أسوأ ما في الجاهل، ليس كونه يجهل أمور كثيرة، فأكثر المتعلمين علماً، ما يجهلونه أكثر بكثير من الذي يعرفونه. أسوأ ما في الجاهل أنه يجهل مصلحته، ويعمل بسبب هذا الجهل ضدها، ألم تر جحافل الحفاة العراة وهم يحملون سيارات الأباطرة ومستغليهم على ظهورهم، والجاهل عندما يعمل ضد مصلحته يعمل بداية ضد حريته، ويضع الإغلال في معصميه متباهياً، وعندما يفرط بحريته راضياً، يتنازل حتماً عن كرامته، وأية كرامة يمكن أن تكون لمن يتخلى طوعاً عن حقه في إختيار ما يراه مناسباً، حق الإنسان في الإختيار الحر هو ما يميزه عن القطيع، وعندما يرتضي الإنسان أن يكون رقماً في قطيع، يصبح الحديث عن الإنسانية والقيم النبيلة والصواب والعدل والرحمة والإنصاف، ليس سوى كلام مفرغ من معانيه. الجاهل قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة، وفي أي إتجاه، خصوصاً عندما يتسيد دعاة الجهل والتجهيل الساحات كافة، ويمكسون الناس من رقابهم بإسم الأمة، أو الدين، أو الطائفة، أو الجماعة، أو العشيرة، أو الحزب القائد، أو الفكر الخالد، أو باسم الزعيم الملهم الذي لم تلده ولادة. الذين يتربون، أو يقسرون على الطاعة العمياء لا وفاء لهم، ولا ديمومة لطاعتهم. طاعتهم متحولة بإستمرار، حتى من النقيض إلى نقيضه، هم لا يعرفون كيف يعيشون من دون أن يقودهم أحد ما، فإذا لم يجدوا من يتبعونه ويسيرون خلفه، خلقوه، أو أو جدوه، ثم بعد هذا أسبغوا عليه من عندياتهم ما يجعله إله يمشي على قدمين، ويأكل مثلما يأكلون، ويجامع النساء، ثم بعد هذا يفدونه بالروح والدم، ويتمسحون بتراب نعله. عندما يشيع الجهل بين الناس، تصبح الديمقراطية وبالاً، لأنها تأتي بالمصائب، ليست الديمقراطية صندوق إنتخاب، وإنما هي نظام يتوسل وسيلة الإنتخاب العام والمباشر لأختيار الأفضل والأحسن، الذي يحوز على رضا الناس، وهو نظام ملزم بحماية المنتخب من الخديعة والطائفية، والتعصب، والعنصرية، وكل ما يثير الكراهية. نظام يحول دون أن يكون الفاسدون والمجرمون، والقتلة، وخونة الأوطان هم المتبارون الوحيدون على أصوات الناخبين. كيف تصبح الديمقراطية وبالاً، وهل ثمة طريق آخر غيرها؟ لا طريق مجرب غير الديمقراطية، لا جدال في هذا، ولكن الديمقراطية التي تعني حرية الأختيار، لا الأختيار عن طريق الأمر المنزل من القائد الضرورة أو الحزب، أو شيخ القبيلة، أو فتوى الفقيه، أو الحاجة التي تجبر المرء على بيع صوته. عندما يختار المواطن ممثليه المعبرين عن مصالحه كما يرى هو هذه المصالح، وبناء على برامج يسعى المرشحون لتوضيحها، بحيث يتمكن من تحديد مصالحه بسهولة، من دون تغليف هذه الأمور بقضايا لا علاقة لها بالقضايا التي يمكن تنفيذها، وعندما تسن قوانين صارمة تحمي المنتخب من الخديعة، ويتم مساءلة المرشحين والقوائم الانتخابية عن مصدر الأموال التي تغطي حملاتهم الانتخابية، وعندما يحرم إستعمال أو إستثمار البعد الديني أو المذهبي، وعندما تتساوى الفرص بين المرشحين كافة، ويتاح لهم الإتصال بالناخبين على قدم المساواة ومن دونما تمييز، وعندما تتم معاقبة من يتجاوز على حق الناخب في الإختيار الحر، وعندما يصبح المواطن ومصلحته هدف المترشح لا وسيلته للمكاسب والمغانم. عندما يقول القانون للجامع والحسينية والكنيسة والمعبد دعوا الله في عرشه، فكل الخلق عباده. عندما يعرف الناخب أنه ذاهب لصندوق الإنتخاب لإختيار من يسعى لإيجاد فرصة عمل توفر له ولأسرته لقمة الحلال، ومن سيعمل على خلق بيئة صحية عبر تطوير وتحسين البنى الخدمية، وتوفير المقعد الدراسي لأبنائه، والعلاج المجاني الذي يستحقونه، ومن يسعى لتوفير الأمن والأمان، ومن يحمي البيت الكبير الذي يضمهم جميعاً ويعمل على منعته ورفعته. والإنتخابات ليست وسيلة لبلوغ الجنة في الآخرة، وإنما هي وسيلة وسعي لتحقيق جنة الإنسان على الأرض. أمر مريع أن ينتخب الحافي، العاري، الجائع، الذي لا يجد سقفاً يأويه، ينتخب ذاك المتخم الذي لا يشبع من مأكل، ولا ملبس، والذي أصبحت بيوته مربعات أمنية حصينة أين منها قصور الأباطرة والجبابرة، والذي إذا تفضل وتكرم مدّ يده لتلثمها الشفاه السمر المتيبسة. عندما تجد من يردد بفخر، سأنتخب طاعة للقائد، إعرف أن لعبة الانتخابات قد أصبحت لعبة سمجة، وحرب ناعمة يشنها الأوغاد ضد من لا يعرفون أين تكون مصالحم، والذين أرتضوا أن يكونوا مخدوعين. كم هائل من الزيف والأباطيل تتبناه وتغذيه مؤسسات بلا حصر، قادرة ومتمكنه، هدفها جعل الناس لا تنظر ما تحت قدميها، ولا ما حولها، وإنما تشخص بأبصارها إلى السماء، ممنية النفس بنعيم الآخرة، تاركة مباهج الحياة الفانية لأنصاف الألهة المتنعمين، ذوي القداسة الكاذبة. صاحب القداسة الكاذبة، أشد خطراً من أي مستغل ومصاص دماء، هذا يسرق قوة عملك، ويعطيك مقابل ما أخذه منك ما تسد به رمقك، وذاك يأخذ منك، ولا يعطيك شيئاً، كل شيء بالنسبة له مؤجل إلى يوم يوعدون! صباح علي الشاهر
مشاركة :