تجوب مسرحية “غيّر يا غزيّل” أغلب مناطق البلاد لتوعية اللبنانيين وتذكيرهم بالأوضاع الصعبة التي يعيشونها منذ سنوات وضرورة تحركهم وتكاتفهم من أجل تحقيق التغيير اللازم لانتشالهم من الأمر الواقع الذي يشوبه الفساد وتفرضه عليهم الأحزاب السياسية. والمسرحية مقتبسة عن نص “لا نستطيع أن ندفع… لن ندفع”، للكاتب الإيطالي داريو فو، الذي يعتبر إحدى أيقونات المسرح الاحتجاجي الغاضب، حيث تناولت مسرحياته قضايا العمال والبسطاء والمفقرين، ومنع جرّاء ذلك من دخول بلدان عدة بينها الولايات المتحدة بسبب توجهه الاشتراكي وانتقاداته لواشنطن، كما حورب داخل بلده وخارجها من طرف المتضررين من مسرحه الساخر وانتقاداته اللاذعة، فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1997، وتوفي عام 2016. المسرحية تحكي عن الواقع اللبناني بأوضاعه الاجتماعية و السياسية، مستخدمة نصا فيه الكثير من السخرية يروي النص الأصلي الذي نُشر عام 1974، كيف وصل التضخُّم الاقتصادي حدّا قياسيا في الارتفاع، فينكسر الغضب والتوتر السائد عندما تقود أنطونيا ثورة في السوبرماركت في الحي وتتم سرقة المبنى، ثم تحاول هي وصديقتها ريتا يائستين أن تخبئا “البضاعة المحرّرة” قبل أن يكتشف زوجاهما وكذلك الشرطة ما حدث. والنسخة اللبنانية من المسرحية من تمثيل قاسم إسطنبولي ونورا حسام الدين، وحمزة نضر، ولارا الحاج. وألفت النص المسرحي باللهجة المحلية وأخرجته الأستاذة الجامعية والمصممة جنى الحسن وصار عنوانه “غيّر يا غزيّل”. وعرضت المسرحية على خشبة المسرح الوطني في صور من الثاني إلى غاية الرابع من مايو الحالي، ثم انتقلت للعرض في محافظات لبنانية عدّة، من بينها صيدا والنبطية وبيروت وطرابلس بين الخامس والحادي عشر من مايو الحالي، وذلك بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي في لبنان. وتحكي المسرحية عن الواقع اللبناني بتفاصيله الصغيرة، لتشمل أوضاعه الاجتماعية والبيئية، وحتى السياسية منها، مستخدمة نصا فيه الكثير من السخرية والكوميديا السوداء. وتفتح المسرحية أبوابها أمام جميع الراغبين بمشاهدتها مجانا، وتسلط الضوء على معاناة المواطن اليومية من غلاء الأسعار والواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، الذي وصل إليه لبنان، في ظل الأزمات المتعاقبة وانعكاساتها على حياة المواطنين وأملهم المستمرّ في التغيير، تغيير الطبقة السياسية الحاكمة وخاصة تغيير الأوضاع الاقتصادية. وقال الممثل قاسم إسطنبولي إن “المسرحية المقتبسة عن عمل للكاتب الإيطالي داريو فو تتناول الأزمة الإيطالية في سنوات غابرة. وقد حصد عنها جائزة نوبل لمقاربتها المجتمع الإيطالي، والمشكلات التي عانى منها بسبب مواجهات بين الرأسماليين والعمال. وهذا الوضع يشبه إلى حد كبير الأوضاع الراهنة في لبنان، وقد عملنا على تقريبه من مجتمعنا، فأعددنا له توليفة تناسبه”. النصّ الأصلي لداريو فو “ما فينا ندفع مش حندفع” (لن ندفع.. لن ندفع) نص تُرجم للعشرات من اللغات، فاعتلى المئات من المسارح في العالم، وخاصة تلك التي تعاني من مشكلات شبيهة بالتي يحكي عنها النص الإيطالي، فالأزمات تبدو متشابهة في أغلب الدول والسياسات التي تراكم الديون تتزايد في العالم، ضحيتها الوحيدة الشعب والناس التي تئن