خلال أقل من شهر أعلن صندوقان سياديان نتائج سلبية لاستثماراتهما عن الربع الأول من العام الحالي الذي شهد فيه الاقتصاد العالمي تقلبات بحركة أداء الأسهم ومختلف قيم الأصول، علاوة على الآثار السلبية لتداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية على الأسواق الدولية وحركة التجارة، وسط ترقب عالمي لتطورات الوضع الوبائي لفيروس "كورونا" في الصين ومدى إمكانية عودة انتشاره مجدداً. فقد أعلن أكبر صندوق سيادي في العالم، أي الصندوق السيادي النرويجي الذي تبلغ قيمة أصوله 1.3 تريليون دولار، خسائر بقيمة 74 ملياراً خلال الربع الأول من عام 2022، وهي أول خسائر ربع سنوية لهذا الصندوق منذ 2020، وأرجعت الجهة المديرة له (وهي البنك المركزي النرويجي) الخسائر إلى ارتباطها بالغزو الروسي لأوكرانيا، وإجراءات الإغلاق في الصين، نتيجة تجدد تفشي فيروس كورونا، فيما كشف صندوق الثروة السيادية في هونغ كونغ عن خسارة 7 مليارات دولار في الربع الأول من العام مع تراجع الأسهم والسندات، حسب بيان سلطة النقد في المقاطعة، وتُعدّ هذه الخسائر الفصلية هي الأكبر للصندوق منذ خسارته 14 ملياراً في الربع الأول من عام 2020 ومع ذلك مثّلت الخسارة ربع السنوية الحالية 1% من حجم محفظة الصندوق البالغة 700 مليار دولار مقابل خسارة أسواق الأسهم المقارنة 5% من قيمتها السوقية لنفس الفترة. تساؤلات عن الكويت هذه الإفصاحات ذات النتائج السلبية تفتح الباب لتكهنات محلية حول أداء الصناديق السيادية أو شبه السيادية الكويتية الخاصة بالدولة أو المواطنين كصندوق احتياطي الأجيال القادمة الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار أو محفظة التأمينات الاستثمارية التي تديرها مؤسسة التأمينات الاجتماعية، فحسب البيانات السابقة الصادرة من كلتا الجهتين "هيئة الاستثمار - التأمينات " كان أداء الأسواق العالمية عنصراً فاعلاً في تحقيق النتائج الإيجابية لكلتا الجهتين، إذ أعلنت "التأمينات" وبشفافية نادرة وقتذاك بين مختلف الجهات الحكومية في آخر بياناتها في يونيو عام 2021 أنها سجلت نمواً في أدائها الاستثماري للسنة المالية 2021/2020 المنتهية في 31 مارس 2021 إذ ارتفعت قيمة أصول المحفظة الاستثمارية بـ 6.3 مليارات دينار، مما يرفع قيمتها الإجمالية إلى 40.4 ملياراً، بنسبة نمو بلغت 20.9% عن العام الماضي، مسجلة معدل عائد عام على الاستثمار 16.5% مشيرة إلى أن هذا العائد القياسي جاء مدعوماً بأداء أسواق المال في العام السابق. أما الهيئة العامة للاستثمار، فكان بيانها العام الماضي عن أداء صندوق احتياطي الأجيال القادمة الكويتي أقل شفافية من بيانات التأمينات الاجتماعية وإن حقق عائداً أعلى، إذ بلغت نسبة نمو احتياطي الأجيال خلال عام 33% دون بيان رسمي عن قيمته الإجمالية مدعوماً هو الآخر بأداء الأسواق العالمية. شبهات التلميع ولعله من المفيد القول بأن الشفافية في الإفصاح عن البيانات وتفاصيلها يجب ألا تستخدم فقط بفترات الرواج والنمو، لما يكتنف هذا الأمر من شبهات التلميع بل أن ينتهج في كل الأحوال، سواء كان الأداء إيجابياً أم سلبياً، فالشفافية مفيدة لمقارنة الأداء مع الصناديق المماثلة حول