عانق جثمان الشهيدة الإعلامية شيرين أبو عاقلة "ابنة القدس" -كما كانت تحب أن تُنادى- ثرى القدس في مقبرة جبل صهيون، حيث يرقد والداها المتوفيان قبل نحو عامين، بعد الصلاة عليها في كنيسة "الروم الكاثوليك" قرب باب الخليل بالبلدة القديمة. لم تكن جنازة عادية، بل حدث وطني كبير، موكب جماهيري مهيب، فيض بشري، عشرات آلاف المحبين للزميلة أبو عاقلة ومسيرتها المهنية التي امتدت على أكثر من ربع قرن، مئات الزملاء الصحفيين، دبلوماسيون غربيون. انطلق الموكب من المستشفى الفرنسي في الشيخ جراح شرق القدس المحتلة، باتجاه كنيسة الروم الكاثوليك في البلدة القديمة من العاصمة المحتلة.. مرفرفا حولها العلم الفلسطيني طيلة المسير. قوات الاحتلال استنفرت عناصرها وفرق الخيالة حول المستشفى، تزامنا مع نقل جثمان الشهيدة أبو عاقلة ورفع الأعلام الفلسطينية والهتافات الوطنية، واعتدت على المشيّعين بالدّفع والضرب بالهراوات، وأطلقوا القنابل الصوتية، وحاولت منع رفع الأعلام الفلسطينية، وفرّقت المشيعين ما أدى إلى إعادة الجثمان لداخل المستشفى من قبل الشبان، وتزامناً مع ذلك، استمر المشيعون بترديد الهتافات الوطنية، وسط توتر في المكان. ووسط الهتافات والزغاريد، تمكن المشيعون من إخراج جثمان أبو عاقلة مرةً أخرى، وأثناء ذلك، اعتدت قوات الاحتلال على مركبة نقل الجثمان بشكل عنيف وهمجي. وكانت شرطة الاحتلال وضعت شروطا مسبقة لموكب التشييع، من ضمنها منع تعليق صور ويافطات تحمل صورة الشهيدة أمام كنسية الروم الكاثوليك. كما اشترطت انزال الأعلام الفلسطينية وإخراج جثمان الشهيدة في مركبة، في حين أصر المشيّعون على حمل الجثمان والوصول به إلى الكنيسة سيرا على الأقدام. وكأن الراحلة، تصر أن تسجل انتصارا آخر على قاتليها، وكأنها حتى بعد استشهادها تصر على أن تُرِي العالم بشاعة هذا الاحتلال كما كشفت قبحَه خلالَ مشوارِها المهني، لم يكترث المشيعون لشروط الاحتلال.. فأصروا على رفع العلم الفلسطيني وإعلاء الهتافات المنددة بجريمة اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة في جريمةٍ كاملة الأركان والشواهد، فما كان من جنود الاحتلال الا نزع العلم عن جثمان الشهيدة. وبعد كل هذه الاعتداءات، وصل جثمان الشهيدة إلى كنيسة الروم كاثوليك واستقبلها المقدسيون بالهتافات والزغاريد والعلم الفلسطيني، وحملوا الجثمان على الأكتاف دخولا إلى الكنيسة للصلاة بمشاركة رسمية وشعبية، فيما اعتدت قوات الاحتلال مرة أخرى على المشاركين في مراسم تشييع جثمان الشهيدة، الذين تواجدوا في محيط الكنيسة. القدس جميلة، لكنها كانت اليوم أجمل وهي تتزين بهذا الكم من الحب والوحدة في وداع ابنتها الشهيدة، ولأول مرة في تاريخ القدس، قرعت أجراس كنائس القدس بشكل موحد، إكراما لروح الشهيدة الشاهدة، كل رجال الدين المسلمين والمسيحيين، تشاركوا في حب شيرين وتشييع جثمانها الطاهر، رغم همجية الاحتلال التي حاولت النيل من هذا المشهد المهيب. لم يكتفِ الاحتلال بهذا الكم من القمع، كما لم يتكف بإشباعِ ساديته باغتيال الشهيدة أبو عاقلة، بل وصلت عنصريته بفرض مزيدٍ من حواجزه في محيط مقبرة جبل صهيون، وإغلاق كل مداخل ومخارج البلدة القديمة، لمنع الطوفان البشري من إتمام مراسم التشييع والدفن. إلى أن مئات الشبان تحدوا الاحتلال ودخلوا المقبرة رافعين العلم الفلسطيني، للمشاركة في مراسم التشييع وتوديع الفقيدة. فلسطين ودعت الصحفية شيرين أبو عاقلة.
مشاركة :