دفعت الحرب الروسية على أوكرانيا فنلندا والسويد إلى السعي للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتقدمت الدولتان بطلبين رسميين لتحقيق غايتهما، أملا في أن يوفر ذلك لهما المزيد من الحماية من أي تطور ربما يشهد هجوما روسيا على إحديهما، أو كلتيهما، مستقبلا. وتتعين موافقة الدول الأعضاء الثلاثين بالحلف، بالإجماع، على الطلبين لقبولهما، وهو أمر شبه مؤكد في ظل الرغبة في توسيع التحالف العسكري الغربي، وقد أكدت ذلك الولايات المتحدة، أكبر عضو، على لسان رئيسها جو بايدن لدى استقباله الرئيس الفنلندي ورئيسة وزراء السويد خلال لقاء في البيت الأبيض الخميس الماضي، مؤكدا أن انضمامهما من شأنه أن يعزز قوة الحلف. ولكن معارضة تركيا لانضمام الدولتين تحول دون ذلك، ولو بشكل مؤقت. ويقول محللون إن تهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمنع توسيع الحلف، عبر ضم فنلندا والسويد، يثير الشكوك بشأن الاعتماد على أنقرة كعضو في التحالف. تهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بممارسة أنقرة حق الفيتو (النقض) لصد فنلندا والسويد تفوح منه رائحة الانتهازية ويوصي المحللون زعماء الولايات المتحدة وأوروبا بأن يوضحوا لأردوغان أن معارضته لضم الدولتين تقوض الأمن الجماعي لحلف الأطلسي، وأن يكونوا على استعداد لفرض عواقب حال استمرت هذه المعارضة. ومعارضة أردوغان، الشكلية، لمنح عضوية الناتو لفنلندا والسويد تستند إلى أن الدولتين الاسكندنافيتين تؤويان انفصاليين ينتمون للأقليات الكردية في تركيا، وبينهم أعضاء في جماعات إرهابية. وتشكو أنقرة منذ سنوات من أن أعداءها يجدون، دون عناء، مأوى لدى أصدقائها، ومنهم دول أعضاء في الناتو. وخلال اجتماع لسفراء الحلف الأربعاء الماضي رفضت تركيا الموافقة على قبول طلبي الدولتين، وهي خطوة ضرورية في عملية انضمامهما إلى الناتو. وبالنظر إلى أن أردوغان أبلغ الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو في وقت سابق أنه سوف ينظر بشكل إيجابي لطلب هلسنكي للحصول على العضوية، فإن تهديده بممارسة أنقرة حق الفيتو (النقض) تفوح منه رائحة الانتهازية. ويصر الرئيس التركي على أنه يجب على فنلندا والسويد قمع الأنشطة الكردية المناوئة لتركيا لديهما، وهو ما تفعله دول أخرى في الحلف، على حد قوله. والأهم من ذلك، يريد أردوغان أن يسقط الأعضاء الآخرون القيود على تقديم معدات عسكرية أكثر تطورا لأنقرة، وهي القيود التي تم فرضها نتيجة قرار أنقرة شراء منظومة إس – 400 الروسية للدفاع الجوي، وهو أمر من شأنه أن يعرض قدرات الحلف العسكرية إلى الخطر. وبالنظر إلى السلوك الذي لا يمكن التنبؤ به للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن الناتو على يقين من أن الحلف سيواجه أزمات أكثر تكرارا، حيث يتعين عليه التحرك سريعا، وعلى نحو حاسم. قرار انظمام الدولتين للناتو بيد بايدن قرار انظمام الدولتين للناتو بيد بايدن وكان الرئيس الأميركي طلب من الكونغرس الموافقة على بيع أسلحة ومعدات تحديث لطائرات إف - 16أميركية الصنع، تملكها تركيا. و يتعين على بايدن، حسب محللين، أن يعلن أنه سيتم وقف هذه العملية حال حاولت أنقرة تعطيل أو عرقلة انضمام فنلندا وتركيا للناتو. وإلى حين إفصاح أردوغان عن نواياه بشكل واضح، يوصي المحللون بخفض مشاركة تركيا في عمليات التخطيط والتدريب الخاصة بالحلف إلى الحد الأدنى، ودفع أردوغان إلى الصف الخلفي – بالمعنى الحرفي والمجازي - في اجتماعات زعماء التحالف العسكري.وإذا لم يفلح الزجر البسيط في دفع أردوغان إلى تغيير سلوكه، يتعين التفكير في عقوبة أشد. ولكن قواعد حلف الأطلسي لا تسمح بطرد أحد الأعضاء، ولكن التجاهل المتعمد من أردوغان للصالح العام، يشير إلى الحاجة إلى مراجعة هذه القواعد. وقد اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مراجعة القواعد الخاصة بالاتحاد الأوروبي، وهي بالمثل لا تسمح بطرد أي عضو. ويستطيع بايدن أيضا أن يطلق بالون اختبار فيما يتعلق بالناتو في هذا الشأن. وفي حين أن أردوغان قد يرد على هذا التأنيب/التوبيخ بالتهديد بالانسحاب من الناتو، ليس من المرجّح أن يمضي قدما في هذا الاتجاه: فمن ناحية، لا تسمح المخاطر التي تحيط باقتصاد بلاده بأيّ مساحة لخلاف مستدام مع الغرب، كما أنه في ظل سعي أردوغان لولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية التركية المقررة العام المقبل، لن يكون بمقدوره أن يتحمل جلب المزيد من الآلام لشعبه. كما أن الأداء السيء لروسيا في الحرب على أوكرانيا يشير إلى أن مصلحة تركيا هي في التحالف مع الغرب، وليس مع بوتين.
مشاركة :