العالم، ناهيك عن مقارنة الأداء مع عوائد القطاعات كالأسهم والعقار والبنية التحتية، وهذه المقارنات متى ما كانت شفافة ستبين كفاءة إدارة صناديق المؤسسات المالية كالتأمينات أو الهيئة العامة للاستثمار، فضلاً عن مدى جودة التعاقدات مع الصناديق العالمية، التي تدير أموال الجهتين وفق عمولات وأتعاب متعارف عليها في عالم الاستثمار… مع أهمية النظر في كون الجهتين تتبعان وزير المالية، فإن هذا الأمر يستوجب وضع بروتوكول موحد لشفافية الإعلان عن البيانات المالية من حيث القيمة والأصول والأداء شاملاً المقارنة مع أداء القطاعات المستهدفة والصناديق المماثلة. مصير واحتراز وربما يفتح تراجع أداء وعوائد الأسواق والقطاعات العالمية وأثرها على أداء محفظة التأمينات تساؤلات حول مصير ما يعرف بتوزيع 3 آلاف دينار منحة على المتقاعدين خصوصاً أن "ارتفاع أو انخفاض" قيمة محفظة التأمينات الاستثمارية لا يمكن اعتبارها أرباحاً بالمعنى المتعارف عليه في الشركات التجارية، بالتالي يجب إصدار بيانات مالية جديدة لأداء محفظة التأمينات الاستثمارية للفترة المنتهية في 31 مارس عام 2022 حتى يتبين الوضع الاستثماري الجديد لمحفظة التأمينات قبل اتخاذ أي قرار من شأنه أن يؤثر على المركز المالي للمؤسسة. كذلك، فإن فرضية تراجع قيمة أصول الصندوق السيادي الكويتي مع إعلانات صناديق مماثلة لخسائر فصلية بالتزامن مع ارتفاع استثنائي لأسعار النفط العالمية تستوجب اتخاذ إجراءات احترازية لتدعيم أصول الصندوق منها على الأقل إعادة العمل باستقطاع 10 في المئة من إيرادات النفط لمصلحته، وهو الإجراء الذي توقف مع بداية أزمة "كورونا" وتدهور أسعار النفط إلى مستويات دنيا لامست 10 دولارات للبرميل. تراجع الأسواق الدولية ولا شك ان رفع المجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي التدريجي لأسعار الفائدة بواقع 0.75 نقطة أساس على مرحلتين كان له بالغ الأثر على الأسواق العالمية وأسعار الأصول خلال الأسبوعين الأخيرين مع توقعات ذات نبرة متشائمة أطلقتها بنوك عالمية أبرزها بنك أوف أميركا بشأن عمليات تصحيح قوية ستستمر حتى أكتوبر 2022 في أسواق الأسهم الأميركية وخصوصاً مؤشرات أسهم التكنولوجيا وأهمها "ناسداك" وهي التي يُعتقد أنها قادت الأداء الإيجابي لصناديق هيئة الاستثمار ومحافظ التأمينات الاستثمارية قبل عامين، بالتالي فإن انخفاضات هذه الاسواق والمؤشرات والأسهم سيؤدي بشكل طبيعي إلى تراجع قيم الأصول في المؤسسات المالية الكويتية وأهمها هيئة الاستثمار والتأمينات الاجتماعية. نهج مستمر لاشك أن شفافية الأداء المالي للمؤسسات الكبرى على مستوى الهيئة العامة للاستثمار أو التأمينات الاجتماعية إنما تعزز الثقة وترفع من قيمتهما بين نظرائهما في الأسواق الدولية وتجعلهما أيضاً مرغوبتين في الدخول بالصفقات الكبرى، علاوة على تخفيف الضغوطات الغربية عنهما، الذي يستخدم بين فترة وأخرى بخصوص انخفاض درجة الشفافية في صناديق الدول الخليجية، لذلك فإن تحويل شفافية البيانات المالية إلى نهج مستمر بغض النظر عن "الصعود والهبوط" سيجعل الأداء الاستثماري أكثر حوكمة ومنطقية مقارنة بأداء الصناديق والقطاعات المقارنة.
مشاركة :