هل أصبحت وسائل الإعلام المطبوعة عفا عليها الزمن؟ يعتقد الكثير من الناس ذلك، في ظل الانتشار الهائل والمتصاعد لتكنولوجيات الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية وغيرها من وسائل الاتصال والمعلومات وكذا مواقع التواصل الاجتماعي التي تتنافس جميعها على جذب انتباهنا، لكن هذا الاعتقاد من جانب الناس يكذبه الكاتب وعالم اجتماع والباحث نيكولاس كار أحد المرشحين لجائزة "بوليتزر"، مؤكدا أن هناك تراجعا كبيرا في الإقبال على الكتب والمطبوعات الإلكترونية في حين عاودت الكتب الورقية الصعود. وقال كار في محاضرته بالمؤتمر الدولي للنشر العربي والصناعات الإبداعية، الذي نظمه مركز أبوظبي للغة العربية، وعنونها بـ "القراءة في زمن الاضطراب" في أميركا عام 2010 كان تصاعد الكتب الإلكترونية هائلا، كان الناس يتدفقون على الشاشة، فيما كانت الكتب الورقية في انحدار، كان الورق نخبويا، بعد ذلك بقليل ثبت مقياس الكتب الإلكترونية وبدأت الكتب الورقية في التحرك نحو الصعود، ثم بدأ الكتاب الإلكتروني في الانحدار، والآن 79% من حجم المبيعات في السوق الإلكتروني للكتاب الورقي فيما الكتاب الإلكتروني ولت مبيعاته إلى 7%. وأضاف "لقد أصبحت النظرة العامة للصفحة المطبوعة أكثر إشراقًا. تشير الحقائق الجديدة، بنفس القدر من الصعوبة، إلى أن الكلمات ستستمر في الظهور على الأوراق لفترة طويلة. تراجعت مبيعات الكتب الإلكترونية، التي ارتفعت بشكل كبير بعد إطلاق أمازون كيندل في أواخر عام 2007، تراجعا خطيرا في الأشهر الأخيرة - فقد ارتفعت بنسبة 5 في المائة فقط في الربع الأول من هذا العام، وفقًا لتقارير الناشرين - في حين أن مبيعات الأغلفة الورقية مرنة بشكل مدهش. لا تزال الكتب المطبوعة تمثل حوالي ثلاثة أرباع مبيعات الكتب الإجمالية في الولايات المتحدة، وإذا تم أخذ مبيعات الكتب المستعملة، التي كانت مزدهرة، في الاعتبار، فمن المحتمل أن ترتفع هذه النسبة إلى أعلى. كشفت دراسة استقصائية حديثة أنه حتى أكبر المعجبين بالكتب الإلكترونية يواصلون شراء الكثير من المجلدات المطبوعة". وتابع كار "واجهت الدوريات صعوبة في ذلك بفضل وفرة البدائل المجانية عبر الإنترنت. لكن يبدو أن الاشتراكات في المجلات المطبوعة آخذة في الاستقرار هذا العام. على الرغم من أن بعض المنشورات تكافح من أجل البقاء، إلا أن البعض الآخر يتمسك بقرائها. بينما تنمو الاشتراكات الرقمية بذكاء، إلا أنها لا تمثل سوى شريحة صغيرة من السوق، ولا يبدو أن الكثير من قراء المجلات متحمسون للتبديل إلى الإصدارات الإلكترونية. وجدت دراسة استقصائية لمالكي أجهزة iPad وغيرها من أجهزة الكمبيوتر اللوحية، أجريت في وقت سابق من هذا العام، أن ثلاثة أرباعهم ما زالوا يفضلون قراءة المجلات على الورق. حتى أن هناك بعض الومضات في صناعة الصحف المحاصرة. يبدو أن انتشار نظام حظر الاشتراك غير المدفوع وتجميع الاشتراكات المطبوعة والرقمية يخفف من التدهور طويل الأجل في توزيع المطبوعات. بعض الأوراق الرئيسية". ولفت إلى الاختلافات بين الصفحة والشاشة تتجاوز الملذات اللمسية البسيطة لمخزون الورق الجيد. بالنسبة للعقل البشري، فإن سلسلة الصفحات المرتبطة ببعضها البعض في كائن مادي مختلفة تمامًا عن الشاشة المسطحة التي لا تعرض سوى "صفحة" واحدة من المعلومات في كل مرة. تبين أن الوجود