أظهرت النتائج الرسمية للانتخابات النيابية اللبنانية التي نشرت الثلاثاء فقدان جماعة حزب الله وحلفائها، الذين يدعمون وجودها المسلح، الأغلبية في البرلمان اللبناني التي كانوا يحتفظون بها منذ عام 2018، مما يوجه ضربة كبيرة للجماعة المدججة بالسلاح. وكان حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد والمدعوم من طهران، يحتفظ مع حلفائه بقرابة سبعين مقعدا من إجمالي 128 في البرلمان المنتهية ولايته. وتظهر نتائج الانتخابات، وفق محللين، أن البرلمان سيضمّ كتلا متنافسة لا تحظى أيّ منها منفردة بأكثرية مطلقة، ما سيجعله عرضة أكثر للانقسامات، وهو ما يزيد من احتمالات الشلل السياسي والتوترات التي قد تؤخر الإصلاحات، التي تشتد الحاجة إليها لإخراج لبنان من الانهيار الاقتصادي. وفازت لوائح المعارضة المنبثقة عن التظاهرات الاحتجاجية ضد السلطة السياسية، التي شهدها لبنان قبل أكثر من عامين، بثلاثة عشر مقعدا على الأقل في البرلمان الجديد، وفق ما أظهرته النتائج النهائية. و12 من الفائزين هم من الوجوه الجديدة ولم يسبق لهم أن تولوا أي مناصب سياسية، ومن شأن هؤلاء أن يشكلوا مع نواب آخرين كتلة في البرلمان تكرّس نهجا مختلفا في العمل البرلماني، في بلد يقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية وتغليب منطق الصفقات. ويشغل حزب الله وحركة أمل الشيعية والتيار الوطني الحر المسيحي وعدد من النواب الآخرين الذين يُنظر إليهم على أنهم يؤيدون الوجود المسلح للجماعة في البلاد، الآن نحو 62 مقعدا مقابل 71 في البرلمان المنتهية ولايته. وحقق معارضو حزب الله، بما في ذلك حزب القوات اللبنانية، وهو فصيل مسيحي، مكاسب. وقال حزب القوات اللبنانية إنه تجاوز التيار الوطني الحر المتحالف مع حزب الله كأكبر حزب مسيحي منفرد في لبنان، بحصوله على عشرين مقعدا. سحب البساط من تحت أقدام حزب الله سحب البساط من تحت أقدام حزب الله والانتخابات هي الأولى بعد انهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850، وبعد احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد السلطة، وانفجار مروّع في الرابع من أغسطس 2020 في مرفأ بيروت، أودى بحياة أكثر من مئتي شخص ودمّر أحياء من العاصمة. وأمام البرلمان الجديد استحقاقات داخلية عديدة، أولها انتخاب رئيس له، واختيار شكل الحكومة المقبلة، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية. ويقوم النظام السياسي اللبناني على أساس اقتسام السلطات والمناصب السيادية وفقا للانتماءات الدينية والطائفية. وكرّس اتفاق الطائف لعام 1989، والذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990) معادلة اقتسام السلطة والمناصب الرئيسية على أساس المحاصصات بين المكونات الأساسية الثلاثة: المسيحيين والسنة والشيعة. وتتوزع الرئاسات الثلاث بواقع الجمهورية للمسيحيين، والحكومة للسنة، والبرلمان من حصة الشيعة. ومنذ عام 1992، ترأس نبيه بري (84 عاما) البرلمان اللبناني لست مرات متتالية، وهو رئيس "حركة أمل" حليفة "حزب الله". وعن فرص بري بتولي الرئاسة للمرة السابعة، قال الصحافي والمحلل السياسي فادي أبودية إن "الثنائي الشيعي (حزب الله وأمل) حصل على أصوات المقاعد الشيعية في البرلمان الجديد (27 مقعدا)، وبالتالي لن يترشّح أحد بوجه نبيه بري، لذا لا مجال للتغيير". وقال الصحافي والمحلل السياسي طوني عيسى إن "غالبية النواب المسيحيين يريدون اختيار شخصية مختلفة عن بري، لكن عند الوصول إلى التطبيق يختلف الأمر، لأنه لا وجود لبديل آخر عنه". وتابع عيسى أن "حصول الثنائي الشيعي على كل المقاعد (الشيعية) في البرلمان