بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، أصبحت حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في عين العاصفة، وبرزت كل آراء خصومها مجدداً، وجرى ربطها بالإرهاب. ولكن، سرعان ما تبدّد هذا الهجوم الذي لا يستند إلى حقائق، وكان لبعض الباحثين الغربيين دور في التفريق بين حركة التجديد وبين الإرهاب الذي تبنّاه تنظيم «القاعدة». ودحضت الباحثة الأميركية «ناتانا دي لونج»، في رسالة علمية، كثيراً من الافتراءات التي نُشرت في بعض وسائل الإعلام الغربية، وأكدت في رسالة علمية من جامعة جورج تاون الأميركية، أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لا علاقة تربطها بالعنف ومعتقداته، وفسّرت عمق التباين بين ما تحمله دعوة الشيخ السلمية وفكر ابن لادن. يتجاهل خصوم دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، سمتها الأبرز، وينكرون أنها تقوم على الثنائية بين الشيخ والأمير، وإن شئت، بين الديني والسياسي. وتميز بوضوح ما بين الديني والسياسي في الدولة، وعلماؤها غير مسيسين، وليست لديهم طموحات سياسية، وهي على النقيض من حركات الإسلام السياسي الراهنة التي تجعل الشيخ أو المرشد هو القائد السياسي، فضلاً عن أن «الوهابية» أصبحت قوة توحيد جبارة، وأنجبت دولة عضواً في مجموعة العشرين، وتنتمي إلى النظام الرأسمالي في الاقتصاد. ومن يتأمّل دعوة الشيخ، فسيجد أنها سارت على النهج الذي تلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. حين تولى أبو بكر الصديق الخلافة، نصّب عمر بن الخطاب على القضاء. كان أبو بكر هو السياسي، وعمر هو الشيخ، هو الديني. واستمرت الدولة العربية الإسلامية على هذا النهج، والدعوة الوهابية عاودت التجربة ونجحت، على نحو يُعد سابقة في تاريخ حركات الإصلاح. حتى أن المستشرق الأميركي «آيرا لابيدوس» كتب عن تمييز هذه الدعوة بين الديني والسياسي، قائلاً أن «الوهابية تمثل الشكل البدائي للعلمانية»، وهي صيغة مبالغة تشير بوضوح إلى أن حركة الشيخ لم تقم دولة دينية على غرار ما فعله الخميني في إيران. أما اتهام الدعوة بالعنف، فمردّه إلى أن دعوات الإصلاح والتجديد لا ترضى في بدايتها بالمقايضة على مبادئها، لهذا تواجه مقاومة عنيفة، فترد عليها بالمثل، وهذه حال كل ثورات الإصلاح والتجديد. لكنها سرعان ما هدأت، وتبنت معتقد الصدر الأول للإسلام، و «منهاج النبوة»، وأحيت منهج أهل السنّة والجماعة، ونفضت غبار البدع عنه، فضلاً عن أنها جعلت التوحيد أساس دعوتها، وانصب جهدها على نبذ صور الشرك، وتحرير العقل من الوثنية، والعبودية لغير الله. لا شك في أن مصطلح «الوهابية» نعت سياسي هدفه التنفير من هذه الدعوة، والإيحاء بأنها تبتدع مذهباً جديداً، على رغم أنها عادوت تحرير معتقد الأئمة الأربعة، واستندت في الفقه إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، إمام السنّة والحديث، ولم تحدث في الإسلام حرفاً واحداً، و تسميتها بـ «الوهابية» نشأت لأهداف سياسية صرفة. الأكيد أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب واجهت، منذ قيامها، حرباً شرسة، لكنها اليوم تواجه حرباً أشد، إذ تربطها بالعنف السائد في المنطقة، لهذا فإن طرح مضمون هذه الدعوة أفضل ردٍّ على هذا الهجوم المتجنّي عليها، فضلاً عن أن التنويه بدور هذه الدعوة في قيام دولة مدنية، أصبحت ميزان الاستقرار في منطقة مضطربة، سيبدّد كل الترهات التي يجرى ترديدها اليوم.
مشاركة :