المادي للصفحات المطبوعة، والقدرة على التنقل بينها ذهابا وإيابا مهمان لقدرة العقل على التنقل في الأعمال المكتوبة، خاصة الأعمال الطويلة والمعقدة. نطور بسرعة خريطة ذهنية لمحتويات النص المطبوع، كما لو كانت حجته أو قصته رحلة تتكشف عبر الفضاء. إذا كنت قد التقطت كتابا قرأته منذ فترة طويلة واكتشفت أن يديك تمكنت من تحديد مقطع معين بسرعة، فقد واجهت هذه الظاهرة. وأشار كار إلى أن بحثا أجرى على طلاب وموظفون من مختلف الأعمال على مدار أسبوعين حول كيف يستخدم هؤلاء الأشخاص هواتفهم الذكية خلال اليوم؟ وتم عمل مخطط للكيفية التي يستخدم فيها شخص هاتفه الذكي، ووجد أنه ينظر أكثر من 80 مرة على مدار 24 ساعة، وأن الوقت الذي لا ينظر فيه إلى هاتفه هو وقت النوم فقط. إنه من الصعب للغاية القراءة المتعمقة على الهاتف الذكي في ظل إشعارات تفقدنا التركيز. نعم العقل البشري مرن لكني أرى خطرا كبيرا عليه من سيطرة هذه الأجهزة عليه. أكد أن التحدي الأكبر الذي يواجه الإنسان جراء سيطرة الأجهزة الذكية عليه هو أن القدرة على تحويل المعلومات إلى معرفة، ولحدوث ذلك لابد لابد أن تذهب المعلومات إلى الذاكرة طويل الأمد وليس قصيرة الأمد، فالذاكرة نوعان طويلة الأمد وقصيرة الأمد، القصيرة تشكل الجزء الرئيسي من الوعي لكن طاقتها الاستيعابية صغيرة، فتوالى الإشعارات المعلوماتية على شاشة الهاتف يزيح بعذها البعض من الذاكرة القصيرة. أما الذاكرة طويلة الأمد فهي "حوض السباحة العميق" كما يقولون حيث تتخلق داخلها وتتصل الروابط المعلوماتية ومن تنتج المعرفة، ولإيصال ما يصلنا من معلومات إلى هذه الذاكرة لابد من الانتباه والحذر من التشتت المتواصل للإشعارات والمعلومات كون ذلك يشكل حمولة زائدة بما لا يفيد الطاقة الاستيعابية للعقل ومن ثم تخدل هذه الحمولة على الذاكرة قصيرة المدى ولا تصل إلى الذاكرة طويلة المدى الأمر الذي لا ينتج معرفة، والأشخاص الذين يقضون أوقاتا طويلة أمام الشاشات يجدون صعوبة بالغة في تبين ما هو هام وما هو أكثر أهمية. وقال كار إن القراءة العميقة التي تتيحها الصفحات المطبوعة كتبا أو مجلات أو جرائد قيمة ليس فقط للمعرفة التي نكتسبها من كلمات المؤلف ولكن للاهتزازات الفكرية التي تنطلق بها تلك الكلمات في أذهاننا. في المساحات الهادئة المفتوحة من خلال القراءة المستمرة وغير المشتتة للكتاب، أو بأي فعل تأملي آخر، في هذا الصدد، نقوم بعمل ارتباطات خاصة بنا، ونرسم استنتاجاتنا وقياساتنا الخاصة، ونعزز أفكارنا الخاصة، إنها القراءة العميقة التي تجعل العقل البشري في أفضل حالاته رؤية وتفكيرا وإحساسا. إنها مخزوننا الداخلي من الميراث الثقافي الكثيف. وأوضح أنه ربما نكون مخطئين في التفكير في الكلمات على الشاشات كبديل للكلمات على الورق. يبدو أنها أشياء مختلفة، وتناسب أنواعا مختلفة من القراءة وتوفر أنواعا مختلفة من التجارب الجمالية والفكرية. قد يستمر بعض القراء في تفضيل الطباعة، وقد يطور البعض الآخر آلية جديدة للتعامل الرقمي، فيما لا يزال آخرون ينتقلون بين الاثنين المطبوع والالكتروني. وأخيرا طالب كار بضرورة حماية القراءة المتعمقة والتشجيع عليها، محذرا من أنه ما لم نقم بذلك فإن حجم القدرات العقلية سوف يتراجع حتى ليصعب السيطرة على التفكير والمشاعر. مما سيؤثر تأثيرا سيئا على بناء الشخصية المستقبلية.
مشاركة :