عادت تركيا مساء الثلاثاء عن رفضها انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، الأمر الذي كانت تعارضه منذ منتصف مايو على ما أعلن الناتو والدول الثلاث المعنية. وقال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ "يسعدني أن أعلن أننا توصلنا إلى اتفاق يفتح الباب أمام دخول فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي"، ويستجيب "لمخاوف تركيا حول صادرات الأسلحة ومكافحة الإرهاب". وأضاف "ستتمكن دول الناتو تاليا من دعوة البلدين الواقعين في شمال أوروبا رسميا الأربعاء للانضمام إلى الحلف". وأتى الاتفاق الذي أكدته أولا الرئاسة الفنلندية، بعد محادثات استمرت لساعات في قصر المؤتمرات، حيث تنعقد قمة الناتو حتى الخميس بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الفنلندي ورئيسة الوزراء السويدية بمشاركة ستولتنبرغ كوسيط. وفي ختام هذه المفاوضات وقع القادة الثلاثة اتفاقا بحضور الأمين العام للناتو. وقال الرئيس الفنلندي سولي نينيستو الثلاثاء إن تركيا وافقت على دعم طلب العضوية المشترك الذي قدمته بلاده والسويد لحلف شمال الأطلسي، وهو ما يمثل اختراقا في أزمة كانت ستلقي بظلالها على قمة قادة الحلف في مدريد. وقال نينيستو إن قادة الدول الثلاث وقعوا اتفاقية مشتركة بعد محادثات الثلاثاء، وأضاف أن المذكرة "تؤكد أن تركيا ستدعم في قمة مدريد هذا الأسبوع طلب فنلندا والسويد للانضمام إلى عضوية الناتو". وأضاف نينيستو أن "هذا التطور المهم" جاء بعدما وقعت الدول الثلاث مذكرة مشتركة لـ"تقديم دعمها الكامل في مواجهة التهديدات لأمن بعضها بعضا". وقالت رئيسة الوزراء السويدية ماغدالينا أندرسون إن انضمام بلادها "سيعزز أمن السويد والشعب السويدي في هذه المرحلة المضطربة". وتركيا العضو في الحلف منذ العام 1952 كانت تعارض انضمام السويد وفنلندا إلى التحالف، إذ كانت تتهمهما بإيواء مسلحين من حزب العمال الكردستاني، وهو منظمة تعتبرها أنقرة "إرهابية"، وكانت تدين استضافة البلدين أنصارا للداعية التركي فتح الله غولن الذي تتّهمه بتدبير محاولة انقلاب في يوليو 2016. لكن الرئيس التركي أعلن في نهاية المطاف أن أنقرة انتزعت "تعاونا كاملا" من فنلندا والسويد ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني وحلفائهم. وقالت الرئاسة التركية في بيان إنّ "تركيا حصلت على ما تريده" من المحادثات مع السويد وفنلندا. والاتفاق الذي وقّعه مساء الثلاثاء أمام الكاميرات وزراء خارجية الدول الثلاث سيتيح لقادة الدول الأعضاء في التحالف في قمتهم في مدريد، إظهار وحدة الصف في مواجهة روسيا التي أكدت أنها تريد استسلام أوكرانيا. وقال بيان صدر عن الدول الثلاث إن تركيا والسويد وفنلندا قررت "تعزيز التعاون في ما بينها في سبيل منع أنشطة التنظيمات الإرهابية"، مشيرا إلى أن "تركيا تؤكد دعمها لسياسة الباب المفتوح للناتو، وتعرب عن دعمها لدعوة فنلندا والسويد للانضمام إلى الحلف في قمة مدريد". وتابع البيان أن السويد وفنلندا "ستبدآن بالتحقيق في أنشطة جمع الأموال وتجنيد المقاتلين لصالح "العمال الكردستاني" وكافة امتداداته، وستمنعان تلك الأنشطة"، كما "ستتعاملان بسرعة مع طلبات ترحيل أو تسليم مشتبهين بالإرهاب، عبر مراعاة المعلومات والأدلة المقدمة من تركيا". وأضاف البيان أن تركيا والسويد