رصدت دراسة تونسية حديثة، تأثيرات الموروث الشعبي، في أعمال التشكيليان عبد العزيز القرجي، وعادل مقديش، وأضاءت على "رمزية الحيوان" في أعمالهما التشكيلية. ووفقا للدراسة التي أعدها الباحث الأكاديمي التونسي، زياد القريوي، فإن موضوع الموروث الشعبي كان ولا يزال محور إشكال وبحث في العديد من الميادين العلمية والثقافية والفنيّة من ذلك صورة الحيوان. التي حاضرة منذ الإنسان الأزل، حيث تدل الشواهد التاريخية على أن البشرية قامت برسم الحيوان لغايات متعددة، والملفت للانتباه والملاحظة لتلك القوة التعبيرية لهذه الرّسومات. الدراسة التي حملت عنوان: "انطباعيّة الموروث الشعبي من خلال التشكيل والترميز لصورة الحيوان في أعمال عبد العزيز القرجي وعادل مقديش"، وحصل "ميدل إيست أونلاين على نسخة منها"، لفتت إلى أن تاريخ الفنون التشكيلية، شهد حضور الحيوان في أكثر من موضع، فشكله يتميز بعدة صفات تسمح للفنان بتطويعه وتوظيفه في التركيبات التشكيلية، كما هو الحال في فنون الرسم من ذلك الليونة والصلابة وما تتصف به هيأته الخارجية من ألوان تأخذ في بعض الاحيان أشكال تصميمية فريدة من نوعها كالحمار الوحشي والأسد والنمر والحصان والى غير ذلك، وكأنّ اهتمام الفنان ايضا بالحيوان ككتلة متحركة تتميز برشاقتها وأناقتها ومظهرها. وتحدث دراسة الباحث زياد القريوي، عن خصوصيات صورة الحيوان بين التشكيل والترميز في الرسم التونسي وتحديدا في تجربة كل من عبد العزيز القرجي وعادل مقديش؟ وسعت الدراسة للإجابة على بعض التساؤلات مثل: هل اقتصرت هذين التجربتين على حدود التراث العربي التونسي؟ وايّ تموقع لها امام تطوّر الفنون الغربيّة من حيث التعبيرات والاساليب التشكيليّة؟ وبالتوازي مع ذلك، فيما تتجلّى الابعاد الترميزيّة في أعمال عادل مقديش وعبد العزيز القرجي في تطوير المكاسب الفنيّة في مثل هذا الموضوع نحو الحداثة والمعاصرة؟ المرجعية التاريخية وأضاءت الدراسة التي اعتمدت على مجموعة من المراجع التاريخية والمعاصرة، وما حوته المكتبات الأكاديمية العربية والأجنبية من بحوث ودراسات تتعلق بالموروث الشعبي وصورة الحيوان ورمزيتها في الفنون التشكيلية، على تجليات صورة الحيوان في مجالات الفنون عامة، وكيف أن الفنون المرئية التونسية ارتبطت بجذور تاريخية مصدرها الشرق والغرب ومؤلّفها الجغرافيّة المتوسّطيّة، لتكون في صراع مع التاريخ قصد التشبث بالهوية العربية والهوية الإقليمية مع التّفتح على العالم الخارجي سواء ان كان العالم الغربي الاوروبي أو العربي. وأكدت الدراسة على أن حضور الحيوان رسما ورمزا في الرسم التونسي يستند الى تأثرات ثقافية وحضارية من مختلف مجالات انتماء الشخصية التونسية وخاصة منها المجال المتوسطي عامة والعربي الإسلامي تحديدا. قراءة في أعمال الفنان عادل مقديش واستعرضت الدراسة أعمال الفنان التشكيلى والخطاط التونسي، عادل مقديش المولود بصفاقس سنة 1949، والذي من أبرز الفنانين التونسيّين على الساحة التونسية والعربية، الذي تلقي دراسته في مدرسة الفنون الجميلة بتونس. وفي سنة 1977 ذهب الى فرنسا وأقام لفترة بمدينة الفنون بباريس قبل أن يعود لتونس مجددا. ووفقا لدراسة الباحث زياد القريوي، فقد تميّزت اعمال عادل مقديش بأشكال من الحيوانات أكثرها حضورا هي صورة الخيل، مستمدّا في ذلك على مرجعيات تاريخية وأخري من المخزون التراثي ومن الذاكرة الجماعية وفق حكايات تاريخية شكّلها لتعطى مدلولا بصريا تشكيليا ذا بعد رمزي. وأوضحت الدراسة، أن عادل مقديش أعطى نسيجا من الزخرفة في لوحاته على مستوي الشكلي وذلك باعتماد الكتابة، اذ يرسمها في شكل حروف متناظرة ومتجانسة من جهة ومتكررة ومتعددة من جهة أخرى، فنراه يدمج الكتابة العربية مع الكتابة الأعجمية التي تذكرنا بزخرفة العربية الإسلامية. وأن الفراغ مثّل أحد أهم الخصائص التشكيلية في أعمال عادل مقديش، حيث نجده يتفنن في توظيفه وإدراجه ضمن تحديد منظم