التعداد السكاني الخامس.. تطلعات وطن لمستقبل واعد

  • 5/5/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

التطور سنَّة الحياة وبناء الدول المتقدِّمة يقوم على أسس متينة من النظرة المستقبلية الواعدة والخطط والبرامج والإستراتيجيات المرتكزة على قواعد من البيانات والمعلومات الصحيحة والإحصاءات الدقيقة والشاملة لكل مناحي الحياة، أقول ذلك وأنا استحضر موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله - لهيئة الإحصاءات العامة على إجراء التعداد الخامس للسكان والمساكن بالمملكة العربية السعودية لهذا العام والتي تأتي في ظل عالم متغيّر لتؤكّد مجدداً على أهمية المعلومة الإحصائية كأداة مهمة لقياس كثافة السكان ومستوى التقدم في المجالات المختلفة، ورسم السياسات العامة واستقراء المتغيرات المستقبلية والتنبؤ بالاحتياجات وتحديد المشكلات ومن ثم وضع الأهداف والخطط بعيدة المدى وقصيرة المدى وصولاً لاتخاذ القرارات السليمة لتحقيق التنمية المستدامة ورفاهية الشعب، وليكون التعداد الجديد 2022 أحد الممكنات الداعمة والقوية لتحقيق معطيات رؤية المملكة 2030 . ومع تحديد ليلة الإسناد الزمني للتعداد مساء يوم الاثنين 8 شوال 1443هـ - 9 مايو 2022م فإننا نستحضر من وعي الذاكرة بعض ملامح المجتمع السعودي في بداياته الأولى وتفاعله مع مشاريع الأعمال الإحصائية التي لم يكن يعهدها من قبل ولم يسبقها توعية كاملة بين من كان يقف من المواطنين بخوف وتوجس من هذا الزائر الغريب (موظف التعداد) الذي يطرق أبوابهم ويستقطع جزءاً من أوقاتهم ويغوص في الأسئلة عن خصوصياتهم ومعلوماتهم الشخصية مما يدفعهم للإدلاء بمعلومات ربما تكون غير دقيقة أو مبالغاً فيها، وبين ما كان يلقاه (موظف التعداد) من البعض من ترحاب وكرم حاتمي أصيل وتقديم الماء والقهوة والشاي له أو استضافته في وجبة الغداء أو العشاء وما يجده من تفهم لدوره وتجاوب منقطع النظير نابع من ثقة المواطن في قيادته وحكومته الرشيدة التي لا يصدر عنها إلا ما فيه الخير للمواطن ورفعة المجتمع، ناهيك عمَّا صاحب تلك البدايات من مواقف ومفارقات طريفة ومواقف محرجة قد لا يتسع المجال لسردها إلا أن الكثير من المواطنين كانوا يربطون نتائج هذه الأعمال الإحصائية وبشفافية تامة وثقة مطلقة في القيادة الرشيدة في أنها تأتي كمقدمة لصرف إعانات مالية مقطوعة أو زيادة في الرواتب أو أنها تأتي لحل مشكلة العنوسة وغلاء المهور ... إلخ. وكانت الدولة ممثلةً في مصلحة الإحصاءات العامة التابعة في ذلك الوقت لوزارة المالية تبذل الكثير من الجهود والاستعدادات الكبيرة لإنجاح مشروع التعداد، ففي سبيل ذلك ومع أول إحصاء عام 1394هـ وبتعليمات من وزارة الداخلية اختصرت دوام الموظفين في القطاعات الحكومية والقطاع الخاص لساعات في يوم الإسناد وكانت تطالب المواطنين بالبقاء في منازلهم لاستقبال موظفي التعداد، كما تم تأخير التنقّل بين المدن وإيقاف رحلات القطار في ذلك اليوم وألزمت الذين لا يوجدون في ليلة الإسناد لظروفهم الخاصة بسبب دواعي السفر أوغيرها لإبلاغ أقرب مركز إحصائي في مدينتهم