قطع الطريق على وصول أي شخص من خارج المنظومة إلى رئاسة البرلمان". واتفق معهما المحلل السياسي إبراهيم بيرم قائلا إنه "لا يوجد نائب شيعي مستقل عن الثنائي الشيعي في البرلمان لكي يتم انتخابه". وأردف "بري يحظى بتأييد كبير من حزب الله وحركة أمل وتيار المردة وبعض المستقلين.. والقوات اللبنانية وحزب الكتائب لم ينتخبا بري منذ دخولهما البرلمان". أما بالنسبة إلى "التيار الوطني الحر"، بزعامة جبران باسيل والذي يعاني إشكالات سياسية عدة مع بري، فقال بيرم إن "هناك مفاوضات بين الطرفين، ومن المحتمل أن يعطي التيار صوته لبري". الوافدون الجدد وفي الثاني والعشرين من مايو الجاري، تعتبر الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي في حكم المستقيلة، من دون الحاجة إلى استقالة ترفعها إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، ليكون لبنان على موعد مع تشكيل حكومة جديدة. وعن سرعة تشكيل الحكومة من عدمها، قال أبودية "إننا أمام مسار طويل لتشكيل حكومة، كون شكل المجلس النيابي يختلف عن كل السنوات السابقة، ولن نشكل حكومة بشكل سريع وسهل". وتابع "إننا أمام لوحة نيابية معقدة، وننتظر لنرى مع من سيتحالف المستقلون في المجلس النيابي، لكي تتضح صورة التحالفات". أما بيرم فقال إن "البلد أقرب إلى نموذج حكومة وحدة وطنية أكثر من حكومة أكثرية". واعتبر أن "رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي هو الأوفر حظا لترؤس مجلس الوزراء المقبل، فهو على علاقة جيدة مع كل الأطراف في البلاد، وخطابه ليس عالي النبرة ويلقى تأييدا من دار الفتوى، وهو ضمن نادي رؤساء الحكومات السابقين". واستطرد "ميقاتي هو المؤهل الوحيد لإدارة هذه المرحلة". أما عيسى فقال "بما أن المسافة الفاصلة بين اليوم وبين انتخاب رئيس للجمهورية قصيرة (31 أكتوبر المقبل)، فمن المحتمل أن تستمر حكومة ميقاتي بالعمل كحكومة تصريف أعمال، وهي التي ستدير عملية انتخاب رئيس الجمهورية". وتنتهي ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون في الحادي والثلاثين من أكتوبر 2022، حيث انتخبه أعضاء البرلمان عام 2016 وأنهى آنذاك فراغا رئاسيا استمر 29 شهرا. وعن استحقاق رئاسة الجمهورية، قال أبودية إن "موضوع الرئاسة سيكون أمام محطة للسجال والمناكفة السياسية، ونخشى أن نقع في الفراغ، خاصة أن الفراغ سيأتي في ظل أزمات معيشية ونقدية ومالية كبيرة، لذلك من الممكن أن يكون كالقنبلة في الداخل اللبناني". كذلك رأى عيسى أن "الكرسي الرئاسي أمام مأزق، فإما أن نقع في فترة فراغ، وإما أن يتم الاتفاق على اسم من خارج الرؤساء الموارنة الأربعة الأكثر تمثيلا وهم: سمير جعجع، جبران باسيل، سامي الجميل وسليمان فرنجية". ورجح أنه "إذا تعقدت الأمور أكثر، فسيتمّ الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي تأتي ضمنه سلة متكاملة من الحلول، منها حلّ مسألة الرئاسة". واعتبر بيرم أن "هناك ثلاثة مرشحين متوقعين لرئاسة الجمهورية، هم سليمان فرنجية باعتباره ممثل فريق سياسي بالبلد ومقربا من حزب الله وسوريا، وسمير جعجع باعتباره زعيم أكبر كتلة مسيحية في البرلمان". وتابع "المرشح الثالث، والذي سيعد كحلّ وسطي، هو قائد الجيش اللبناني جوزيف عون.. حظوظ رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل (صهر ميشال عون) قليلة بسبب العقوبات الأميركية عليه". ولم يستبعد بيرم الوقوع في فراغ رئاسي، قائلا إنه "أمر وارد". وفي نوفمبر 2021، قال الرئيس عون إنه ينوي ترك منصبه بعد انقضاء فترة ولايته، مشيرا إلى أنه سيبقى في حال اتخاذ مجلس النواب قرارا لاستمرار توليه الرئاسة.
مشاركة :