سرديات: الصناعات الثقافيّة والابتكار الثقافي في الجامعات الخليجية: الـتـاريخ الشفـهـي أنموذجا

  • 10/8/2022
  • 01:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تُصنف‭ ‬صناعة‭ ‬الابتكار‭ ‬الثقافيّ‭ (‬cultural‭ ‬industries‭) ‬ضمن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬المعرفة‭ ‬knowledge‭ ‬society،‭ ‬ويُستخدم‭ ‬تعبير‭ (‬صناعة‭ ‬الإبداع‭ ‬الثقافيّ‭) ‬أو‭ (‬الصناعات‭ ‬الثقافيّة‭)‬؛‭ ‬للإشارة‭ ‬إلى‭ ‬الصناعات‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بابتكار‭ ‬وإنتاج‭ ‬وتسويق‭ ‬سلع‭ ‬وخدمات‭ ‬ذات‭ ‬مضمون‭ ‬إبداعيّ‭ ‬غير‭ ‬ملموس‭ ‬وذات‭ ‬طبيعة‭ ‬ثقافيّة،‭ ‬تدخل‭ ‬المعرفة‭ ‬والفكر‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬قيمته،‭ ‬ويتمتع‭ ‬بحقوق‭ ‬ملكيّة‭ ‬فكرية‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬تزاوج‭ ‬المعرفة‭ ‬بالثقافة‮»‬‭. ‬وتعترف‭ ‬اتفاقية‭ ‬صون‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬غير‭ ‬المادي‭ ‬لليونسكو‭ ‬بأهمية‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬غير‭ ‬المادي‭ ‬بوصفه‭ ‬بوتقة‭ ‬للتنوُّع‭ ‬الثقافي‭ ‬وعاملاً‭ ‬يضمن‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭. ‬وتمثل‭ ‬خطة‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬لعام‭ ‬2030‭ ‬خطة‭ ‬عمل‭ ‬تتناول‭ ‬الأبعاد‭ ‬الثلاثة‭: ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعيّة‭ ‬والبيئيّة،‭ ‬ويمثل‭ ‬عنصر‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬المادي‭ ‬وغير‭ ‬المادي‭ ‬مكونًا‭ ‬رئيسًا‭ ‬في‭ ‬اتفاقية‭ ‬اليونسكو‭ ‬لصون‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬بشقيه‭ (‬المادي‭ ‬وغير‭ ‬المادي‭).‬ للجامعات‭ ‬الخليجية‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬الصناعات‭ ‬الثقافية‭ ‬بوصفها‭ ‬قيمة‭ ‬ثقافية‭ ‬مضافة‭ ‬وبوصفها‭ ‬كذلك‭ ‬قوى‭ ‬ناعمة‭ ‬ودبلوماسية‭ ‬ثقافية‭. ‬إنَّ‭ ‬الأدوار‭ ‬الرئيسية‭ ‬للجامعات‭ ‬هي‭ ‬توليد‭ ‬المعرفة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬ونشر‭ ‬المعرفة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التدريس،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬المعرفة‭ ‬وصيانتها‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الكتب‭ ‬والمكتبات‭ ‬وأشكال‭ ‬النشر‭ ‬الإلكتروني‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنَّ‭ ‬جانبًا‭ ‬من‭ ‬نشاط‭ ‬إنتاج‭ ‬المعرفة‭ ‬يتمّ‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬اقتصاد‭ ‬المعرفة‭ ‬خارج‭ ‬الجامعات،‭ ‬فإنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تمثِّل‭ ‬المركز‭ ‬الأساس‭ ‬لهذا‭ ‬النشاط،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يتمّ‭ ‬من‭ ‬نشاط‭ ‬خارج‭ ‬الجامعات‭ ‬يسهم‭ ‬فيه‭ ‬عادة‭ ‬رأس‭ ‬مال‭ ‬بشري‭ ‬أفرزته‭ ‬هذه‭ ‬الجامعات‭. ‬ولقد‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬مفهوم‭ ‬الابتكار‭ ‬المفتوح‭ ‬أو‭ ‬Triple‭ ‬Helix‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬دمج‭ ‬الجامعات‭ ‬بوصفها‭ ‬أطرافا‭ ‬فاعلة‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الابتكار‭. ‬ويجمع‭ ‬هذا‭ ‬المنهج‭ ‬بين‭ ‬مجهودات‭ ‬ثلاث‭ ‬مؤسسات‭ ‬رئيسة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭: ‬الجامعات،‭ ‬الصناعات،‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحكومية،‭ ‬بوصفها‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬التشارك‭ ‬في‭ ‬المعرفة‮»‬‭.