بمعلوماتهم الإحصائية المطلوبة عند عودتهم وزوال ما منعهم من ذلك، بل إن طائرات الهيلوكوبتر شاركت في أعمال التعداد لعام 1394هـ لتجمعات البادية في منطقة الربع الخالي والنفود الكبير، فيما واجه موظفو التعداد في القرى والهجر صعوبة كبيرة في ترقيم الدور المبنية من الحجر والمتشابكة مع بعضها البعض بطرقاتها الضيقة والمتعرجة ولم يجدوا أمامهم إلا ترقيمها بالبويات على الأبواب ووضع بعض اللافتات الخشبية للاهتداء بها لتلك الدور في مداخل ومخارج هذه الطرقات استعداداً لليلة الإسناد. وقد صوَّر لنا الشاعر الشعبي الراحل عبدالله سعود الصقري الأسعدي -رحمه الله - وقبل ما يقارب خمسين عاماً وفي باب التوعية المجتمعية بأهمية هذا المشروع ونتائجه الكبيرة التي ستنعكس على المواطنين فقال في قصيدة له بهذا الغرض: الواجب الصادر بمرسوم وخطاب بأمر الزعيم أهلاً هلا مرحبا به مضمونه (الإحصاء) مع الضبط بحساب الشعب شيبانه وكامل شبابه الدولة اللي بالقلم تحصي الانجاب بالشعب مهتمة وتضرب حسابه الدولة اللي سهلت كل الاسباب للشعب تسعى بالرخاء والهنا به بالعلم والتعليم تفتح له الباب مهما تطلب رغبته وانتسابه الدولة اللي تنشر العلم وأداب بالشعب كله تدفعه للنجابه ومنذ انطلاق المرحلة الأولى التمهيدية لأعمال الإحصاءات العامة بالمملكة وما سبقها ومنذ عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله - الذي وضع الأسس والركائز التنظيمية لعملية الإحصاءات بصدور نظام إحصاء النفوس وتنفيذ أول محاولة لإحصاء السكان في بعض مدن المملكة عام 1351هـ - 1932م، وبعد صدور نظام التعداد العام للسكان عام 1391هـ -1971م والشروع في تنفيذ أول خطة للتنمية في المملكة انطلقت مراحل التعداد للسكان والمساكن في المملكة وبخطة منهجية وكان أول تعداد وإحصاء سكاني شامل يتم تنفيذه بالمملكة العربية السعودية وفق النظم الحديثة المنهجية وكما جاء في بيانات هيئة الإحصاءات العامة فقد نفذ في عام 1394هـ -1974م وبلغ عدد السكان آنذاك (7009466) نسمة، ثم نفذ التعداد الثاني عام 1413هـ - 1992م وبلغ تعداد السكان (16948031) نسمة، وجاء التعداد الثالث عام 1425هـ - 2004م ووصل تعداد السكان إلى (22678262) نسمة، كما بلغ تعداد السكان الرابع عام 1431هـ - 2010 إلى (27136977) نسمة، وبلغ تعداد السكان وفق آخر مسح نفذ عام 1438هـ 2017م إلى (31742308)، ووصوله إلى (35013414) نسمة في المسح الذي أجري في منتصف عام 2020م منهم (12) مليون أجنبي. ومع تلك الصور القابعة في الذهن عن تلك الباديات الأولى والوسائل التقليدية المتبعة بها والمتمثلة في كراريس الإحصاءات والمشرفين ومراقبي الإحصاء الرسمي وما يتبعهم من جيوش المتعاونين الذين كان يتم اختيار أغلبهم من المدرسين بعد أن يتم تدريبهم على كيفية تعبئة الكراسات الإحصائية وتوزيعهم في المناطق والمدن والهجر المخصصة لهم والاستفادة من المباني المدرسية كمواقع عمل ونقاط توزيع ومتابعة لموظفي الإحصاء وتفريغ ورصد للمعلومات أولاً بأول، وقياساً بما وصلت إليه اليوم هيئة الإحصاءات العامة من رقي وتطور وتأقلم مع