وصفت أوساط سياسية لبنانية تصريحات رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة التي انتقد فيها مقاطعة الانتخابات وفي نفس الوقت دافع فيها عن رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الذي دعا إلى تلك المقاطعة بأنها تجسيد دقيق لواقع السنّة في لبنان، وهو واقع يقوم على إعلان الشيء ونقيضه والبحث عن تبريرات لأيّ قضية مهما بدت متناقضة. وقالت الأوساط السياسية اللبنانية إن السنيورة أظهر من خلال تصريحاته أنه لا يؤمن بنفسه ولا يقدم نفسه بديلا ولا يعرض مشروعا لإقناع الناس بأنه يمكن أن يملأ الفراغ في الملعب السنّي الذي تركه مقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وعجز ابنه عن ملئه، وأنه يكتفي فقط بكلام عائم عن تخليص اللبنانيين من إيران وحزب الله. وأضافت هذه الأوساط أن المقابلة التي أجراها السنيورة مع وكالة الأناضول لم يسع فيها لتأكيد أنه ما يزال في تيار المستقبل أو هو خارجه، وهل أنه يقود تيارا معارضا للمقاطعة وتأثيرها على حظوظ السنّة أم هو في منزلة بين المنزلتين؛ ضد المقاطعة، وفي نفس الوقت مع الحريري. وعزت هذا الغموض إلى أن السنيورة كان دائما في الصف الثاني في المشهد السنّي، ورغم أنه سياسي مخضرم فقد عاش يكمّل الحريري الأب ويدعم الحريري الابن، وأنه حتى حين تقلد مهمة رئيس حكومة كان واجهة لتنفيذ تعليمات تأتي من الداخل والخارج. السنيورة كان دائما في الصف الثاني، ورغم أنه سياسي مخضرم فقد عاش يكمّل الحريري الأب ويدعم الحريري الابن وحمّلت دوائر شبابية سنيّة السنيورة وغيره من نادي رؤساء الحكومات مسؤولية الوضع الذي وصل إليه السنّة، وأنه يدرك هو وأمثاله أنه كان عليهم الاستثمار في ثورة الشباب داخل الطائفة بتخريج قيادات جديدة مرتبطة بواقعها وقادرة على التأثير، وأيضا داخل لبنان حيث مثلت انتفاضة أكتوبر 2019 فرصة لينأى السنّة عن طبقة سياسية مرتهنة لحزب الله وإيران، لكن الحريري ومن معه فضلوا الدفاع عن استمرار الطبقة السياسية بدل الدفاع عن لبنان. واعتبر مراقبون أن غياب الوضوح في كلام السنيورة بشأن المقاطعة يكشف أن الساسة السنّة بدل أن يبادروا إلى تحديد القوائم وضبط التحالفات بقوا ينتظرون أن تغير السعودية رأيها وتعيد تأهيل سعد الحريري ليفاجئهم الأخير بالدعوة إلى المقاطعة. وقال السنيورة إن كل دعوة إلى المقاطعة غير صحيحة ومضرة بلبنان واللبنانيين وبالنظام الديمقراطي البرلماني. وأكد ضرورة المشاركة في الاقتراع بكثافة “حتى لا يتمكن الطارئون، الذين يعتبرون لبنان ساحة مستباحة، من ممارسة ضغوطهم لكي يزوّروا إرادة اللبنانيين”. وفي يناير الماضي أعلن الحريري، رئيس الحكومة الأسبق، تعليق عمله السياسي وعدم مشاركة تياره في الانتخابات. واعتبر الحريري حينها أنه “لا مجال لأيّ فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة”. وأظهرت دعوة الحريري إلى المقاطعة وقتها أنه لم يفكر سوى في نفسه، وأنه خطط لكسب تعاطف السعودية ولفت نظرها إليه دون قراءة أيّ حساب لنتائج المقاطعة على السنّة وعلى لبنان ككل، كما أنه لم يكن يتوقع أن تستمر الرياض في تجاهله وتجاهل مختلف مكونات الطبقة السياسية. Thumbnail وتساءل المراقبون كيف يمكن أن يبحث السنيورة عن مبررات للحريري لو لم يكن يتحرك من نفس الأرضية، وهي أرضية التفكير الشخصي الذي لا يرى المصالح خارجه، وهو ما يفسر ميله إلى القول إن كلام الحريري قد تم تأويله بشكل مسيء له. ووفق السنيورة، فإن الحريري لم يطالب اللبنانيين ولا تيار المستقبل بمقاطعة الانتخابات، “بل قال أنا لا أريد أن أترشح للانتخابات ولا أحد من تيار المستقبل إلا إذا استقال (من التيار)، وهو لم يقل لا أريد أن أشارك في العملية الانتخابية”. وتابع “هناك أحد أراد أن يُقوّل الحريري ما لم يقله لأغراض واجتهادات شخصية ليست لمصلحة لبنان واللبنانيين ولا لمصلحة علاقة بلدنا مع الدول العربية، ولن تكون لصالح خروج لبنان من أزمته الاقتصادية الحالية”. ومنذ أكثر من عامين، يعاني لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، مع انهيار عملته الليرة مقابل الدولار الأميركي، وشح الأدوية والوقود وسلع أساسية أخرى، إضافة إلى تراجع حاد في القدرة الشرائية. وأردف السنيورة “إذا انصعنا لهذه الدعوات (المقاطعة)، بالتالي (سيتم) ترك الساحة فارغة في بيروت ولبنان لكل من يحاول اقتناص هذه الفرصة لمصالح دول أجنبية”. اقرأ أيضا: الانتخابات البرلمانية في لبنان فرصة الطبقة السياسية لتجديد شرعيتها وشهدت مناطق لبنانية عديدة تعليق لافتات مؤيدة لتيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري تدعو إلى مقاطعة الانتخابات النيابية المقررة في الخامس عشر من مايو الجاري. ورفعت الثلاثاء في بعض شوارع بيروت وضواحيها ومناطق أخرى بمحيط العاصمة لافتات تحث على مقاطعة الانتخابات التزاما بقرار الحريري. ورغم تحرك شخصيات سنيّة للتقليل من تأثير دعوة المقاطعة على حظوظ الطائفة إلا أن توقعات سياسية تقول إن التأثير قد يكون قويا، وإن الحريري مهد لانتصار قويّ لحزب الله ليخدمه وهو خارج المشهد مثلما خدمه حين كان رئيسا للحكومة. وحذر مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، الاثنين، من خطورة مقاطعة الانتخابات، معتبرا أنها “الفرصة المتوفرة لتحقيق التغيير”. وقال المفتي دريان في خطبة عيد الفطر إن “الامتناع عن المشاركة في الانتخابات هو الوصفة السحرية لوصول الفاسدين السيئين إلى السلطة”، مشيراً إلى أن “الانتخابات النيابية فرصة أمامنا للتغيير، فليكن تغييراً نحو الأفضل، باختيار الأصلح والمشاركة الفعلية الكثيفة”. وأضاف “لقد مرّ لبنان عبر تاريخه الحديث بأزمات سياسية وأمنية صعبة ومعقدة وواجهته مصاعب اقتصادية واجتماعية كثيرة ومتداخلة، ولكنه استطاع أن يخرج منها بفضل تمسكه بوحدته الوطنية وعيشه الواحد”. وأشار إلى أن اللبنانيين اليوم قادرون “على إعادة بناء وطنهم من جديد، وعلى إعادة ترميم مؤسسات دولتهم المتداعية، وذلك انطلاقاً من اختيار أعضاء المجلس النيابي الذي يشكل المدخل إلى الإصلاح المنشود”.
مشاركة :