دون أن تجد من يصغي إليها. ولبنان واحد من تلك الدول ونموذج عن تلك الأزمات يشكل حالة اقتصادية غير مسبوقة تزداد حدتها يوما تلو الآخر. شعلة أمل للّبنانيين شعلة أمل للّبنانيين ويرى أنه في ظل إجراء الانتخابات النيابية في لبنان في المقررة في الخامس عشر من الشهر الحالي، رغب بتقديم عروض هذه المسرحية، بحيث لا تقتصر على مدينة صور بل تطول مختلف المناطق اللبنانية، وصولا إلى بيروت وطرابلس. وبذلك ستعرض على مسرح إشبيليا في صيدا، وضمن عرضين في سينما أمبير والرابطة الثقافية في طرابلس، إضافة إلى عرض آخر يستضيفه المركز الثقافي الفرنسي في بيروت. ويوضح أن العروض موزعة إلى قسمين، تقدم الأولى منها مع ممثلين محترفين، فيما “العروض المتنقلة تقام بالتعاون مع تلامذتي في فن الأداء المسرحي تحت عنوان (مش رح ندفع)”. وأكدت المخرجة جنى الحسن، أن المسرحية تتطرّق إلى النضال الطبقي، وعلاقة المرأة الذكية والفطنة بزوجها، التي تعترف له بأسبقية كرامته على كل ما عداها. لكنها تعود لتقول له نحن نجوع فكيف تنطق بالعدالة والكرامة؟ إنها مسرحية تدعو إلى التغيير، وتحفز مشاهدها على محاسبة نفسه، لأنه شارك بدوره بشكل أو بآخر في القبول بالأمر الواقع. المسرحية مقتبسة عن نص "لا نستطيع أن ندفع… لن ندفع"، للكاتب الإيطالي داريو فو، الذي يعتبر إحدى أيقونات المسرح الاحتجاجي ويقول إسطنبولي “لقد وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، بسبب أداء الناس أيضا، ومشاكلنا لا تنحصر فقط بالزعماء والسياسيين. وهذا العمل هو بمثابة مرآة تعكس أداء المواطن وتعزز المسؤولية عنده تجاه بلده. كما تتضمن الكثير من الرموز والأبعاد السياسية التي سيفهمها مشاهدها كون المسرح يحاكي الناس بلغة إنسانية في الدرجة الأولى”. ويرى أن المسرحية ومدتها 50 دقيقة، تشبه الواقع اللبناني إلى حد كبير، ونابعة من يوميات المواطن، بعد أن وضعت في قالب مسرحي. تستهل المسرحية بمشهد لمجموعة نساء موجودات في محل كبير “سوبر ماركت”، ويتفاجأن بغلاء الأسعار، فيبدأن بأخذ الأغراض التي يحتجنها ويخبئنها في بطونهن وتحت ملابسهن، فيبدون كالحوامل. وعندما تلحق بهن الشرطة لاعتقالهن تبدأ أحداث مشوقة للمسرحية، تطغى عليها الكوميديا السوداء. والمسرحية مشبعة بالسخرية والتهكم، وفي الوقت نفسه تنقل معاناة مجتمع بأكمله، نتيجة الأوضاع المتردية التي يعيشها. وتهدف “جمعية تيرو للفنون”، المنظمة لهذه المسرحية، التي يقودها الشباب والمتطوعون، إلى إنشاء مساحات ثقافية حرة ومستقلة في لبنان من خلال إعادة تأهيل سينما “الحمرا”، وسينما “ستارز” في النبطية، وسينما “ريفولي” في مدينة صور. وقد تحولت هذه الأخيرة إلى “المسرح الوطني اللبناني” أول مسرح وسينما مجانيين في لبنان. وهذا المسرح يشهد بصورة مستدامة ورش عمل وتدريبات فنية للأطفال والشباب، ويقوم على برمجة العروض السينمائية الفنية والتعليمية لهم، وعلى نسج شبكات تبادلية مع مهرجانات دولية. وتتيح الجمعية الفرص أمام المخرجين الشباب لعرض أفلامهم، وتعريف الجمهور بتاريخ السينما والعروض المحلية والعالمية. ومن المهرجانات التي أسستها: مهرجان “لبنان المسرحي الدولي”، ومهرجان “شوف لبنان” في السينما الجوالة، و”مهرجان لبنان المسرحي الدولي للحكواتي” وغيرها.
مشاركة :