‬ تمثّل‭ ‬الثقافات‭ ‬الشعبيّة‭ ‬الخليجية‭ ‬خطابات‭ ‬بينيّةInterdisciplinary‭ ‬Discourses‭ ‬متعالقة‭ ‬مع‭ ‬حقول‭ ‬معرفيّة‭ ‬متعددة،‭ ‬والسَّرديات‭ ‬الشعبيّة‭ ‬بوصفها‭ ‬خطابات‭ ‬كونية‭ ‬جاذبة،‭ ‬وعابرة‭ ‬للحدود‭ ‬والثقافات‭ ‬تمثّل‭ ‬مجالاً‭ ‬حقيقيًا‭ ‬لصناعة‭ ‬الابتكار‭ ‬الثقافيّ‭ ‬الرقميّ،‭ ‬وهي‭ ‬الصناعة‭ ‬التي‭ ‬تؤسِّس‭ ‬اقتصاد‭ ‬المعرفة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تسارع‭ ‬العولمة‭ ‬الثقافيّة‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬العميقة‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬اختلافها‭ ‬وتغايرها‭. ‬تشتغل‭ ‬بعض‭ ‬الجامعات‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حماية‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬اللامادي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تدريس‭ ‬بعض‭ ‬المقررات‭ ‬مثل‭ ‬مقرر‭ (‬الفولكلور‭) (‬الأدب‭ ‬الشعبي‭) ‬و‭(‬التاريخ‭ ‬الشفهي‭) ‬في‭ ‬بعض‭ ‬كليات‭ ‬الآداب‭ ‬والعلوم‭ ‬الإنسانيّة‭ ‬الخليجية،‭ ‬وقد‭ ‬مضى‭ ‬على‭ ‬تدريس‭ ‬هذه‭ ‬المقررات‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬العقود‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬بعض‭ ‬المراكز‭ ‬ومختبرات‭ ‬الابتكار‭ ‬الثقافي‭ ‬الخاصة‭ ‬بالتراث‭ ‬الثقافي‭ ‬اللامادي‭. ‬إنَّ‭ ‬أدوار‭ ‬الجامعات‭ ‬الخليجية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬الجمع‭ ‬والتدوين‭ ‬لما‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬الرواة‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التعبير‭ ‬الشعبي‭ ‬وفقًا‭ ‬للشرائط‭ ‬العلميّة‭ ‬الأكاديميّة‭ ‬إلى‭ ‬مجال‭ ‬الانطلاق‭ ‬إلى‭ ‬صناعة‭ ‬الثقافة‭ ‬ومفهوم‭ ‬الابتكار‭ ‬المفتوح‭. ‬وينبغي‭ ‬استثمار‭ ‬الأرشفة‭ ‬الرقمية‭ ‬لأرشفة‭ ‬مشاريع‭ ‬الجمع‭ ‬الميدانية‭ ‬وإتاحتها‭ ‬في‭ ‬المنصات‭ ‬الافتراضية،‭ ‬وترجمتها‭ ‬باللغات‭ ‬العالميّة‭ ‬لكون‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬اللامادي‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬الخصوصيات‭ ‬المحلية‭ ‬إلى‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بإرث‭ ‬إنساني‭ ‬مشترك‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬المنظمات‭ ‬العالميّة‭ ‬المعنية‭ ‬بالثقافة‭ ‬مثل‭ ‬اليونسكو‭ ‬والألكسو‭ ‬وغيرهما‭. ‬ إنَّ‭ ‬تأسيس‭ ‬كوادر‭ ‬خليجية‭ ‬في‭ ‬القيادة‭ ‬الثقافية‭ ‬وإدارة‭ ‬الأراشيف‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشاء‭ ‬التخصصات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬البكالوريوس‭ ‬والماجستير‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬القيادة‭ ‬الثقافية‭ ‬هو‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحة‭. ‬وسأشير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬إلى‭ ‬الشراكة‭ ‬الأكاديمية‭ ‬التي‭ ‬تمّت‭ ‬بين‭ ‬إيكروم‭ ((‬ICCROM‭) (‬المركز‭ ‬الدولي‭ ‬لدراسة‭ ‬صون‭ ‬وترميم‭ ‬الممتلكات‭ ‬الثقافية‭) ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مكتبها‭ ‬الإقليمي‭ ‬في‭ ‬إمارة‭ ‬الشارقة‭ ‬بالشراكة‭ ‬مع‭ ‬جامعة‭ ‬الشارقة‭ ‬بدولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربيّة‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬تدشين‭ ‬برنامج‭ ‬ماجستير‭ ‬متعدد‭ ‬التخصصات‭ ‬في‭ (‬إدارة‭ ‬حفظ‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭) ‬في‭ ‬العام‭ ‬الأكاديمي‭ ‬2019‭/‬2020‭. ‬ويستهدف‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬من‭ ‬خلفيات‭ ‬متنوعة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ويتكون‭ ‬من‭ ‬مسارين‭: ‬إدارة‭ ‬المتاحف‭ (‬التراث‭ ‬المنقول‭)‬،‭ ‬وإدارة‭ ‬مواقع‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ (‬التراث‭ ‬الثابت‭). ‬إنَّ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الشراكات‭ ‬الدولية‭ ‬بإمكانها‭ ‬إعداد‭ ‬الكوادر‭ ‬الخليجية‭ ‬المؤهلة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الخليجي‭ ‬لتحويل‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬إلى‭ ‬صناعات‭ ‬ثقافية‭ ‬وإبداعية‭ ‬مندرجة‭ ‬ضمن‭ ‬المشاريع‭ ‬الثقافية‭ ‬المستدامة‭.‬ {  أستاذة‭ ‬السرديات‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبيّ‭ ‬الحديث‭ ‬المشارك، كلية‭ ‬الآداب،‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭.‬

مشاركة :