مع رحيل صقر بن عبدالله المعاودة تكون الذاكرة البحرينية قد فقدت جزءًا مهمًا في الحراك الأدبي والمعرفي بالبحرين، فقد كان ولد المعاودة الذي ولد بمدينة المحرق في العام 1961، وحصل على شهادة الدبلوم في الدراسات الهندسية الميكانيكية من كلية الدراسات التكنولوجية بدولة الكويت، من الأشخاص القلائل الذين يملكون مثل هذه الذاكرة وشغف التوثيق وجمع الإصدارات النادرة من الصحف والمجلات والتحف والقطع الأثرية، وقد جمعتني به عدة لقاءات أدبية في جوانبها التاريخية والوثائقية، جلسات هادئة لما يملكه من صفات جميلة تعكس مدن هذا الرجل، وحقًا لا نعرف قيمة الأشخاص إلا بعد رحيلهم. لقد قدم المعاودة كتبًا في مجال البحث والتوثيق، وركز بشكل خاص على الصحافة البحرينية والخليجية، وتابع بشكل دقيق وجيد للصحف والمجلات البحرينية منذ نشأتها، والصحف العربية التي أهتمت بالقضايا البحرينية وحركتها الثقافية، فرصد كل شاردة وواردة لما لها من أهمية عند الدارس لتاريخ الصحافة البحرينية، فقد أخذنا في إصداراته المتعددة إلى السنوات الأولى للصحافة البحرينية، والصحافة الخليجية، فكانت كتبًا بحثية ذات قيمة تاريخية، ومن تلك الكتب: كتاب (البحرين في صحافة الماضي من العام 1899 إلى العام 1977): في يوليو العام 2012 أصدر المعاودة كتابه الموسوم البحرين في صحافة الماضي، وبذل فيه جهدًا كبيرًا لم تستوعبه صفحات الكتاب التي بلغت 500 صفحة من الحجم الكبير،، وهو عبارة عن قصاصات للصحف والمجلات التي صدرت خلال تلك الفترة، فكان الكتاب عبارة عن سجل تاريخي منقول من الصحف البحرينية التي رصدت الأحداث والوقائع حينها، فأعاد المعاودة ترتيبها عبر تسلسلها الزمني وعرضها في كتابه (السفر) الجميل والذي يعتبر من الكتب النادرة في المكتبات الوطنية. لم يكتفِ المعاودة من عرض الصحف والمجلات المحلية، بل إنه عرض الصحف العربية التي كانت تعني بالقضايا المحلية، فقد عرض بكتابه القيم الأخبار التي تناولتها الصحف العربية مثل مجلة المصور وآخر ساعة وغيرها من الصحف، والتي كانت تتابع الحراك البحريني في تلك الفترة الغنية والزاخرة بالثقافة والعلم، واستعرض في كتابه الحرب العالمية الثانية التي جاءت في جريدة البحرين لصاحبها الأديب عبدالله الزايد، ففي العدد الصادر في الرابع والعشرين من أكتوبر 1940 نشرت جريدة البحرين خبر الغارات الجوية للطيران الإيطالي والتي ألقت 40 قنبلة مكونة من اربع وحدات وفي كل وحدة عشر قنابل لم تنفجر منها اثنتان، وكانت تلك الغارات تستهدف البحرين والسعودية. كتاب (دول مجلس التعاون في صحافة الماضي) في ديسمبر 2012 صدر هذا الكتاب لتوثيق الصحف الخليجية ودورها في نشر الثقافة والعلم والمعرفة، ومنجزاتها الوطنية التي تحققت خلال الفترة الماضية، ويعتبر الكتاب هو الاصدار الثاني للمعاودة، وقد بذل فيه جهدًا كبيرًا من خلال الجولات الخليجية التي قام بها لاستكمال الكتاب. كتاب (البحرين وتكريم أحمد شوقي): لقد صدر المعاودة كتاب (البحرين وتكريم أمير الشعراء.. أحمد شوقي) ووثق في الكتاب الحفل الذي تم فيه تكريم أمير الشعراء أحمد شوقي في العام 1927، فقد شاركت البحرين مع بقية الدول العربية في تكريم أحمد شوقي وقدمت له نخلة من ذهب ولؤلؤ هدية من البحرين، وتحت النخلة بيتين من الشعر: قلدتني الملوك من لؤلؤ البحرين آلاءها ومن مرجانه نخلة لا تزال في الشرق معنى من بداوته ومن عمرانه وقد أرسلت مع النخلة قصيدة عضو النادي الأدبي في البحرين الشاعر خالد الفرج بعنوان (من وادي اللؤلؤ إلى وادي النيل) يقول في مطلعها: من منبت الدر تسليم وتكريم لشاعر اللغة الفصحى وتفخيم حياك في دارنا البحرين لؤلؤها النخل إذا بسمت فيه الأكاميم ويختمها بالأبيات الآتية: أتيت للغة الفصحى على قدر فهل أتى لك بالإلهام تكليم نهضت بالعرب لما أن أهبت بهم إلى ارتقاء العلا: يا قومنا قوموا وها هم اليوم في تكريمك اجتمعوا إن كان يوفيك بعض الحق تكريم كتاب (الصحافة البحرينية.. تاريخ وعطاء) في العام 2014 صدر للباحث صقر المعاودة كتاب الصحافة البحرينية تاريخ وعطاء، وهو من الكتب المهمة في الجانب الثقافي، حيث استحضر صورًا من الماضي القريب في جانبه الصحفي، وجاء الكتاب ليوثق حقبة مهمة من تاريخ الصحافة البحرينية، فقد رصد المعاودة بدايات النهضة الثقافية بالبحرين، وعملية التواصل مع مثقفي المنطقة العربية، وعرض مجموعة من المراسلات والصحف والمجلات التي تصدر في الدول العربية، والقضايا التي يتم الاستفسار عنها من خلال المراسلات التي ترسل للصحف العربية، وهي البدايات الأولى لظهور الصحف والمجلات بالبحرين، وتطرق المعاودة كذلك للأندية الثقافة التي أثرت في الوعي الجمعي لأبناء البحرين، مثل نادي أقبال أوال الذي تأسس في العام 1913، والنادي الأدبي بالمحرق والذي تأسس في العام 1920، النادي الذي استضاف كوكبة من مثقفي وأدباء وشعراء المنطقة العربية مثل الأديب عبدالعزيز الثعالبي والرحالة أمين الريحاني والشيخ محمد الشنقيطي، والمنتدى الإسلامي الذي تأسس العام 1928 في المنامة، والذي تحدث فيه الأديب الكويتي الشيخ عبدالعزيز الرشيد صاحب مجلة (الكويت) ومؤلف كتاب تاريخ الكويت. رحيل الباحث صقر المعاودة ترك فراغًا كبيرًا في الساحة الأدبية، رحل وأخذ معه ذاكرته المليئة بالأحداث والمواقف بعد السنوات الطويلة التي قضاها بحثًا عن الحقيقة المغيبة والمفقودة، ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا.. (فإنا لله وإنا إليه راجعون).
مشاركة :