تأتي هذه المقالة الثقافيّة في سياق الاحتفاء باليوم العالمي للتراث لصياغة استراتيجيّة تمكن الجامعات العربيّة من تطوير مبادرات كبرى لحماية التراث الثقافي اللامادي وصناعة الابتكار الثقافي. تُصنف صناعة الابتكار الثقافيّ (cultural industries) ضمن الاقتصاد القائم على المعرفة knowledge society، ويُستخدم تعبير «صناعة الإبداع الثقافيّ» أو «الصناعات الثقافيّة»؛ للإشارة إلى الصناعات التي تقوم بابتكار وإنتاج وتسويق سلع وخدمات ذات مضمون إبداعيّ غير ملموس وذات طبيعة ثقافيّة، تدخل المعرفة والفكر في تحديد قيمته، ويتمتع بحقوق ملكيّة فكرية ناتجة عن تزاوج المعرفة بالثقافة». ووفقًا لتعريف المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتادUNCTAD فإنَّ صناعة الابتكار والإبداعCreative industry) )، هي عبارة عن حلقة من الابتكار والإبداع والإنتاج والتسويق لسلع غير ملموسة ولخدمات يشكّل الإبداع الفكري الرأسمال الأكبر فيها وتحظى بحقوق الملكيّة الفكرية. وبالمفهوم الاقتصاديّ تسمح نشاطات الابتكار والإبداع وأعمالهما بتحقيق مردود اقتصادي وينتج عنها فرص عمل، وهي تسهم في دعم الميزان التجاري للدول وفي زيادة الناتج القومي». اشتغل صانعو السياسات واستراتيجيات التعليم والتنمية المستدامة إلى تعزيز ثقافة الابتكار والإبداع، وبالتالي أوجدوا «القيمة المضافة الثقافية». إنَّ الأدوار الرئيسية للجامعات هي توليد المعرفة من خلال البحث العلمي، ونشر المعرفة من خلال التدريس، والحفاظ على المعرفة وصيانتها بين الأجيال من خلال الكتب والمكتبات وأشكال النشر الإلكتروني. وعلى الرغم من أنَّ جانبًا من نشاط إنتاج المعرفة يتمّ في ظلّ اقتصاد المعرفة خارج الجامعات، إلا أنَّ هذه الأخيرة لاتزال تمثِّل المركز الأساس لهذا النشاط، كما أن ما يتمّ من نشاط خارج الجامعات يسهم فيه عادة رأس مال بشري أفرزته هذه الجامعات. ولقد ظهر في السنوات الأخيرة مفهوم الابتكار المفتوح أو Triple Helix الذي يقوم على دمج الجامعات بوصفها أطرافًا فاعلة في عملية الابتكار. ويجمع هذا المنهج بين مجهودات ثلاث مؤسسات رئيسة في المجتمع: الجامعات، الصناعات، المؤسسات الحكومية، بوصفها تعبيرا عن وجود شبكة من التشارك في المعرفة». تمثّل الثقافات الشعبيّة العربية خطابات بينيّةInterdisciplinary Discourses متعالقة مع حقول معرفيّة متعددة، والسَّرديات الشعبيّة بوصفها خطابات كونية جاذبة، وعابرة للحدود والثقافات تمثّل مجالاً حقيقيًا لصناعة الابتكار الثقافيّ الرقميّ، وهي الصناعة التي تؤسِّس اقتصاد المعرفة على الرغم من تسارع العولمة الثقافيّة وتأثيراتها العميقة في مجتمعات العالم على اختلافها وتغايرها. تشتغل بعض الجامعات العربيّة في مجال حماية التراث الثقافي اللامادي من خلال تدريس بعض المقررات مثل مقرر (الفولكلور) (الأدب الشعبي) في كليات الآداب والعلوم الإنسانيّة، وقد مضى على تدريس هذه المقررات عشرات من العقود التي أسهمت في تأسيس بعض المراكز والمختبرات البحثية الخاصة بالتراث الثقافي اللامادي. إنَّ أدوار الجامعات العربيّة يجب أن تبدأ من مشاريع الجمع والتدوين لما تبقى في ذاكرة الرواة من أشكال التعبير الشعبي وفقًا للشرائط العلميّة الأكاديميّة إلى مجال الانطلاق إلى صناعة الثقافة ومفهوم الابتكار المفتوح. وينبغي استثمار الأرشفة الرقمية لأرشفة مشاريع الجمع الميدانية وإتاحتها في المنصات الافتراضية، وترجمتها باللغات العالميّة لكون التراث الثقافي اللامادي ينطلق من الخصوصيات المحلية إلى الاحتفاء بإرث إنساني مشترك والانفتاح على المنظمات العالميّة المعنية بالثقافة مثل اليونسكو والألكسو وغيرهما. لا تزال مواد التراث الشعبي العربيّة غير مؤرشفة عالميًا باستثناء أرشفة بعض الحكايات الشعبيّة المصرية من قبل البروفيسور حسن الشامي أستاذ علم الفولكلور بجامعة انديانا. تمثل مقررات الثقافة الشعبيّة في الجامعات العربيّة مجالاً حقيقيًا وواعدا لصناعة الابتكار الثقافي لا بد من استثماره. { أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الحديث المساعد، كلية الآداب، جامعة البحرين.
مشاركة :