تقف أسوارها شامخة تطل على مدينة سلا التاريخية أعلى قمة هضبة "وادي أبي رقراق".. وتحتضن أمواج المحيط الثائرة لتهدأ على شاطئها الشاهد على تاريخ المغرب منذ القرن الثاني عشر الميلادي. قصبة الأوداية أو "حصن رباط بني تارغة"... المدينة العتيقة في العاصمة المغربية الرباط.. يمكن للزائر الدخول إليها عبر ثلاثة أبواب يحتفظ كل منها بسمكه الكبير وارتفاعه الشاهق ومتانته منذ القرن الثاني عشر حتى اليوم. المدخل الأول للمدينة عبر الباب الأثري الكبير المؤدي إلى سوق الغزل، والذي يبلغ طوله نحو 39 مترا وعرضه 16 مترا، فيما يبلغ علوه 13 مترا، بينما يقع الباب الثاني إلى جوار برج المدينة، أما الباب الثالث فيقع قبالة الجهة الشمالية الشرقية للمتحف. بوابة الرباط تعد قصبة الأوداية بوابة العاصمة المغربية، إذ إنها تقع إلى جوار بقايا مدينة "شالة" الرومانية، وصومعة حسان، وضريح العاهل المغربي محمد الخامس، وتتألف من جزء علوي أسسه الموحدون، ومن جزء سفلي أسسه العلويون. يبلغ عرض السور المحيط بالقصبة، والذي شيد في عهد دولة الموحدين نحو 2.50 متر، فيما يبلغ الارتفاع من 9 إلى 10 أمتار. السير بين أزقة المدينة الضيقة ليس هينا، فلا يمكن أن تخطو خطوة إلا وترغم للوقوف أمام مشاهد بديعة لجدران وأبواب منازل تحمل تاريخ مئات السنوات وآلاف الحكايات، وخطوات الملايين قبلك قد وقفت أو مرت منها. النظر من المدينة إلى البحر يعيدك إلى مئات السنوات إن كنت قرأت عن المكان جيدا، فكم من المعارك التي انطلق جنودها من هذه النقطة، وكم منهم عاد إليها، حيث كانت القاعدة العسكرية التي تنطلق منها الجيوش نحو إسبانيا. تأسيس الأوداية كان الهدف من إنشاء الأوداية في عهد المرابطين "القرن الخامس والسادس الهجري"، هو جعلها قاعدة عسكرية، إذ وضع لبناتها الأولى السلطان المرابطي يوسف بن تاشفين في بداية القرن الثاني عشر الميلادي، وكانت قاعدة لجيوشه تنطلق منها لمحاربة الإسبان في الأندلس. اعتمدها فيما بعد سلاطين دولة الموحدين بقيادة محمد بن تومرت، بعد وصولهم للحكم وسقوط دولة المرابطين، وشيد بها السلطان عبد المؤمن الموحدي قصرا خاصا ومسجدا ومباني للجنود، ولا تزال حتى اليوم تحتفظ المدينة بمخازن للذخيرة، وأماكن المدافع التي كانت موجهة باتجاه البحر. يتواجد داخل القصبة، أقدم مسجد في الرباط، يسمى بالجامع العتيق (544هـ/ 1150 م)، كما يأوي حالياً الجناح الأميري الذي بناه المولى إسماعيل، متحفاً للفنون التقليدية. الملاذ في العام 1609 وصل المطرودون من الأندلس خلال عهد الملك الإسباني فيليب الثاني إلى الأوداية ووجدوها خالية فاستوطنوها، وظلت أسماء بعض الأزقة تحمل الأسماء الموريسكية حتى الآن، كما أن بعض النقوش الأندلسية موجودة بشوارع المدينة حتى اليوم. وبعد وصول الدولة العلوية للحكم أولى مولاي عبد الرحمن القصبة أهمية كبيرة، وتشير المراجع التاريخية إلى أنه استقدم جندا من قبائل الأوداية المجاورة لمراكش وأسكن قائدهم في هذه القصبة، والتي أطلق عليها قصبة الأوداية منذ ذلك الحين. وفي عهد العلويين عرفت قصبة الأوداية عدة تغييرات وإصلاحات ما بين سنة (1757-1789)، وكذلك ما بين سنة (1790 و 1792). أما المنشآت العلوية، فتتجلى في الأسوار الرشيدية، والقصر الأميري الذي يقع غربا وكذلك منشئتها العسكرية برج صقالة. هندسة معمارية تجمع الهندسة المعمارية في المدينة بين العمارة الأندلسية والإسلامية، إذ تزين النقوش العربية والكتابات الكوفية بعض أبوابها، فيما بقيت العمارة الأندلسية جلية المعالم خاصة في سورها المعلق. يقول محمد العربي المزوز؛ الباحث التاريخي المغربي، إن الأوداية كانت في البداية قلعة محنة لمحاربة قبائل برغواطية وهي قبائل من غير المسلمين. وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن القلعة كانت تستخدم للمراقبة البحرية والعسكرية، نظرا لموقعها الاستراتيجي، وكانت ملاذ للمسلمين الذين طردوا من الأندلس. وأشار إلى أن الموريسكيين عاشوا فيها بعد هروبهم من الأندلس، كما في المدينة العتيقة في تطوان، وأن هندسة نقل المياه عبر القنوات الفخارية هم من صمموها في المدينة العتيقة وفي الأوداية. مراجع ضمن منشورات جمعية رباط الفتح للتنمية المستديمة، تحت "من سلا إلى شالة.. ذاكرة مدينة"، للباحث سيدي محمد العيوض، يتناول الكتاب المدن المقامة فوق مواقع تاريخية سابقة، ويشير إلى احتمالية إقامة ربوة الأوداية على موقع "شلا" الأول. ويشير الباحث في كتابه إلى أن اسم "شالّة" مشتق من الاسم الفينيقي سلا، الذي يعني صخرة، لافتا إلى التطور الذي عرفته تسمية وادي أبي رقراق، الفاصل بين مدينتي سلا والرباط؛ من "وادي سلاتْ". ويتابع الباحث: "كان لمصب أبي رقراق دور كبير في تطور مدينة سلا منذ بداياتها الأولى، وعلى الرغم من المشاكل التي يطرحها تجمع الرمال عند مصبه، إلا أنه شكل مرسى آمنا للسفن القادمة من عدة نقط"، بحسب" هسبريس". ويسجل الكاتب ذاته أن من شواهد الاستقرار الأولى في سلا، قبل وصول الفينيقيين، "العديد من حجر السيليكيس، منها أدوات موستيرية وسيليكس تعود للفترة النيوليتية". وتابع: "اعتبر عدد من الباحثين أن المدينة في مراحلها الأولى كانت توجد من دون شك فوق مركز فينيقي، أقيم على موضع الأوداية". وتمتد الفترة القديمة لموقع شالة الأثري، وفق المؤلف، بين الفترتين المورية والرومانية؛ أي "بين القرن الثامن والسابع قبل الميلاد إلى القرن الثالث الميلادي؛ ثم تلت هذه الفترة فترة رومانية متأخرة وفترة إسلامية"؛ لتكون المدينة بذلك "حاضرة مورية ورومانية وإسلامية". تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :