على أسعار السلع التي ينتجها البلد المعني ويصدرها. ويتعين إعطاء أهمية أكبر في هذه الاقتصادات لتأسيس إطار مؤسسي يسترشد به في اتخاذ قرارات سياسة المالية العامة. وينبغي أن يتألف هذا الإطار من ثلاثة عناصر على أقل تقدير: قاعدة مالية ذات منظور متوسط إلى طويل الأجل، وصناديق ثروة سيادية ومؤسسة مستقلة ترتكز عليها المالية العامة كمجلس مالي استشاري ... يتبع.

مشاركة :