ودراسة دقيقة لبنية اللوحة، كما اعتمد الفنان عادل مقديش في كساءه للخيل على استخدام الزخارف الخطية للعمارة العربية الإسلامية ذي الامتدادات المتنوعة المجسمة برسوم مسطحة والتي كان الفنان المسلم يميل الي تغطية المساحات بالزخارف وهذا ما يلفت النظر في التحف الفنية والعمائر الإسلامية. وكما جاء بالدراسة فإن أغلبية أعمال عادل مقديش تقدم لنا ترابط حميمي عاطفي مشحون بين الحصان والأنثى الآدمية المتمثلة في الجازية الهلالية، فتوزعت المشاهد العاطفيّة في أبهي مظاهرها إضافة إلى حضور الحميمة القصوى والغرائزيّة بين الجسد الآدمي والحيوان، وكأنّ بالجازية ترى في شخصية الحصان الفارس الغائب الحاضر بمعني الرّجولة والأنفة والتعالي العربي الأصيل، إضافة إلى الكثير من الصور والتجليات الفنية للموروث الشعبي وصورة الحيوان في لوحات "قديش". قراءة في أعمال الفنان عبد العزيز القرجي الباحث الأكاديمي التونسي، زياد القريوي، قدم في دراسته فصلا كاملا تحدث فيه عن الفنان التشكيلي التونسي، عبد العزيز القرجي، الذي ولد سنة 1928، ودرس الفنون الجميلة بتونس ثم استقر بباريس مدة أربعة أعوام حيث انضم إلى ورشات تكوينية في الرسم والخزف والنسيج، لافتا إلى أن "القرجي" كان فنانا متعدد الاختصاصات، كالرسم والخزف والنسيج الفني والنحت، وكانت مواضيعه التشكيلية تصاغ من الحياة اليومية. وألقت الدراسة الضوء على مختلف الأعمال التشكيلية لعبد العزيز القرجي من لوحات وجداريات وطوابع بريدية وغيرها من المحامل التشكيلية، خاصة تلك التي حملت أشكال حيوانية تحتوي البعد التجريدي وأخرى ذات منحي واقعي. وأكدت الدراسة على أن الفنان عبد العزيز القرجي إتّخذ لنفسه منهجا فنيا يستحضر من خلاله صورة وشكل الحيوان في أغلب أعماله وفي مختلف محامله التشكيلية آخذا هذا الأخير من التراث التونسي. كما يعود بنا الفنان في تركيزه واهتمامه بتوظيف الحيوان في أعماله الى رسومات ما قبل التاريخ وبالتحديد الى رسومات كهوف ما قبل التاريخ التي يعتقد الكثير من علماء ان الإنسان قد برع في رسم الحيوانات التي يريد صيدها كالوعول والجواميس والخيول المتوحشة بطريقة دقيقة للغاية ظنا منه انه بذلك سوف يمتلك روحها ويسيطر عليها. ونبهت الدراسة الى المفارقة التى تكمن في مضمون الفعل الفني لكلّ من عبد العزيز القرجي والفنان الاول أو بم يعرف بالإنسان البدائي الذي كانت غايته من هذه الرسوم ليست لتزيين والزخرفة، انما الغرض منها مرتبط بالطقوس الدينية المرتبطة بالصيد. أما القرجي فوظّف صورة الحيوان حتى يؤكّد بذلك على بعد تراثي بدأ في عمقه مختلفا عن أدوات الفنّانين التشكيلين وخاصة فناني مدرسة تونس. وأوضحت الدراسة أن "القرجي" يطرح من خلال أعماله رؤى تشكيلية تتداخل فيها المرجعيات، حيث تتضح في تحويل شكل الحيوان بمنحه فرصة الانعتاق من الشكل الأكاديمي وإمكانية التشكل حسب تصورات خيالية وحالمة، حيث إتّخذ التراث التونسي كمصدر إلهام في أعماله التشكيلية مثل النقوش والرّقوش التراثية التي نجد لها أصلا في الزربية والقصبة والأثواب وفي كثير من أنواع الحلي. وأن بعض الأعمال اتخذت منحي زخرفي حيث غيبت الزخرفة شكل الحيوان في بعض الأحيان واستمدت منه جانب جمالي يسيطر عليه التبسيط والزخرف والرهافة. وخلصت دراسة الباحث الأكاديمي التونسي، زياد القريوي، إلى أن صورة الحيوان في الرسم التونسي، وتحديدا، في تجربة كل من الفنانين عادل مقديش وعبد العزيز القرجي اتت مفعمة بالأبعاد التشكيلية والترميزية، فاتخذ شكل الحيوان دلالات مختلفة مرتبطة بإرث الحضاري والفني والثقافي بصفة عامة، فالفنون التشكيلية في تونس كغيرها من فنون البلدان الأخرى يتأصّل فيها الحيوان في الفنون التطبيقية او الفنون التشكيلية. وانّه في الفن التشكيلي التونسي بصفة عامة، وأعمال مقديش والقرجي بصفة خاصة اهتمام بالموروث الثقافي والذاكرة الشعبية، وحضور للثقافتين العربية الإسلامية.
مشاركة :