ما أسفرت عنه الطفرات التكنولوجية وأجيال المعلومات والبيانات الضخمة فلعل زيارة خاطفة لموقع الهيئة الإلكتروني اليوم وما يوفره من معلومات وإحصاءات وأرقام قياسية للسلع والخدمات وحركة التجارة الدولية والأرقام القياسية لأسعار العقارات وأسعار الجملة وإحصاءات الحج والعمرة ومؤشرات البطالة والإنتاج الصناعي والناتج المحلي حتماً سيلمس مدى الفرق الشاسع والنقلة النوعية التي ستقوم بها الهيئة في جمع البيانات الإحصائية في تعدادها الخامس لعام 2022م والتي ستكون وفق أفضل المعايير والمواصفات واتباع طريقة العد الذاتي الرقمي ومن خلال استمارات رقمية على الإنترنت دون زيارة الباحث والاستعانة بآلية تحديد المساكن المأهولة بواسطة الأقمار الصناعية، وسيقوم على تنفيذها والإشراف عليها أكثر من (40) ألف باحث وبمشاركة (25) جهة حكومية وسيمكن ذلك من تسجيل المسوحات بدقة متناهية وجودة عالية مع توفير للوقت والجهد والكلفة وضمان عامل السرعة في تحليل البيانات وتدقيقها والوصول لإظهار النتائج في وقت قياسي مقارنة بالمراحل السابقة. وختاماً وإزاء هذا الحدث المرتقب في مرحلته المهمة فما هو دور مراقب التعداد ومنهجه وكيفية تعامله مع إخوانه المواطنين وبياناتهم؟ والتي أجاب عنها الشاعر سليمان الشدوي عندما قال: يا أيها العداد كن ذا همة الأمر حسم ليس فيه حيثما وإذا رأيت من المواطن جفوة أقبل عليه مهللاً متبسما شغالة أو سائق أو حارس تعدادهم قد بات أمراً ملزما وإذا لقيت بخط سيرك عشة أو خيمة فيها العمود مرقما فافطن واعرف أن فيها آسرة تست وفي التعداد فيها مرغما لا تسأل الفلاح عن إيميله فذاك ضرب من جنون مفحما أسأله عن قوت الصغار ودرسهم وعن المزارع كيف احرقها الظما أسرار خلق الله لا تجهر بها حافظ على اسرارهم وتكتما وبعد أن عرفنا واجبات واهتمامات مراقب التعداد ترى في المقابل ما هو دور المواطن تجاه هذا المشروع الوطني واستكماله على الوجه المطلوب ليؤتي ثماره يانعة كاملة بالتأكيد سيكون الجواب هو التجاوب والتعاون التام من كافة المواطنين والمقيمين والوافدين وأصحاب المنشآت العامة والخاصة مع التعليمات الذي يعد أمر في غاية الأهمية لنجاح هذا المشروع، مع الحرص التام على الإدلاء بالمعلومات الواضحة والصحيحة التي ستتعامل معها الهيئة وكما أعلنت ذلك من قبل بكل سرية وأمانة واحترام للخصوصية والتزامها بعدم الإفصاح عنها بأي شكل من الأشكال، والالتزام بهذا التعاون قولاً وفعلاً كما سبق أن دعا إليه وأوضحه شاعرنا الراحل عبدالله الصقري وفي نفس قصيدته السابقة عندما قال: حق على الشعب الوفي أهل الألباب ينهض مع الدولة ويثبت جنابه ويساعد (الإحصاء) مع الحصر كتاب بالصدق وابراز الحفيظة ذرى به المصلحة للكل للخير جلاب الشعب والدولة و(الإحصاء) مشى به الشعب (بالإحصاء) حضوره وغياب أمن حياته بالرخاء والطبابة مع أصدق الدعوات والأمنيات للقائمين على هذا المشروع الوطني المهم بالتوفيق والسداد وكل تعداد وإحصاء ونحن وأنتم في أطيب وأسعد حال بتقدير وتيسير رب العزة والجلال وبهمة الرجال التي تهز الجبال ولا تعرف المحال.

مشاركة :