اعتاد السوريون في كل عيد على إعداد المعمول المحشو بالعجوة أو الفستق الحلبي أو الجوز أو بأحد أنواع المربيات كالنارنج والكباد والورد والراحة لتقديمه إلى جانب البرازق والغريبة التي اشتهر الدمشقيون بصناعتها ضمن الضيافة إلى جانب القهوة المرة، في حين يتفنن أصحاب محلات بيع الحلويات بطريقة عرضها بهدف جذب الانتباه. ويكثر استخدام قوالب المعمول خلال شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى نظرا لطقوس صنع الحلويات المنتشرة في هذه المناسبات ومازال القالب الخشبي القديم الأداة المفضلة لدى الكثير من الأسر رغم انتشار القوالب البلاستيكية لأنه يعطي شكلاً أجمل للقرص وتصبح عجينته أشد تماسكاً وفق رأي عدد من المختصين في صنعه. وفي وسط دمشق القديمة وعلى الطريق الواصل بين باب شرقي وسوق البزورية باتجاه مئذنة الشحم، يتمركز أقدم مصنع لقوالب أقراص المعمول الخشبية التي لطالما تفاخرت سيدات دمشق بالعمل بها أثناء صنع حلويات العيد وبامتلاك العدد الأكبر والأجمل منها. وعلى باب معمل القوالب الخشبية يقف أيمن النويلاتي ذو الـ77 عاماً والمعروف بأبي أنس متوارثاً حرفة عمرها 150 عاماً في صناعة أدوات الحلويات العربية، مشيراً إلى تعلقه بهذه الحرفة منذ شبابه في سبعينات القرن الماضي ليصبح شيخ كار فيها أباً عن جد. سر صناعة القوالب الخشبية يتعلق بتقنية الخطوط والنقوش التي يزخرفها الحرفي سر صناعة القوالب الخشبية يتعلق بتقنية الخطوط والنقوش التي يزخرفها الحرفي ويستعيد العم أبو أنس في حديثه لوكالة الأنباء السورية (سانا) شريط ذكرياته التي تجمعه بوالده محمد النويلاتي، ذاك الرجل الدمشقي القديم المعروف بصنعه أداة من خشب أشجار المشمش المتينة سهلت على ربات البيوت وصناع الحلويات صنع أجمل الأشكال لقطع الحلويات في الأعياد. ويذكر النويلاتي مراحل تشكيل قوالب المعمول المرصوفة أمام باب محله والتي مازالوا يتعاقبون على تصنيعها يدوياً، إلى جانب أنواع وأشكال أخرى من المستلزمات المنزلية مثل الملاعق الخشبية والمناخل وبعض لوازم المطبخ كجرن الثوم وقوالب صناعة الكبة حيث تعتمد صناعة قوالب المعمول على الأخشاب المتأتية من الأشجار اليابسة، وإذا كانت خضراء يتم تعريضها لدرجة حرارة الغليان حتى يخرج منها الماء ثم تنشر في الهواء لتجف جيدا مدة ثلاثة أشهر تقريباً وبعد ذلك تتم معالجتها لمنع حدوث تشققات داخلها. ثم يتم تقطيع الخشب إلى قطع صغيرة توضع على آلة الرابوب التي تجعل ملمس الخشب ناعماً، وإثر ذلك توضع على ما يسمى الهندازة لرسمها وتحديد مركز الحفر وأبعاد القالب التي تختلف حسب رغبة الزبائن والحشوات التي توضع داخل حبات المعمول. ويبقى سر المهنة وفقا للنويلاتي متعلقا بتقنية الخطوط والنقوش التي يزخرفها الحرفي، بحيث تمنع التصاق عجينة المعمول داخل القالب، مستخدماً أدوات صنع بعضها بنفسه ويحتفظ بها في أدراج خزانته العتيقة ليحفر بها الخشب وينقش التفاصيل بحرفية، مشيراً إلى أن بعض المعامل والمحال التي تمتهن صناعة الحلويات السورية الشهيرة تطلب حفر اسم المعمل داخل القالب ليصبح علامة تجارية خاصة بها. ويخشى الرجل السبعيني على حرفته من الاندثار والضياع بعد أن رافقت السوريين لأعوام وارتبطت بمستلزمات العيد عندهم، لأجل ذلك يحرص على تلقين ابنه أصول المهنة وأسرارها آملا أن يتعلمها ليكمل مشوار الحرف اليدوية في هذا المجال، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن هذه الصناعة رغم قدمها تنشط وتزدهر في كل عيد نظراً لكثرة الطلب عليها. حلوى كل السوريين حلوى كل السوريين لكن مأمون لبوس، أحد صناع قوالب المعمول، يؤكد أن “معظم رواد وزبائن السوق من العائلات الدمشقية التي تقتني القوالب الخشبية رغم توفّر البدائل من الستانلس أو البلاستيك، وأعتقد أن ارتباط العائلات بماضيها وتراثها يدفعها إلى شراء ما يذكرها بهذا الماضي ويعيده إلى الأذهان”. ولا يزال أغلب الحرفيين يحافظون على الأساليب البسيطة في الصناعة التي تعتمد على مهارة العاملين وحرفيتهم بالدرجة الأولى، مع الاستعانة مؤخراً ببعض الآلات ولاسيما المخرطة، لإضافة أشكال جديدة واختصار الجهد والوقت”. ويقول لبوس “تعتمد صناعة قوالب المعمول على ناحيتين، الأولى هي تأمين المادة الأولية وهي الخشب الملائم لهذه الصناعة الذي يجب أن يكون قوياً ومتيناً وغالباً ما يكون من الزان أو المشمش أو الجوز، والناحية الثانية هي مهارة العاملين لإخراج الشكل المطلوب بطريقة مميزة”. ورغم توفّر البدائل من المعدن أو البلاستيك إلا أن السيدة أم وسيم (ربة منزل) تشعر بالسعادة وهي تنتقي قالب المعمول الخشبي وتقصد سوق مدحت باشا لاقتناء الأشكال الجديدة من القوالب الخشبية كل عام، مؤكدة أن صنع معمول العيد بالقوالب الخشبية له نكهة خاصة. وتتم صناعة المعمول وفق مراحل عديدة تبدأ من صنع العجينة وتقسيمها وتحضير الحشوة بمختلف أنواعها وتشكيل قطعة المعمول حسب الرغبة، ثم صفه في صوان تحضيراً لشيه في المرحلة الأخيرة. وتقول السيدة سكينة عثمان، من سكان حي القنوات في العاصمة السورية، “إعداد المعمول والحلويات من الطقوس الرئيسية في منزلنا ولاسيما في فترة الأعياد والمناسبات، ولهذه الغاية أقوم بصورة دائمة بزيارة سوق ‘مدحت باشا’ للاطلاع على الأشكال الجديدة من القوالب وشراء بعضها، ولدي حالياً مجموعة متميزة من هذه القوالب عمر بعضها أكثر من خمسين عاماً، وهي لا تزال تحافظ على متانتها وقوتها، لأن صناعها عملوا بحرفية وإتقان”.
مشاركة :