وفنلندا تؤكد عدم وجود أي حظر في ما بينها بعد الآن بخصوص الأسلحة. وأوضح الرئيس الفنلندي للصحافيين أن المذكرة الثلاثية "لا تتضمن أسماء أفراد مطلوب تسليمهم"، مضيفا أنها تصف "مبادئ تسليم المجرمين المتعلقة بالإرهاب، ولا تتضمن أفرادا". وعلى إثر الإعلان عن موافقة تركيا على انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، أكّد البيت الأبيض الثلاثاء أنّه لم يقدّم أيّ تنازلات لتركيا لضمان إعطائها الضوء الأخضر لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي. وقال مسؤول كبير في الرئاسة الأميركية لصحافيين "لم يكن هناك أيّ طلب من الجانب التركي للأميركيين لتقديم تنازل معيّن". وأضاف، طالبا عدم الكشف عن هويته، أنّ قرار تركيا "يوفّر دفعا قويا" لوحدة حلف شمال الأطلسي. وتركيا عضو مهمّ في الحلف الأطلسي وتتمتّع بموقع استراتيجي حسّاس، لكنّ علاقاتها غالبا ما تتّسم بالتوتّر مع شركائها الأوروبيين ومع واشنطن، القوة العسكرية الأساسية في الحلف. وبلغ التوتّر بين الولايات المتّحدة وتركيا أوجه في 2019، حين أقصت واشنطن أنقرة من مشروع لتطوير مقاتلات شبح فائقة التطور من طراز أف - 35، وذلك ردّا على شراء الأتراك منظومة أس - 400 الصاروخية الروسية المضادّة للطائرات. ومؤخّرا سعت تركيا إلى شراء مقاتلات أميركية جديدة من طراز أف - 16 وتحديث أسطولها من هذه المقاتلات، لكنّ هذه الصفقة يجب أن تحظى بموافقة الكونغرس الأميركي. ويحذّر خبراء من أنّ الفيتو التركي على انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف الأطلسي يمكن أن يعتبره أعضاء في الكونغرس ابتزازا من جانب أنقرة، ومحاولة تركية لانتزاع تنازلات أميركية. وتعليقا على هذه المسألة، قال المسؤول الأميركي للصحافيين إنّ "الولايات المتّحدة لم تقدّم أيّ شيء يتعلّق مباشرة بهذا الأمر". وشدّد المسؤول الكبير في البيت الأبيض على أنّ قرار أنقرة رفع الفيتو هو ثمرة اتفاق ثلاثي تركي - فنلندي - سويدي، ولا علاقة لواشنطن به. وقال "ليست هناك أيّ صلة بين المطالب التركية من الولايات المتحدة وهذا الاتفاق. هذا الاتفاق هو حصرا بين الدول الثلاث: تركيا وفنلندا والسويد. الولايات المتحدة ليست جزءا منه". وإذ لفت المسؤول إلى أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن رفض أن تكون الولايات المتحدة "وسيطا" بين تركيا وفنلندا والسويد أو أن تكون "في وسط" الاتفاق الذي توصّلت إليه هذه الدول الثلاث، اعتبر أنّ الرئيس الأميركي يستحقّ الثناء على الجهود الدبلوماسية الحثيثة التي بذلها خلف الكواليس توصّلا إلى هذه النتيجة. وأوضح المسؤول الأميركي أنّ بايدن هو الذي عمد، بعيد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في أواخر فبراير، إلى "مدّ يده" إلى كلّ من فنلندا والسويد "لبدء المناقشات" بشأن انضمامهما إلى الحلف الأطلسي. وأضاف أنّ تركيا بمجرّد أن أعربت عن معارضتها لانضمام الدولتين الإسكندنافيتين، بدعوى أنّهما تؤويان نشطاء أكرادا مناهضين لها، حتى بدأت إدارة بايدن ببذل جهود دبلوماسية لرفع الفيتو التركي. وقال المسؤول في البيت الأبيض إنّ بايدن ونظيره التركي رجب طيب أردوغان تحادثا هاتفيا الثلاثاء وسيلتقيان سويا الأربعاء، مشدّدا على أنّ الرئيس الأميركي "حريص" على إحراز تقدّم في العلاقات بين واشنطن وأنقرة.
مشاركة :