تُصنف صناعة الابتكار الثقافيّ (cultural industries) ضمن الاقتصاد القائم على المعرفة knowledge society، ويُستخدم تعبير (صناعة الإبداع الثقافيّ) أو (الصناعات الثقافيّة)؛ للإشارة إلى الصناعات التي تقوم بابتكار وإنتاج وتسويق سلع وخدمات ذات مضمون إبداعيّ غير ملموس وذات طبيعة ثقافيّة، تدخل المعرفة والفكر في تحديد قيمته، ويتمتع بحقوق ملكيّة فكرية ناتجة عن تزاوج المعرفة بالثقافة». وتعترف اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي لليونسكو بأهمية التراث الثقافي غير المادي بوصفه بوتقة للتنوُّع الثقافي وعاملاً يضمن التنمية المستدامة. وتمثل خطة التنمية المستدامة لعام 2030 خطة عمل تتناول الأبعاد الثلاثة: الاقتصادية والاجتماعيّة والبيئيّة، ويمثل عنصر التراث الثقافي المادي وغير المادي مكونًا رئيسًا في اتفاقية اليونسكو لصون التراث الثقافي بشقيه (المادي وغير المادي). للجامعات الخليجية دور كبير في تأسيس الصناعات الثقافية بوصفها قيمة ثقافية مضافة وبوصفها كذلك قوى ناعمة ودبلوماسية ثقافية. إنَّ الأدوار الرئيسية للجامعات هي توليد المعرفة من خلال البحث العلمي، ونشر المعرفة من خلال التدريس، والحفاظ على المعرفة وصيانتها بين الأجيال من خلال الكتب والمكتبات وأشكال النشر الإلكتروني. وعلى الرغم من أنَّ جانبًا من نشاط إنتاج المعرفة يتمّ في ظلّ اقتصاد المعرفة خارج الجامعات، فإنَّ هذه الأخيرة لا تزال تمثِّل المركز الأساس لهذا النشاط، كما أن ما يتمّ من نشاط خارج الجامعات يسهم فيه عادة رأس مال بشري أفرزته هذه الجامعات. ولقد ظهر في السنوات الأخيرة مفهوم الابتكار المفتوح أو Triple Helix الذي يقوم على دمج الجامعات بوصفها أطرافا فاعلة في عملية الابتكار. ويجمع هذا المنهج بين مجهودات ثلاث مؤسسات رئيسة في المجتمع: الجامعات، الصناعات، المؤسسات الحكومية، بوصفها تعبيرًا عن وجود شبكة من التشارك في المعرفة». تمثّل الثقافات الشعبيّة الخليجية خطابات بينيّةInterdisciplinary Discourses متعالقة مع حقول معرفيّة متعددة، والسَّرديات الشعبيّة بوصفها خطابات كونية جاذبة، وعابرة للحدود والثقافات تمثّل مجالاً حقيقيًا لصناعة الابتكار الثقافيّ الرقميّ، وهي الصناعة التي تؤسِّس اقتصاد المعرفة على الرغم من تسارع العولمة الثقافيّة وتأثيراتها العميقة في مجتمعات العالم على اختلافها وتغايرها. تشتغل بعض الجامعات الخليجية في مجال حماية التراث الثقافي اللامادي من خلال تدريس بعض المقررات مثل مقرر (الفولكلور) (الأدب الشعبي) و(التاريخ الشفهي) في بعض كليات الآداب والعلوم الإنسانيّة الخليجية، وقد مضى على تدريس هذه المقررات عشرات من العقود التي أسهمت في تأسيس بعض المراكز ومختبرات الابتكار الثقافي الخاصة بالتراث الثقافي اللامادي. إنَّ أدوار الجامعات الخليجية يجب أن تبدأ من مشاريع الجمع والتدوين لما تبقى في ذاكرة الرواة من أشكال التعبير الشعبي وفقًا للشرائط العلميّة الأكاديميّة إلى مجال الانطلاق إلى صناعة الثقافة ومفهوم الابتكار المفتوح. وينبغي استثمار الأرشفة الرقمية لأرشفة مشاريع الجمع الميدانية وإتاحتها في المنصات الافتراضية، وترجمتها باللغات العالميّة لكون التراث الثقافي اللامادي ينطلق من الخصوصيات المحلية إلى الاحتفاء بإرث إنساني مشترك والانفتاح على المنظمات العالميّة المعنية بالثقافة مثل اليونسكو والألكسو وغيرهما. إنَّ تأسيس كوادر خليجية في القيادة الثقافية وإدارة الأراشيف من خلال إنشاء التخصصات الأكاديمية على مستوى البكالوريوس والماجستير في مجال القيادة الثقافية هو ضرورة ملحة. وسأشير في هذا السياق إلى الشراكة الأكاديمية التي تمّت بين إيكروم ((ICCROM) (المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية) من خلال مكتبها الإقليمي في إمارة الشارقة بالشراكة مع جامعة الشارقة بدولة الإمارات العربيّة المتحدة في تدشين برنامج ماجستير متعدد التخصصات في (إدارة حفظ التراث الثقافي) في العام الأكاديمي 2019/2020. ويستهدف هذا البرنامج العاملين في حفظ التراث الثقافي من خلفيات متنوعة في المنطقة، ويتكون من مسارين: إدارة المتاحف (التراث المنقول)، وإدارة مواقع التراث الثقافي (التراث الثابت). إنَّ مثل هذه الشراكات الدولية بإمكانها إعداد الكوادر الخليجية المؤهلة من الشباب الخليجي لتحويل التراث الثقافي إلى صناعات ثقافية وإبداعية مندرجة ضمن المشاريع الثقافية المستدامة. { أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الحديث المشارك، كلية الآداب، جامعة البحرين.
مشاركة :