تحاول الإدارة الأميركية احتواء الفتور الذي تسرب للعلاقات مع المملكة العربية السعودية، لكن جهودها إلى حد الآن لا تلقى الاستجابة الكافية، حيث لا تريد الرياض أقوالا لا تقترن بأفعال على الأرض. وكشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية الأربعاء أن مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز قام الشهر الماضي بزيارة غير معلنة إلى السعودية، حيث التقى بولي العهد الأمير محمد بن سلمان في سياق مسعى جديد لإصلاح العلاقات. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين وسعوديين لم تكشف أسماءهم، قولهم إن الزيارة جرت في منتصف أبريل الماضي في مدينة جدة الساحلية، دون الحديث عن فحوى اللقاء الذي جمع الأمير محمد ببيرنز. المحادثات ركزت على المصادر الأخيرة للتوتر الأميركي - السعودي والتي تشمل إنتاج النفط والاتفاق النووي وحرب اليمن وقالت الصحيفة إن تفاصيل ما ناقشه الرجلان لم تكن متاحة، لكنها رجحت أن تكون المحادثات ركزت “على المصادر الأخيرة للتوتر الأميركي - السعودي والتي تشمل إنتاج النفط والغزو الروسي لأوكرانيا والاتفاق النووي الإيراني والحرب في اليمن”. وتمر العلاقات بين واشنطن والرياض بفترة حرجة، جراء رفض الأخيرة صراحة الاستجابة لطلب إدارة جو بايدن زيادة إنتاج النفط، لضبط الأسعار المرتفعة في الأسواق العالمية نتيجة الأزمة الأوكرانية، وأيضا لقطع إيرادت نفطية مهمة تغذي الحرب الروسية. وتتمسك السعودية بسياسة الحياد في أزمة أوكرانيا، وترفض الزج بمنظمة “أوبك” في صراعات سياسية، وترى أوساط سياسية أن الموقف السعودي هو بمثابة رد على سياسات إدارة بايدن منذ وصولها إلى البيت الأبيض. وأظهر الرئيس الأميركي منذ حملته الانتخابية وحتى فوزه بالرئاسة مواقف عدائية تجاه المملكة، حيث صرح خلال حملته بأنه سيعمل على جعل المملكة دولة “منبوذة”، واتخذ بايدن منذ الأشهر الأولى لولايته إجراءات مستفزة للرياض من قبيل سحب المتمردين الحوثيين الموالين لإيران من قائمة الإرهاب، ورفض التحرك واتخاذ أي قرار عملي ضد استهدافهم المتكرر لأراضي المملكة. بالتوازي مع ذلك حرص بايدن على العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، رافضا تقديم أي التزامات حقيقية بشأن هواجس دول المنطقة وخصوص السعودية بشأن نشاطات طهران ودعمها للجماعات المتطرفة. ويقول المسؤولون السعوديون ومن بينهم رئيس الاستخبارات السابق تركي الفيصل إنه من الطبيعي أن يشعروا بخيبة أمل حيال الذخلان الأميركي لبلادهم. ويرى المسؤولون في الرياض أن مجرد زيارة مسؤول أميركي، لترطيب الأجواء تبقى خطوة غير كافية، فالسعودية اليوم ليست ذاتها قبل أعوام، وهي تريد علاقة ندية قائمة على المنفعة المتبادلة، وتستند على الشراكة الاستراتيجية بمعناها الحرفي وليس مجرد تصريحات لا تتطابق وأرض الواقع. الإدارة الأميركية تحاول احتواء الفتور الذي تسرب للعلاقات مع المملكة العربية السعودية، لكن جهودها إلى حد الآن لا تلقى الاستجابة الكافية ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤول أميركي قوله إن المحادثة بين مدير وكالة الاستخبارات المركزية وولي العهد السعودي كانت في عمومها جيدة، وأجريت بلهجة أفضل من المحادثات السابقة. وزار العديد من المسؤولين الأميركيين المملكة خلال الأشهر الماضية في محاولة لاحتواء التململ السعودي. ومع ذلك، وفي ظل معارضة بايدن لأي تنازلات واسعة النطاق للسعوديين، اعترف المسؤولون بإحراز تقدم متواضع فقط. ورفضت متحدثة باسم وكالة الاستخبارات المركزية التعليق للصحيفة على المعلومات حول رحلة بيرنز. ويرى مراقبون أنه وبعد مرور أكثر من أسبوعين على زيارة المسؤول الأميركي فإنه يمكن القول إن حصيلة هذه الزيارة تبدو مخيبة للآمال، وأنه لا تقدم حقيقيا على صعيد احتواء الفتور بين الجانبين. ويعد مدير المخابرات الأميركية، وهو أيضا نائب سابق لوزير الخارجية، أحد أبرز المسؤولين الأميركيين العارفين بخبايا المنطقة، حيث سبق وأن تقلد مناصب في الشرق الأوسط، وقد درس العربية. وخلال إدارة باراك أوباما، ساعد بيرنز في قيادة محادثات سرية مع إيران أدت إلى اتفاق متعدد الدول في عام 2015 للحد من تطوير طهران النووي مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية.
مشاركة :