ملهي شراحيلي لقد أنتجت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عدة أزمات وانبثقت عنها عدة جبهات، وتطوراتها في كل يوم تزداد تعقيداً، ومع قناعة الجميع – تقريباً – أن الحل لن يكون عسكرياً، إلا أن الجميع يدفع في هذا الإتجاه.! إلى هذه اللحظة لايزال الأوكرانيون عازمون على مواصلة القتال، والغرب مصمم على تزويدهم بالوسائل للقيام بذلك، وروسيا لا تفتأ تعدّ عدتها وتختار مواقع توجيه نيرانها بكل دقة. مع أن روسيا حطمت مؤخراً دفاعات مصنع «آزوفستال» في ماريوبول، وترَك الجنود الأوكرانيون الأرض، إلا أن الحرب لم تنتهِ بعد. فإقليم الدونباس يشتعل، وحدود بولندا تغلي، وفنلندا والسويد تتأهبان لردة فعل بوتين، إذا ما انضمتا للناتو. والسؤال المطروح الآن: إلى أي مدى سوف يصمد الأوكرانيون؟ وإلى أي مدى سوف يستمر الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا؟ وقبل هذا وذاك: ماهو المقابل؟ ماهي المكاسب التي سوف تحققها أوكرانيا في استمرار الحرب سوى حصد المزيد من القتلى والمشردين؟ وماهي المكاسب التي ينتظر الغرب تحقيقها من وراء الدعم العسكري لأوكرانيا؟ وما فائدة روسيا من المماطلة وتأجيل الحسم؟ والأهم من هذا وذاك: هل الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا مساعدات مجانية أم قروض مؤجلة؟! هل يخطط الغرب في القضاء على الشعب الأوكراني وفنائه؟ أم يحاول أن يؤجل المواجهة مع روسيا حتى يكمل جاهزيته، من خلال تقديم الأوكرانين قرابين في هذه الحرب؟ ماذا لو قضت روسيا على الجيش الأوكراني وشردت باقي الشعب؟ لقد أحدثت الحرب في أوكرانيا العديد من التغييرات، ونتج عنها كثير من التداعيات، على النطاق العالمي. ففي أوروبا هناك بنية أمنية جديدة في طور التكوين، من خلال ميزانيات عسكرية ضخمة أعلنتها بعض الدول الأوروبية، ودعوات لتشكيل جيش أوروبي موازي للناتو وربما بديل عنه. وتكلات اقتصادية وعسكرية في آسيا والمحيط الهندي، منها ما أُعلن عنه في زيارة بايدن الآسيوية لكوريا الجنوبية واليابان، ومنها ما يزال في طي الكتمان. ومعركة الغاز على أشدّها فروسيا صاحبة أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، تُنتج مايربو علن ١٧ في المائة من الغاز الطبيعي العالمي، وتوفر للإتحاد الأوروبي 40 في المائة من احتياجاته من الغاز الطبيعي، و27 في المائة من نفطه، وما قامت به مؤخراً باستخدام صادراتها من الغاز كسلاح في الحرب، بوقف تدفق الغاز إلى بعض دول أوروبا، وآخر دولة أوقفت عنها الغاز فنلندا. منذ وقت ليس ببعيد، كان هناك اندفاع لشراء الغاز الروسي من قبل الدول الأوروبية، والآن هناك اندفاع لتقليل الإعتماد عليه.! وإن كان ذلك ليس بالمهمة المستحيلة، فقد تكون هناك بدائل، لكن هناك حاجة إلى الوقت لتوفيرها، وسيكون لذلك تكلفة بلا شك. تأتي غالبية خطوط الأنابيب الحالية إلى أوروبا من روسيا، وهناك حاجة إلى خطوط الأنابيب غير الروسية، إما عن طريق بناء خطوط جديدة، أو الاتصال بخطوط أنابيب من خارج روسيا. ومع أن التحول إلى الغاز الطبيعي المسال خياراً ممكناً، لكنه أكثر تكلفة. أيضاً، يتطلب شحن الغاز الطبيعي المسال بكميات كافية عدداً كافياً من السفن والبنية التحتية ذات الصلة، مثل محطات الغاز الطبيعي المسال اللازمة لتحويل الغاز الطبيعي المسال إلى شكل قابل للاستخدام. وإذا كان النفط والغاز الروسي فرس الرهان في هذه الحرب، فإن أزمة الغذاء، التي تلوح في الأفق، سوف تكون محل الإهتمام وميدان الحسم في قادم الأيام، والنتيجة الأكثر احتمالاً، على المدى المتوسط على الأقل، تبدو وكأنها صراع مجمّد في ظل استمرار التداعيات العالمية، للحرب الروسية الأوكرانية. إن نبرة الخطابات السياسية أصبحت أقل حدّة، هذه الأيام، إلا أن هذا بحد ذاته مؤشر خطير، ويدل على أن وقت الكلام إنتهى، وزمن التهديد والوعيد ولّى، فكل التحذيرات وحتى التهديدات التي تبناها الغرب في بداية الحرب لم تجدِ نفعاً، ولم تغيّر في الأمر شيء، وعليه فإن الأفعال هي القادم، فهل نرى تصعيداً عسكرياً غربياً يرافق إعلان انضمام فنلندا والسويد وربما أوكرانيا إلى الناتو؟ أم هل تفعلها روسيا وتنفّذ تهديدها باستخدام النووي، لمنع انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو؟ هل تتنازل روسيا عن بعض أهدافها، وتكتفي بما تحقق لها في ماريوبول والدونباس لحد الآن؟ أم أن خططها وأهدافها أكبر من ذلك ؟ هل تخطط روسيا لجر الناتو إلى أوكرانيا ؟ أم هل يخطط الناتو لؤد روسيا في أوكرانيا؟ ملهي شراحيلي
مشاركة :